نشرت مجلة "فورين بوليسي" الخميس الماضي مقالاً كتبه ستيفن كوك، وهو زميل أول لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، تحت عنوان "مأساة النضال الفلسطيني في المونديال"، استهله قائلاً: "إن السياسة لم تكن مهمة في بطولات كأس العالم لكرة القدم السابقة، ولكن بطولة هذا العام في دولة قطر يتخللها سجل البلاد الضعيف في حقوق مجتمع الميم وإساءة معاملتها للعمال المهاجرين".
ويضيف الكاتب: " كانت الحقوق الفلسطينية أيضاً نقطة خلاف رئيسية؛ فعندما تقدم المغرب إلى دور ربع النهائي بفوزه على إسبانيا، تضمن احتفال اللاعبين على أرض الملعب رفع العلم الفلسطيني بينما رفع المشجعون لافتات كُتب عليها "حرروا فلسطين" في المدرجات وعلقوها على جدران الاستاد.
وخلال مباراة فرنسا وتونس، تسلل أحد المشجعين إلى أرض الملعب وهو يحمل العلم الفلسطيني، ما أثار حماسة الجماهير، وبذلك، تضمنت البطولة عرضاً للتضامن مع الفلسطينيين، ولا شك أنه كان من المهم أن يُرى الفلسطينيون في كأس العالم ولكن إلى أي غاية؟"
ويقول كوك: "لا ينبغي أن يتفاجأ أحد بهذا القدر الذي لا بأس به من النشاط الفلسطيني حول كأس العالم بالنظر إلى مكان انعقاد البطولة والعدد الكبير من المشجعين القادمين من الشرق الأوسط الحاضرين، كما سارع منتقدو إسرائيل إلى القول بإن الدعم الصريح لفلسطين والعداء تجاه الإسرائيليين خلال البطولة أثبت أن اتفاقيات أبراهام -التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان- قد فشلت"، لكن "لا يتضح ما الذي يعنيه ذلك على خلفية زيادة التعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية والتنسيق الأمني بين إسرائيل وتلك الدول، ولكن من الواضح أن غالبية العرب حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يظلون معارضين للتطبيع" وأن استطلاعات الرأي التي أجرتها جماعات متنوعة -بما في ذلك الباروميتر العربي، وخدمات أبحاث زغبي، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- هذه الحقيقة "فعلى أحسن تقدير، يقبل العرب أن إسرائيل هي حقيقة واقعة ولكنهم لا يقبلون بشرعيتها".
ويرى الكاتب أن التضامن المؤيد لفلسطين في كأس العالم يكشف كيف أن النشطاء محرومون من الأفكار الخاصة بالنهوض بالقضية الفلسطينية؛ فبعد أن أحرجوا الصحافيين الإسرائيليين وأهانوهم ورفعوا علم فلسطين وحملوا لافتات كُتب عليها "فلسطين حرة" وهتفوا "بالروح والدم نفديك يا فلسطين"، ماذا بعد؟ فلا شك أن كأس العالم ترفع الوعي بفلسطين، ولكن من حول العالم يحتاج إلى هذا الوعي بالضبط؟ فمن الصعب العثور على قضية حظيت باهتمام دولي أكبر على مدى فترة زمنية أطول من فلسطين، و"لكن لا يبدو أن هناك أي أفكار جديدة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، إذ أصبح حل الدولتين حلماً بعيداً، وتتراوح الأفكار الأخرى من طائشة إلى غير مقبولة".
ويلفت الكاتب إلى أنه سأل ذات مرة محاورة سعودية تعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "هو أفضل شيء حدث للسعودية على الإطلاق" بشأن التطبيع، نظراً لوجهة النظر السائدة بأن ولي العهد يريد إقامة علاقات مع (إسرائيل)، وكانت إجابتها واضحة للغاية: "الستة ملايين مستوطن يمكنهم العودة إلى حيث أتوا، فيما قال أميركي يعيش في أوروبا عمل مستشاراً للسلطة الفلسطينية شيئاً مشابهاً، حيث قال إنه يعتقد أنه يجب استعادة فلسطين وأن (الإسرائيليين) الذين لا يريدون العيش هناك يجب أن يُنقلوا إلى الولايات المتحدة، وهذا يبدو غير مرجح".
وبحسب الكاتب "يوجد دعاة ومحللون يرون طريقاً لحل الدولة الواحدة يعيش فيه اليهود والعرب الفلسطينيون سوياً، ولكن يبدو من الصعب تخيل ذلك نظراً لاتساع وعمق الخلافات بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين حول مجموعة من القضايا الصعبة المتعلقة بالشرعية والهوية والذاكرة التاريخية والقومية".
ويضيف كوك: "ثم أن هناك حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والتي تبدو من الناحية النظرية إستراتيجية ذكية، فمن خلال تسليط الضوء على الظلم الذي يلحق بالفلسطينيين وظلم الصهيونية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي حرم الجامعات وفي مختلف المؤسسات الثقافية، يهدف نشطاء الحملة إلى تقويض الدعم الدولي -السياسي والمالي- لإسرائيل بمرور الوقت، وبمجرد أن تتعرض حكومات العالم لضغوط من شعوبها التي تطالب بالعدالة للفلسطينيين، ستسحب تلك الحكومات دعمها من إسرائيل، ما سيجبر الصراع على الانتهاء".
ويضيف كوك في شرحه: "يقول مؤيدو حركة المقاطعة إن هدفهم هو إقامة دولة فلسطينية، ولكنهم في الغالب لا يعرفون ما إذا كان ذلك يعني دولة إلى جانب إسرائيل أو بدلاً منها. ولا شك أنه ديموغرافياً، يشكل غير اليهود أغلبية في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، خلال المظاهرات السنوية في الحرم الجامعي أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي، تشدد الحكومة الإسرائيلية قبضتها على الضفة الغربية فيما من الواضح أنه ضم زاحف وغير قانوني طويل الأمد. وكان هذا يحدث منذ عقود من الزمن، ومن المحتمل أن يكون قد فات الأوان على وقفه".
وعلاوة على ذلك، بحسب الكاتب " فشل نشطاء حركة المقاطعة في إقناع الشركات العالمية بسحب عملياتها من إسرائيل أو قطع العلاقات معها، ولدى إسرائيل اليوم علاقات مع أكثر من 160 دولة، بما في ذلك ستة أعضاء في جامعة الدول العربية".
ويوضح الكاتب في نهاية المقال "أن مأساة المشكلة الفلسطينية هي أن النشاط السياسي الذي تجلى في كأس العالم لا معنى له في الأساس على أرض الواقع، حيث يوجد صراع لا حل له. فقد أحبطت إسرائيل والولايات المتحدة وحتى الدول العربية الفلسطينيين في كل منعطف، ما قاد إلى حالة من الجمود المستعصي على الحل لأن كل طرف يرفض أبسط مطالب الطرف الآخر من أجل السلام".
ونتيجة لذلك، "سيظل الفلسطينيون على الأرجح بلا دولة ومجردين من ممتلكاتهم، وسيظل الإسرائيليون غرباءً في منطقة يرفض شعبها قبول شرعية دولة يهودية في وسطهم. وبسبب طبيعة السياسة في المنطقة، في اليوم التالي لانتهاء البطولة، سيظل الإسرائيليون يسافرون إلى دبي وأبو ظبي والرباط والمنامة؛ وسيستمر السعوديون في منح تأشيرات خاصة لرجال الأعمال الإسرائيليين؛ وسيواصل القطريون التعامل مع وزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن غزة والسماح لتجار الماس الإسرائيليين بدخول الدوحة؛ وسيظل العلم الفلسطيني يرفرف في أماكن حول المنطقة باستثناء الأماكن التي يريدها الفلسطينيون أكثر من غيرهم: في دولتهم المستقلة".
المصدر: صحيفة القدس