باحث اجتماعي: يربطها المدخنون بمفهوم الرجولة
الشريعة: مخالفة للطبع السوي والفطرة السليمة
غزة – أحمد الكومي
يحتضنها عاشقها جاهلا أو "متجاهلا" مخاطرها المختلفة، عيناه تنظران إلى لا شيء في تأمل غريب وهدوء عجيب.
كانت بدايتها باختلاط العسل الأسود على أوراق التبغ لتاجر تبغ ظن أنه خسر بضاعته، فوضع التبغ المختلط بالعسل في حجر ووضع فوقه الفحم فكانت هذه البداية التي لا نهاية لها حتى الآن.
تحمل الشيشة أسماء الفواكه : تفاح، أناناس، ليمون وغيرها، ولكن هل تدل هذه الأسماء على حقيقتها؟ ولماذا يقبل الشباب الغزي على تدخينها؟ وما هو الحكم الشرعي فيها؟ وما هي آراء المختصين من الناحية الصحية والاجتماعية والنفسية؟
البطالة والملل
"الرسالة" تجولت بين مقاهي مدينة غزة لتسلط الضوء على ظاهرة انتشار الشيشة، فتوجهت مباشرة إلى مقهى "بساطة" الكائن في مجمع الإيطالي وسط مدينة غزة، وتعود ملكيته للشاب العشريني وليد حسن حجازي، الذي أرجع تزايد عدد المقاهي التي تقدم الشيشة بصورة لم يسبق لها مثيل إلى زيادة نسبة البطالة بين الشباب وأيضاً عدم وجود أندية اجتماعية تحتضن هذا العدد الهائل من الشباب قليل المال كثير الملل.
ومن وسط ضجة التكتلات البشرية من فئة الشباب التي ملأت زوايا المقهى، وعلى إيقاع هتافات المشجعين الذين تسمروا أمام الشاشة الكبيرة التي نصبها صاحب المقهى أخذ كل "زبون" يضع (شيشته) بجانبه وينفث منها الدخان الذي ملأ المكان الضيق شحيح التهوية.
وعلى طاولة مستديرة جلست "الرسالة" مع صاحب المقهى "حجازي" برفقة الرجل الثلاثيني "أبو مازن" ، فقال وهو ينفث سحابة من الدخان: أدخن الشيشة منذ حوالي 4 سنوات أي في أواخر المرحلة الجامعية ولم أدخن السجائر قبل ذلك.
وعن بدايته مع الشيشة قال: انضممت إلى عدد من أفراد الحي في إحدى المقاهي لمشاهدة المباريات العالمية ، فأعجبني منظر تدخين الشيشة فجربتها من أحد الجالسين وكررت ذلك لعدة أيام متتالية، حتى أصبحت عادة يومية.
واعترف أبو مازن بأنه يعلم أن التدخين مضر بالصحة، وعن الشيشة خصوصاً قال بأنه قرأ بان تدخين الشيشة لمرة واحدة يعادل تدخين علبة سجائر كاملة ومع ذلك فإن الرغبة تغلب العقل، بحسب قوله.
ولعل نظرة ثاقبة في يدي صاحب المقهى الوسخة المطلية بسواد الفحم ونظره إلى خطوط العرق البيضاء الجافة على قميصه وإلى أظافره الطويلة المختبئ تحتها سواد الأيام وإلى بنطلونه المتدلي الذي يكنس به الأرض تغني عن كل ملفات الشيشة الصحيحة وتكفي لأن تطلق الشيشة وبالثلاث.
الصحة والمال
الإسلام نهى عن إيذاء البدن والنفس والآخرين، ويقول الدكتور ماهر الحولي أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية إن الصحة والمال وديعتان من الله؛ ولذا لا يجوز للإنسان أن يستخدم شيئاً فيه ضرر بصحته ولا يجوز له أن يضيع ماله، وإنفاق المال في التدخين تضييع للمال.
وأوضح الحولي أن شرب الشيشة والدخان بأنواعه من جملة المحرّمات لما فيهما من الأضرار الكثيرة، لافتا إلى أن الأطباء العارفون أوضحوا بذلك كثرة أضرارهما.
وأضاف:" الله سبحانه وتعالى حرم على المسلمين أن يستعملوا ما يضرهم ، فالواجب على كل من يتعاطاهما تركهما والحذر منهما لقول الله _ عز وجل _ في سورة المائدة يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم :" يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ".
وقال إن تدخين الشيشة يدخل ضمن الأشياء المحرمة لعدة اعتبارات، أولها أن الشيشة تعد من المخدرات التي تذهب العقل، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أسكر قليله فكثيره حرام"، بالإضافة إلى أنها تبذير للمال بغير وجه حق.
وتابع:" الشيشة خائنة للرجولة وعلى غير عادة الطبع السوي والفطرة السليمة، وليست من أفعال العقلاء، لما فيها من ضرر على الصحة نتيجة للمواد السامة التي تؤثر على القلب والرئتين".
ويحرم الإسلام تعاطي التبغ وزراعته استناداً إلى أن التدخين يؤدي إلى التهلكة والتبغ يعتبر مادة مخدرة منهي شرعاً عن استعمالها كسائر المخدرات ، وهو يتسبب في إيذاء الآخرين ، كما يعتبر نوعاً من الإسراف والإنفاق في وجه الشر.
الرجولة وخفة الراس
وبدوره عزا درداح الشاعر أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بغزة، تدخين الشيشة إلى دوافع اجتماعية عدة، تتمثل في شخصية الشاب المدخن والعوامل المحيطة التي تؤثر به.
ومن جملة الدوافع التي أشار إليها الشاعر، ارتباط مفهوم الشيشة بالرجولة، والإحساس بالنشوة والسعادة التي يسميها البعض ممن يتعاطى الشيشة بـ"خفة الراس"، موضحاً أن المجتمع في كثير من الأحيان يستهجن دافع مسايرة الجماعة والأغلبية التي تتعاطى الشيشة.
وأكد أن نقص الإيمان هو الدافع الأقوى في توجه الشاب إلى تدخين الشيشة، وغياب الرقابة الأسرية على الأطفال المقبلين على حياة مليئة بالتحديات.
وللحد من هذه الظاهرة، طالب أستاذ علم النفس الأسرة بالتقليل من مصروف الأطفال، والاعتماد على مصروف الحاجات الأساسية، إلى جانب الإشراف ومتابعة الأصدقاء المرافقين للطفل، والتحكم في سلوكه مبكراً لتجنيب الوقوع في فخ التدخين.
ودعا الأسرة إلى توفير مجالات للترويح والتثقيف تبيد مضار التوجه للتدخين، بالإضافة إلى المساعدة في تخطيط حياة الشاب وتوجيهه نحو السلوك الصحيح.
فراغ ورغبة
صاحب المقهى حجازي أشار إلى أن تكلفة الجلسة الواحدة لتدخين الشيشة تصل إلى ثمانية شواقل وذلك يشمل الشيشة والمشروبات كالشاي والماء، ليقطع حديثنا أبو مازن ويقول:" صحيح أن المبلغ مرهق مادياً خاصة أنني أدفعه يوميا ما يشكل دافعاً لتركها، لكن ماذا عساني أفعل وأنا أرى الكل من أصحابي يدخن الشيشة".
وأضاف حجازي:" رغم علم الجميع بمضار الشيشة واحتمال تسببها بأمراض لا حصر لها فإنهم يقبلون عليها، ورغم أنها ترهق البعض مادياً ولكن يصر الجميع على تدبير المال لكي يمارس عادته اليومية في تدخين الشيشة".
نظرة واحدة على المقاهي باختلاف مستوياتها التي تزحم بالشباب ستعزز الفكرة والصورة التي نتحدث عنها، والمشكلة الرئيسة تتمثل في انتشار هذه المقاهي بصورة كبيرة، في كل حي ومدينة بعضها مشرعة الأبواب والأخرى مغلقة، أو هكذا تبدو.
وهو ما قد يغري الجنس اللطيف للتوجه إلى تدخين الشيشة، لتشكل ظاهرة لها أبعاد اجتماعية ونفسية، تتلخص في تقليد المرأة للرجل في هذه العادة لتنافسه في سلوكه وتتحداه وتأخذ منه ما هو مرتبط به، بالإضافة إلى الظهور بمظهر اجتماعي معين.
أما في غزة، فقد حسمت الحكومة الفلسطينية قرارها وقررت منع النساء والفتيات من تناول النرجيلة في الأماكن العامة المفتوحة.
وتقوم الشرطة بمتابعة وتنفيذ قرار وزارة الداخلية بمنع النساء والفتيات من تناول النرجيلة في الأماكن المفتوحة مثل البحر، والتي تتنافى مع ارث وعادات وتقاليد شعبنا الفلسطيني.
ويستذكر الكاتب عبد الحميد عبد العاطي ما قاله أحد مدخني الشيشة:" بتخلى عن أولادي ولا بتخلي عن الشيشة"، مبديا استغرابه من الحالة التي وصل إليها مدمنو الشيشة.