"500 مليون دولار كل أسبوع و220 مليار دولار تكلفة إجمالية".. هذا ما أنفقته قطر على الإنشاءات والتجهيزات الخاصة باستضافتها بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي تقام في الفترة من 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حتى 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ما دفع عديد المراقبين للتساؤل عن الجدوى الاقتصادية للاستضافة، وما إذا كان بإمكان الدولة الخليجية تحقيق عوائد منها.
وتفوق هذه الكلفة الإجمالية كل ما صرف بنسخ كأس العالم الماضية، بما في ذلك نسخة مونديال فرنسا عام 1998 (2.3 مليار دولار) ومونديال ألمانيا عام 2006 (4.3 مليار دولار) ومونديال كوريا واليابان عام 2002 (7 مليارات دولار) ومونديال روسيا عام 2018 (11.6 مليار دولار)، ولذا يصف مراقبون مونديال قطر بأنه "الأغلى على الإطلاق".
وتعد نسخة كأس العالم الأخيرة في روسيا الأكثر إنفاقا قبل انطلاق مونديال قطر، ما يكشف حجم القفزة الهائلة في الإنفاق على إنشاءات وتجهيزات البطولة، فهل يمكن للدولة الخليجية تحقيق عوائد من تنظيم البطولة تفوق هذا الرقم الفلكي؟
اقرأ أيضاً: القضية الفلسطينية حاضرة على مدرجات ملاعب المونديال القطري
الإجابة لا، ونعم في الوقت ذاته، حسبما يرى الخبير الاقتصادي "حاتم غندير"، موضحا أن قياس الكلفة شاملا إنشاءات "البنية التحتية"، التي تمثل أغلب الإنفاق على مونديال قطر، يعني حساب العوائد على المدى المتوسط والطويل، والذي ستستفيد منه قطرا لعقود قادمة، أما قياس الكلفة على العوائد المباشرة من تنظيم البطولة فلا يغطي الكلفة الإجمالية قطعا، وفقا لما أورده "الجزيرة نت".
وتعد "البنية التحتية" كلمة السر في الفجوة الهائلة بالإنفاق بين مونديالي روسيا وقطر، إذ احتاجت قطر، الدولة الخليجية الصغيرة، إلى منظومة بنية تحتية متكاملة للتمكن من تنظيم البطولة، التي ستكون أحداثها مكثفة في بقعة جغرافية صغيرة، قد لا تتجاوز المدة الزمنية للتنقل بين ملاعبها الـ10 دقائق، بعكس روسيا وغيرها من الدول التي تتمتع بمساحات جغرافية واسعة ومنظومة بنية تحتية شبه جاهزة.
وشملت منظومة البنية التحتية العملاقة، التي أنفقت عليها قطر أغلب كلفة التجهيز للمونديال، شبكة متكاملة من الطرق والجسور والصرف الصحي والاتصالات والمواصلات، بما في ذلك 3 خطوط لمترو الأنفاق بطول 76 كيلومترا، إضافة إلى توسيع مطار حمد الدولي بالدوحة، وبناء مدينة لوسيل، التي تستوعب أكثر من 200 ألف نسمة، وتضم عددا من الفنادق والشواطئ والمطاعم والمناطق الترفيهية.
وبلغت كلفة إنشاء المدينة وحدها 45 مليار دولار، ما يمثل نسبة معتبرة من كلفة إنشاءات المونديال، لكن عوائدها مستدامة لما بعد البطولة.
الأمر ذاته ينطبق على كلفة خطوط المترو، التي بلغت نحو 36 مليار دولار، وهو مشروع ذو عائد مستدام، كما أنه يمكن جماهير كأس العالم 2022 من مشاهدة أكثر من مباراة في اليوم الواحد، وهي ميزة لم يحصل عليها أي جمهور قبل مونديال قطر.
ولذا يؤكد "خالد علي المولوي"، نائب مدير اللجنة العليا القطرية للمشاريع والإرث، المسؤولة عن تنظيم البطولة، أن ما صرفته بلاده على استضافة المونديال يبقى في المعدلات الطبيعية للبطولات السابقة "إذا ما اقتصر حساب الكلفة على الملاعب والإنشاءات ذات الارتباط المباشر بالمباريات".
ويشير "المولوي" إلى أن كامل مشاريع البنية التحتية للمونديال هي ضمن مشروع استراتيجية قطر 2030، ولا يقتصر العائد منها على فترة تنظيم كأس العالم، مضيفا: "البطولة لم تكن سوى وسيلة لتسريع المشاريع.. ليس أكثر".
وفي السياق، قالت المديرة التنفيذية لإدارة الاتصال والإعلام في اللجنة العليا للمشاريع والإرث "فاطمة النعيمي": "تعد كأس العالم جزءا من رؤية قطر الوطنية 2030، وهي استراتيجية حكومية أوسع لتعزيز التنمية المكثفة للمناطق الحضرية والعالمية. وتشمل المرافق والصناعة الوطنية، بالإضافة إلى أنظمة التعليم والرعاية الصحية"، حسبما أوردته صحيفة "ذا صن" البريطانية.
ووفق حساب الكلفة بمعزل عن إنفاقات البنية التحتية، تتوقع قطر عوائد تصل إلى 20 مليار دولار في فترة كأس العالم، حسب توقعات شركة الأبحاث الاقتصادية "كابيتال إيكونوميكس". البريطانية، بينما بلغت كلفة تجهيز 8 ملاعب لاستضافة البطولة ومرافق التدريب والأماكن المخصصة للمشجعين، المجهزة بتقنية لتكييف الهواء بالطاقة الشمسية نحو 10 مليارات دولار فقط، حسبما صرح الرئيس التنفيذي لمونديال قطر "ناصر الخاطر" لـ "الجزيرة بودكاست"
ويمثل ذلك تحفيزا قويا لاقتصاد قطر على المدى القصير، فضلا عن تحفيز عوائد مشروعات البنية التحتية والمدن على المدى المتوسط والبعيد، حسبما يرى "غندير"، وهو ما أكده إعلان الحكومة القطرية عن توقعات بأن يضيف الإنفاق السياحي والأنشطة الاقتصادية المصاحبة للمونديال ما يعادل 1.5% إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
أما في فترة ما بعد المونديال، فتشير توقعات صندوق النقد الدولي ووكالة "بلومبرج" الأمريكية إلى أن الاقتصاد القطري سيجني عائدات مالية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، نتيجة قفزة متوقعة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد البطولة العالمية.
كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في قطر للعام المقبل 4.4% مدعومًا بالعديد من العوامل الاقتصادية الأساسية، على رأسها استضافة الدولة بطولة كأس العالم.
وتستند هذه التوقعات بالأساس إلى مردود تنظيم المونديال على الاقتصاد القطري في المدى القصير، خاصة بقطاعي السياحة والخدمات، إذ تهدف الدولة إلى تحويل مرافق كأس العالم إلى مجتمعات ومدارس ومستشفيات جديدة، وكذلك إلى نقاط انطلاق لتدفقات السياحة.
فمن شأن كأس العالم أن يعزز مركز قطر على خريطة السياحة العالمية، ويظهر الزخم الإيجابي للقطاع في النصف الأول من عام 2022، خاصة في ظل توقعات الاتحاد الدولي لكرة القدم بأن يسعى نحو 40 مليون شخص لزيارة قطر بعد انتهاء البطولة.
ولذا يؤكد خبير تمويل كرة القدم في جامعة ليفربول، "كيران ماجواير"، أن مونديال قطر يمثل "رهانا على مكاسب القوة الناعمة في المستقبل"، في إشارة إلى المكانة التي ستحظى بها الدولة الخليجية بعد تنظيم البطولة.
الخليج الجديد