قد تجد حكومة بنيامين نتنياهو الناشئة مع شركائه إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش نفسها قريبًا في مسار تصادمي مع محكمة العدل الدولية في لاهاي.
فقد يمكن أن يتحول الموضوعان الرئيسان اللذان تعتزم الحكومة الجديدة التلويح بهما كسيف ذي حدين قد يعززان توصيات المحكمة التي اعتبرها المستوى السياسي منذ البداية هيئة منحازة ضد (إسرائيل).
والقضية الأولى للحكومة الناشئة هي تحرك دراماتيكي لتغيير وجه النظام القانوني في (إسرائيل)، فمثل هذه الخطوة قد تضر بالصورة المستقلة للقضاة وتزيد من التأثير السياسي على انتخابهم، قد يظهر هذا كمن يطلق النار على قدمه.
وحتى الآن اعترفت المنتديات الدولية التي فحصت سلوك الاحتلال في الضفة الغربية بمحاكم الاحتلال كهيئات مستقلة ومصدر للسلطة، وساعدت أحكام المحاكم بشأن سلوك جيش الاحتلال (الإسرائيلي) وبشأن القضايا المتعلقة بالوجود (الإسرائيلي) في الضفة الغربية حكومات الاحتلال على مر السنين في أن توضح للمجتمع الدولي أنها تعمل وفقًا للقانون وتحت الإشراف.
والتصريحات العلنية لأعضاء الحكومة المستقبلية ضد مهنية المحكمة العليا، ومحاولات المستوى السياسي للتأثير على تركيبتها أو على القرارات التي ستتخذها في المستقبل – قد يقوض مكانتها الدولية ويؤدي إلى كارثة دبلوماسية.
القضية الثانية هي تعميق المشروع الاستيطاني ومعارضة التقدم في عملية سياسية مع الفلسطينيين، قد يؤدي ذلك إلى تطرف القرارات ضد (إسرائيل) ويزيد من التزام المجتمع الدولي بتنفيذها في المستقبل.
وطالب مصدر دبلوماسي نتنياهو بتبني خط معتدل لتجنب الانهيار السياسي من ناحية أخرى، ادعى مسؤول (إسرائيلي) كبير آخر أن تقريرًا متطرفًا قد يوفر للحكومة اليمينية سببًا لـ “قلب الطاولة “، وتعزيز تحركات مهمة للترويج لرؤيتها.
من الواضح في (إسرائيل) أن المحكمة هيئة ملوثة سياسياً: بعض القضاة العاملين فيها هم شخصيات ذوو وجهة نظر سياسية معلنة؛ يأتي بعضهم من دول لا يكون النظام القانوني فيها غربيًا ومستقلًا؛ والبعض منهم ينفذ في قراراته توجيهات الدولة التي يمثلونها.
وتجري نشاطاتها بشكل رئيسي في الميدان الدبلوماسي، وتأثيرها على الواقع بعد ذلك محدود.
على الرغم من أن الوثيقة الصادرة عن المحكمة ليست ملزمة، إلا أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد تتبناها وتتصرف وفقًا لها.
وسيستخدم الفلسطينيون أي قرار لصالحهم كأساس لدفع أجندتهم في الساحة الدبلوماسية. إلى جانب تحديد مبادئ قد يدمج واضعو التقرير النهائي أيضًا توصيات بفرض عقوبات يكون بعضها متطرف، مثل الدعوة لمنع المستوطنين من دخول دول أخرى أو المطالبة بفرض مقاطعة على عقد صفقات مع (إسرائيل).
على الرغم من ذلك، هناك من يزعم في (إسرائيل) أن المستوى السياسي يجب ألا يتعاون مع مؤسسة منحازة سياسيًا، مما يسمح لها باتخاذ قرارات تتعلق بشؤونها الأمنية الصرفة، وقدر دبلوماسيون نهاية الأسبوع أن الأجواء السياسية في إسرائيل خلال المباحثات ستتخلل القرارات التي ستتخذ في لاهاي وتنفيذها.
ومن الأمثلة الواضحة اجتماع المحكمة في لاهاي عام 2004 من أجل صياغة رأي حول مسار جدار الفصل. في تلك الأيام كانت إسرائيل في خضم الاستعدادات لإخلاء قطاع غزة في إطار خطة فك الارتباط. كانت الأجواء في المجتمع الدولي مواتية (لإسرائيل).
كانت استنتاجات التقرير قاسية نسبيًا بالفعل، لكن تنفيذها انتهى في دقيقة صمت: (إسرائيل) تحت رعاية المحكمة العليا، غيرت مسار الجدار من تلقاء نفسها خلال المناقشات، ونجحت وزارة الخارجية في وقف حشد المجتمع الدولي لتنفيذ التوصيات التي وردت فيه.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت (إسرائيل) ستتعاون مع المحكمة. وأوصى مسؤولون في وزارة الخارجية في نهاية الأسبوع بعدم المثول أمام المحكمة من أجل عدم إضفاء الشرعية على القرارات التي ستتخذها. لكن القرار بشأن هذه المسألة ستتخذه الحكومة المقبلة، التي سيتم تشكيلها في الأسابيع المقبلة وفقط بعد موافقة الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار في غضون شهر تقريبًا.
لمقاطعة عمل المحكمة هناك منفعة وضرر: التجاهل (الإسرائيلي) للنقاش قد يعزز بالفعل الاستنتاجات ضد إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه سيساعد المستوى السياسي على تقويض مصداقية النتائج الواردة في التقرير. عندما حكمت المحكمة عام 2004 أن بناء جدار الفصل هو بمثابة ضم وغير قانوني، ادعت النيابة ردا على ذلك أن القرار استند إلى بيانات جزئية وقديمة، لأن إسرائيل لم تتعاون ولم تسلم هذه البيانات إلى الفريق الذي فحص المشكلة.
المصدر الهدهد
وحتى لو قاطعت إسرائيل المناقشات، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستؤثر أنشطة المحكمة في لاهاي وتقريرها النهائي على السياسة في الضفة الغربية، وما إذا كانت المادة اللاصقة التي يتشكل التحالف الجديد بمساعدتها ستصمد في حالة قيام نتنياهو اتخاذ موقف سياسي معتدل في محاولة لتقليل الضرر. هل سيكون للمناقشات في المحكمة تأثير مخيف على سياسة المستوطنات لحكومة بن غفير سموتريتش؟ هل خطاب الضم الذي قاده نتنياهو في نهاية عهده؟ سيعود الآن ومن ناحية أخرى هل ستسمح الحكومة القادمة بتوسيع البناء للفلسطينيين والعمل على تقليص الأضرار التي تلحق بتنقلهم في الضفة الغربية؟.