فايز أيوب الشيخ
يخشى العشرات أو ربما مئات الهاربين من القيادات والعناصر الفتحاوية والأمنية، من العودة إلى قطاع غزة خشية المحاسبة القانونية والقضائية على ما اقترفت أيديهم من جرائم بحق شعبهم وما تسببوا به من فوضي وفلتان أمني في حقبة "السلطة البائدة".
وكان هؤلاء –الفتحاويون-هربوا من قطاع غزة عقب أحداث 16 حزيران2007، واستوطنوا في الضفة المحتلة وفي دولٍ عربية مثل مصر والخليج، إضافة إلى هروب آخرين إلى دولٍ أوروبية.
مرسوم وقرار إجباري
بعد نحو أربعة أعوام على هروبهم، أصدر الرئيس المنتهية ولايته محمود عباس مؤخراً "مرسوماً رئاسياً يجبر تلك القيادات والعناصر الفتحاوية والأمنية الهاربة بالرجوع إلى غزة ومنع سفرهم للخارج، وتهديدهم بقطع رواتبهم إذا لم يلتزموا بالقرار".
وعبر بعض الهاربين وذويهم في أحاديث منفصلة لـ"الرسالة نت"عن خيبة أملهم من القرار الذي اعتبروه "صفعة على وجوههم"، وقال أحدهم -يعمل في قوات الـ17الموالية لعباس- " لقد بقينا على أمل أن يبقى رجوعنا لغزة مرهوناً بانجاز المصالحة"، مؤكداً -على صعيده الشخصي- أنه لن يجازف بالرجوع على الرغم من أنه ليس متورطاً في قضايا إجرامية، حسب زعمه.
أما ضابط آخر، عمل فيما كان يعرف بـ"الأمن الوقائي" الموالي لمحمد دحلان، فقد اعتبر إقامته في نابلس لمدة تزيد عن عامين بعد أن تم ترحيله من القاهرة " إقامة مذلة جداً ما يجعله غير آبه بما يترتب على رجوعة إلى غزة"، مضيفاً:"نار غزة ولا جحيم مصر والضفة..!".
أما ذويه المقيمين في غزة فقد زعموا أن ابنهم لم يقترف ذنباً يجعله مجرماً هارباً من العدالة إلا من عمله لتحصيل راتبه الشهري، معربين عن استعدادهم لتحمل تبعات عودة ابنهم والتحقيق معه لثقتهم بأن ابنهم لم تُلطج يده بدماء أبناء شعبه، على حد قولهم.
ولن يجد "ر.ع" خياراً سوى التفكير بمغادرة القاهرة إلى أي بلد عربي أو أوروبي آخر لشعوره بالخوف، مؤكداً في حديث منقول عن أحد أقاربه "أن عودته تشكل خطراً على حياته لإتهامه بالقتل في مدينة خان يونس، حيث لم تفلح كل الوساطات العشائرية بالعفو عنه من ذوي المغدور".
وبالمقابل، فقد خرج الأسبوع الماضي ذوي ضحايا الفلتان الأمني بمؤتمر صحفي، طالبوا فيه الحكومة الفلسطينية بتنفيذ حكم الإعدام في قتلة أبنائهم، مشددين على أن المجرمين الذين هربوا من القطاع بعد أن ارتكبوا جرائمهم سيلقون مصيرهم وجزاءهم العادل ولو بعد حين.
والجدير ذكره أن جميع من سبقوا بالحديث، أكدوا أنه لم يبدأ تنفيذ وتطبيق المرسوم والقرار الفتحاوي عليهم، ولم يتسن معرفة ما إذا كان سرى على غيرهم. غير أن عدنان الضميري الناطق باسم"أجهزة فتح" كان قد أكد لوكالة أنباء (شينخوا) -قبل أسبوع- أن السلطة تعتزم العمل على اعادة العشرات من عناصرها الأمنية ممن غادروا قطاع غزة، موضحاً أنه يجرى حالياً حصر أعدادهم وهوياتهم تمهيداً لعودتهم إلى القطاع.
تناقض وتخبط فتحاوي
وبالنفي والتأكيد ناقضا نفسيهما في حديثهما لـ"الرسالة نت" كلاً من عضو اللجنة المركزية لفتح عباس زكي وعضو المجلس الثوري للحركة زياد أبو عين بشأن "المرسوم الرئاسي"، فقد نفى زكي، أن يكون صدر موسوماً رئاسياً يقضي بإعادة عناصر الأجهزة الأمنية الهاربين من قطاع غزة عقب أحداث 16حزيران2007.
وبالمقابل، أكد أبو عين، صدور مرسوم بهذا الصدد وتشكيل لجنة مختصة لفحص بقاء من قال عنهم "مهددة حياتهم بالخطر في حال عودتهم"، لافتاً الى أن المرسوم يشمل سكان قطاع غزة الذين هربوا إلى الضفة الغربية والدول العربية والأوروبية.
واعترف أبو عين أن من هؤلاء -القادة الفتحاويين والأمنيين- حالات جدية مطلوبة لحركة حماس ومهددة بالثأر منها على قضايا حدثت في غزة .
وأوضح أن "لجنة الفحص" المشكلة من كوادر فتح وخبراء أمنيين سوف تفحص كل حالة على حدة ومن يثبت أن رجوعه إلى غزة يشكل عليه خطراً حقيقياً فلن يُجبر على العودة، وأما من لا تشكل العودة عليه خطراً جدياً فسوف تطلب منه قيادة فتح الرجوع فوراً.
وأشار أبوعين إلى السلطة ستمنع كافة الالتزامات المالية لمن لا يستجيب للقيادة الفتحاوية بالرجوع إلى غزة.
وفي سؤاله حول ما إذا كانت عودة الهاربين في هذا الظرف والتوقيت الحالي خطوة فتحاوية غير محسوبة..؟، رد أبو عين قائلاً:" نحن معنيون بتعزيز هؤلاء لأن يكونوا قريبين من أسرهم وعوائلهم في غزة، كما أننا معنيون بالمحافظة على حياة المهددة حياتهم بالخطر".
وكانت قيادات من حركة فتح منها "عزام الأحمد وعباس زكي" هددوا أكثر من باتباع استراتيجيات أخرى غير الحوار لاستعادة غزة، في إشارة إلى الخيار العسكري.
بُعد قانوني وقضائي
حركة حماس من ناحيتها، اعتبرت أن قضية عودة الفتحاويين الهاربين إلى غزة "لا تتعلق بالبعد سياسي بل بالبعد الجنائي والأمني"، مبينة أن القانون هو الفصل في مثل هذه الموضوعات، حيث أن الحكومة الفلسطينية على رأس عملها في غزة وهي المسئولة عن تطبيق القانون .
وأكد القيادي بالحركة النائب صلاح البردويل لـ"الرسالة نت" أن حماس لا تمانع في عودة أي فلسطيني إلى وطنه، كما أن حركته لا تفترض أن كل من فروا من غزة هم متهمون، ولكنه شدد على أن كل شخص من هؤلاء الهاربين مشتبه به ومرتبط بقضايا أمنية أو جنائية سوف يخضع للتحقيق ومن ثم للمحاكمة.
وقال البردويل:" الجميع يجب أن يقعوا تحت طائلة القانون، ويستطيع أن أي من هؤلاء الفارين أن يعود إلى غزة ويتحمل النتيجة، فإذا كانت ثمة مخالفات قانونية عليه سواء على مستوى جنائي أو أمني فإنه بالتأكيد سوف يقدم للمحاكم، وإذا ثبت العكس فبالتأكيد سوف يعيش حراً في وطنه وبين أهله ".
خشية من الفوضى والفلتان
ولم يختلف رأي المتحدث بإسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين عما طرحه البردويل، فقد اعتبر أن قطاع غزة جزءٌ من الوطن يحوي جميع الفلسطينيين، و أن الحكومة الفلسطينية ووزارة الداخلية لن تمنع أحداً من دخول غزة.
الغصين شدد هو الآخر لـ"الرسالة نت" على أن هناك استحقاقا لا يمكن تجاوزه وهو الاستحقاق القانوني والجزائي، مؤكداً أنه إذا ثبت على هؤلاء الهاربين أي قضية قانونية أو قضائية فالقضاء له الحق الكامل في مثولهم أمامه وسوف تلتزم وزارة الداخلية بأي أحكام يصدرها القضاء بحقهم.
وأضاف "إن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وهناك قضايا سابقة يجب أن يقفوا أمام القضاء عليها".
ولم يخف الغصين خشية وزارة الداخلية مما قال عنها "الأهداف غير المباشرة لعودة هؤلاء الهاربين"، موضحاً أنه بناءً على معلومات دقيقة لديهم بأن هناك محاولات جديدة من حركة فتح للعبث في الساحة الداخلية لقطاع غزة.
وأردف محذراً :"إذا كان كلام الأحمد وزكي يعني إجبار الهاربين بالرجوع إلى غزة لإعادة الفوضى والفلتان إلى سابق عهده البائد، فهذا سيجعلنا نتعامل معهم بطرق أخرى، ولكننا لا نريد أن نستبق الأمور..؟"، حسبما قال.
ويبدو أن قرار إرجاع الفتحاويين الهاربين إلى غزة أصبح حاجة ملحة لقيادة فتح المحيطة بعباس في الضفة الغربية، مستغلين بذلك فرصة الخلاف الدائر بين عباس ودحلان للتخلص من همهم، حيث أن معظم من هربوا من غزة من الموالين لدحلان.