ينقش الشهداء الفلسطينيون حكاياتهم البطولية بطريقتهم الخاصة، لا يستعرضون أفكارهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليصطادهم الاحتلال، بل يبعدون كل التكهنات المحيطة بهم إن أرادوا القيام بعملية فدائية.
وقليلا ما يبزغ سيط شهيد نفذ عملية بطولية إلا بعد نيله الشهادة، فالعمل المقاوم بصمت هو عنوان الشباب الفلسطيني الثائر، يقتنصون الفرصة لتمريغ المحتل وفرض مقاومتهم على الأرض.
في يوم الاستقلال الفلسطيني، قرر الشاب محمد صوف -19 عاما- أن يعلن استقلال بلده على طريقته حين نفذ عملية طعن عند مدخل مستوطنة أريئيل ثم نفذ عملية أخرى داخل محطة وقود، قبل أن يستقل مركبة وينفذ عملية دهس.
على إثر العملية الفدائية التي نفذها صوف، قتل 3 مستوطنين وأصيب 3 آخرين بحالة الخطر.
الشهيد صوف من قرية حارس قضاء سلفيت تبعد عن العملية بـ2 كم، ويحيط بها ثكنة أمنية وتواجد أمني كثيف لقوات الاحتلال بشكل دائم، وهي منطقة معقدة أمنية، ولا يستطيع أحد الدخول لها إذا لم يحصل على تصريح.
ولأن الشباب الثائر في الضفة والقدس يرفضون قوانين المحتل ومنهجه في محاصرتهم، باتوا يخرجون للمواجهة ليل نهار، مما يرهق المنظومة الأمنية والعسكرية، فلم تعد (إسرائيل) قادرة على تحديد المنطقة التي سيخرج منها المقاوم الجديد أو التوقيت حتى.
وفي السنوات الأخيرة، راوغ المقاومين المحتل كثيرا، فصفاتهم وأشكالهم لم تعد تلك المتعارف عليها فتارة يكون شابا بعضلات يرتدي ملابس بماركات عالمية، وتارة يحمل سيجارة ينفثها في وجه الجندي ويمر عنه بكل أريحية، فسماتهم باتت ضبابية بالنسبة للمحتل، جعلت الأخير في حالة تيه وهو يحاول السيطرة على أي عملية قد تحدث.
وليس كما يحاول الاحتلال الترويج لحياة الشهداء بأنها بائسة ويعيشون ظروف اقتصادية تدفعهم لذلك، فالواقع يثبت عكس ذلك فكثيرا ما تظهر معالم الرفاهية التي يعيشونها، فهم يحملون شهادات عليا ويعيشون في بيوت أنيقة، ولديهم عوائل ثرية بمقاومتها، فالبطل منهم حين يتجهز لعملية بطولية يدرك ما يفعله.
وكأي ثائر حر يعيش في الضفة أو القدس، انتفض الشاب صوف لينتقم من الاحتلال الذي أنهى حياة فتاة بدم بارد أمس ليلا وهي "فلة المسالمة" ثم نزعوا عنها الملابس، فكان من الطبيعي الرد على تلك العملية الهمجية.
وليست تلك الحادثة التي تستفز الشهيد "صوف" ورفقاءه، بل اقتحامات المسجد الأقصى المستمرة التي يتعمد الاحتلال فيها استفزاز مشاعر المسلمين وتدنيس مكان له مكانته لديهم، بالإضافة إلى الاقتحامات اليومية للقرى والبلدات الفلسطينية.
كالأسد المغوار انطلق الشهيد "صوف" إلى المستوطنة القريبة منه وبدأ عمليته التي استمرت 20 دقيقة في منطقة مليئة بالجنود والمستوطنين المسلحين، وتمكّن من الانتقال لأكثر من مكان والاستمرار في تنفيذ هجماته، مقابل جنود مجهزين بأعتى الأجهزة الحديثة.
ماذا يفعل الاحتلال بعد انتهاء العملية؟ كعادة الضعيف الذي يريد أن يظهر قوته هناك انتشار واسع لجنود (الإسرائيليين) بالقرب من بيت منفذ عملية سلفيت، وكالعادة الهدف هو اعتقال أفراد عائلته والتحقيق معهم.
لن تنته قافلة الشهداء عند "صوف"، فقائمة الأبطال لازالت طويلة حتى تحرير الأرض على طريقتهم.