الحياة تعود لدير القديس هيلاريون

الرسالة نت-محمد بلّور

لو كان القديس "هيلاريون" حيا ورأى ما يحدث ما وسعه إلا أن يرفع قبعته تحية لأولئك العمال الذين جاؤوا لنفض الغبار عن تاريخه العتيق ومكانه المفضل .

ويقع "دير القديس هيلاريون" في منطقة "تل أم عامر" أقصى جنوب غرب مخيم النصيرات ويعود تاريخه لسنة 329 ميلادية،  وهو من أهم المواقع الأثرية في فلسطين .

تغري أشعة الشمس طواقم العمل في "تل أم عامر" أو "دير القديس هيلاريون" لمواصلة العمل في المرحلة الأولى من إعادة ترميم الدير انتظارا لفتحه أمام الزائرين .

عشرات القطع الأثرية من فسيفساء وأعمدة رومانية وتيجان وأخواتها سافرت منذ عشرات السنين على يد اللصوص إلى غير رجعة واليوم يحاولون إسعاف حقبة "هيلاريون" التاريخية لحفظ تاريخ أحد الفلسطينيين القدماء .

خطة الترميم

و وزير السياحة والآثار رمضان الأغا تحلي بكنزة صوفية وعقد راحتيه خلف ظهره وهو يستمع لملاحظات مدير مركز عمارة التراث بالجامعة الإسلامية د. احمد محيسن حول  خطة الترميم التي تنتهجها الوزارة تركز حاليا على 4 مواقع أثرية أهمها قصر الباشا وقلعة برقوق وتل رفح الأثري وأخيرا "دير هيلاريون" , وقد تم الانتهاء من بعضها بينما يعكفون الآن على "دير هيلاريون".

وأوضح الاغا لـ " الرسالة نت "  أن المشاريع الثلاثة الأولى كانت بتمويل حكومي، بينما الأخير يجري بتمويل فرنسي بالتعاون مع الجامعة الإسلامية".

يدير الأغا رقبته يمينا وشمالا في جولة شخصية مقتضبة قبل أن يضيف:" متوقع خلال شهور الوصول لشكل جديد للدير يجذب السياح من الداخل والخارج" .

بدوره، نقل محيسن للأغا تصورا عن المساحة المطلوبة ضمها للموقع الأثري حفظا لجغرافيا المكان وطلبا لتوسعة العمل المتوقع.

شدّ محيسن قامته وهو يقول إن العمل يجري الآن للحفاظ على "تل أم عامر" بتمويل القنصلية الفرنسية والتعاون مع اليونسكو .

وحول مراحل العمل أضاف :" الأولى، تنظيف المكان من الأعشاب، والثانية ترميم أرضيات الفسيفساء وأعمدة الرخام، والثالثة بناء سور خارجي لحماية المكان وجسور داخلية وأخيرا افتتاحه أمام الزوار".

موقع أثري

ويرقد دير هيلاريون في مساحة تقدر بعدة دونمات تتوسطها مظلتين من الصفيح لحماية أرضيتين من الفسيفساء الجميلة بينما يظهر للعيان بقايا حجرات ومرافق الدير والفندق الأثري .

ينقسم الدير لأجزاء الأول هو الجزء المعماري وبه المنطقة الخدمية جنوب غرب الدير وهي عبارة عن حجرات لرجال الدين والجزء المعماري.

والثاني كنيسة بنظام "بازيلكي" به 3 أروقة بأعمدة رخامية، في حين أن الجزء المعماري الثالث هو الديماس في طريقه درج يؤدي لمبنى تحت الأرض به بقايا تابوت القديس هيلاريون و الرابع حوض التعميد وصالاته وبه أرضية فسيفساء وأخيرا الجزء المعماري الخامس وبه الحمامات وقنوات مياه ساخنة وبارده ومياه صرف صحية

ويرى د. محيسن أن تاريخ الدير يعود لسنة 329 م وهو تابع للقديس هيلاريون وهو ناسك فلسطيني أقام في البداية صومعة ثم أحاط به مريدوه وأقيم بعد وفاته كنيسة أضيف لها لاحقا حمام روماني وفندق أثري لإقامة الحجاج الذين كانوا يحلون أياما في الدير .

ويتوقع أن الآثار في الدير لم تكتشف كلها حيث اكتشفت فيلا من نفس الحقبة في الجزء الشمالي الشرقي لازال معظمها تحت التراب.

أما مدير عام وزارة السياحة والآثار د.محمد خلّة فقد فضل افتتاح يومه بجولة في دير هيلاريون حيث زاره من قبل عدة مرات ويتابع الآن ما يجرى فيه . 

وقال إن الباحثين يؤكدون أن الدير يعد من أهم أديرة فلسطين بل والشرق الأوسط حيث أقيم بعد اعتراف الرومان بالديانة المسيحية تخليدا للقديس هيلاريون .

وأكد أن "هيلاريون" أدخل عليه تعديلات في العهد البيزنطي وظل قائما حتى العهد الأموي إلى أن دمر زلزال ضرب غزة جزء كبيرا منه.

وأضاف: "بدأ العمل به سنة 1995 ولكنه ترك بعدها لعوامل التعرية فتضرر وسرقت أثاره في الفلتان الأمني ولم يبق من مظاهر رعايته سوى مظللتين من الصفيح فوق لوحات الفسيفساء.

موقع سياحي

وتتقاطع داخل الموقع الأثري أشرطة بلاستيكية وضعوها لمنع الزائرين من أن يدوسوا بأقدامهم مواقع العمل بينما تجتهد أكف العمال في إزالة الأعشاب البرية.

وعاد الوزير الأغا ليؤكد "للرسالة" أن ترميم المواقع الأثرية تواجهه عقبات أهمها الحصار وإجراءات الاحتلال، مشددا على عزمه إنهاء ترميم "دير هيلاريون" ليرى النور قريبا .

في حين يعزو د. خلّة انخفاض حركة السياحة إلى ضعف الاستقرار الأمني ما يؤثر سلبا على الثقافة السياحية .

وضع خلّة يديه على خصره وأضاف:" تفاجئنا أن معظم الناس لا تعرف هذا الدير وقد ساهم إهمال الحكومات السابقة في ذلك إما في خطتنا الإستراتيجية للسياحة فبدأنا الاتصال بوسائل الإعلام كي يتحدثوا عن آثارنا وتواصلنا مع وزارة التعليم لإدخال الآثار في المناهج ثم سنفتح المواقع أمام الزوار من الطلبة والناس عموما" .

لماذا الفرنسيون ؟

وعلى فترات متباعدة زار باحثون ومنقبون يتكلمون الفرنسية دير هيلاريون ومنذ أسابيع عاد بعضهم لمكان شغفهم حبا .

وفي هذا السياق يقول الوزير الأغا "للرسالة" إن الفرنسيين حاولوا توفير بعض الإمكانات لمواصلة العمل في دير القديس هيلاريون، ممتدحا التنسيق المستمر بين وزارته والجامعة الإسلامية .

اما د. محيسن فيعزو إقبال الفرنسيين على إعادة ترميم الدير إلى اهتمامات خاصة حيث جرت العادة على شغفهم بالآثار الرومانية والمسيحية سواء كانت الأسباب دينية أم علمية .

وأشار إلى اهتمام كل من المدرسة الإنجيلية بالقدس المتخصصة في التنقيب و كل من ايطاليا ومنظمة اليونسكو بالآثار الفلسطينية إلى جانب اهتمام فرنسا الخاص بالحفريات حيث أفردوا لها متخصصين .

ويمكن لزوار دير القديس هيلاريون العودة 1700 سنة للوراء وتصوّر طبيعة الحياة والحركة في حجرات ومرافق بقي منها القليل .

 

 

البث المباشر