تُظهر الكاميرات كيف تمت القصة، حينما قرر محمد الجعبري أن يرافق زميله إلى (حي جعفات أبوت) شمال الخليل بسيارة فولكس واجن "كاديه" سوداء اللون مخترقين حاجز (شمورت).
بدأت الحكاية ما قبل التاسعة مساء بعشر دقائق، بعدما وصل بلاغ لجنود الاحتلال عن إطلاق نار بالقرب من أحد المتاجر على حدود المستوطنة، ثم هرعت قوات كبيرة من الجيش وضابط أمن المنطقة.
البداية كانت حينما خرج من المتجر مستوطن وابنه واستقلا سيارتهما، بدأ محمد الجعبري بإطلاق النار عليهما من بندقية M16 طويلة، قتل المستوطن في المكان وأصيب ابنه بجراح.
ركب الجعبري السيارة، وسارت به وبرفيقه باتجاه الشمال عودة إلى الخليل، ولكن سرا بين الجعبري وبين ربه جعله ينزل من السيارة ما قبل حاجز "شمورت" ويعود ومعه سلاحه إلى نفس المكان عند نفس المتجر مشيًا على الأقدام بينما عادت السيارة وأكملت طريقها متجهة إلى الخليل.
ظهر في تلك اللحظة ما يسمى بـــــ"عوفر أوحنا" وهو أحد المستوطنين المعروفين لدى أهالي الخليل، وله تاريخ طويل يحفظه أهالي المدينة، وقصص تنكيل بالشهداء في منطقة باب الزاوية والبلدة القديمة بالخليل، ومنع إسعافهم وتقديم العلاج لهم.
وصل عوفر أوحنا، ربما صدفة، وربما كان الأمر مدروسا بالنسبة للشهيد الجعبري، وربما رسائل القدر تلك التي جعلته يكون في مكان الحدث بعد سماع إطلاق النار، حينما فاجأه الجعبري وأطلق عليه النار وأصابه بجروح خطيرة قبل أن يتمكن من الهروب والاحتماء في أحد المنازل.
بعد ثوان قليلة، وصل ضابط أمن المنطقة ويدعى "يوني" ومعه جندي كان يقضي إجازة وبحوزته بندقية، لم يتوقف الجعبري، بل أطلق النار عليهما أيضا وأصاب "يوني" بعد تبادل لإطلاق النار. ولا زال الجعبري ثابتا يطلق رصاصه صوب كل مستوطن، ما جعل الاحتلال يستدعي مصفحة ضد الرصاص مع حراس وجنودا آخرين ليطلقوا النار نحو الجعبري.
دورية الأمن بالإضافة إلى جنود الكتيبة رصدوا المسلح، وأطلقوا النار تجاهه ليصاب في ظهره، لم تنته القصة إلا حينما دهس رئيس أركان كريات أربع الجعبري بمركبته المدرعة، ليرتقي شهيدا.
وهكذا استشهد محمد كمال الجعبري (35 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال، وشقيق الأسير وائل الجعبري المحرر والمبعد إلى قطاع غزة.
وبعملية الجعبري عادت موازنة الأثقال بعدما أصاب أهالي الضفة وغزة الإحباط من تناقل الأخبار والحصارات المتتالية على نابلس والقدس وازدحام المواجهات في جنين بينما تغيبت الخليل عن الصورة منذ أشهر، لتعود بقوة وتعدل الميزان.