تتجه الأنظار نحو طاولة رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، بعد نجاحه في تشكيل حكومته اليمينية، التي تضم غلاة المستوطنين وكبار أحزابهم اليهودية المتطرفة، في ظل التحذير من حسم ملفات تتعلق بالاستيطان والتهويد.
ويقدّر مراقبون أنّ الحكومة الجديدة، تمثل انعطافا حادًا في سلوك الاحتلال ومسار مستقبله السياسي، وعلى علاقاته الداخلية والخارجية، خاصة في ظل ما برز من خلافات داخل مكونات الاحتلال أولا، ثم داخل مكونات الائتلاف اليميني، الذي يهددّ استمرار وجوده.
** متغيرات مهمة
الخبير في الشأن (الإسرائيلي) بمركز التخطيط للدراسات د. خالد شعبان، أكد أن ّهذه الحكومة تعاني ابتداء من توتر مع واشنطن، بحكم ضمها لشخصيات معروفة بعنصريتها تجاه المواقف المختلفة، وخشية الأولى من اندفاع هذه الحكومة نحو مزيد من التصعيد والتطرف.
ولفت شعبان في حديثه لـ"الرسالة نت" لتصريحات نتنياهو التي هدد فيها بالانسحاب من اتفاقية الغاز، "كانت محاولة لابتزاز واشنطن؛ لإقناعها بمساعدته في تشكيل حكومته واستقرارها".
لكنّ التحدي الرئيسي بعيد تشكيل الحكومة، يبرز في الجبهة الأهم بالنسبة للكيان وهي الضفة والقدس، وحاجة نتنياهو وحكومته اليمينية لتمرير كل التشريعات التي تضمن التمدد الاستيطاني من ناحية، والمسّ بالوجود الفلسطيني تحديدا في أراضي الداخل المحتل من ناحية ثانية.
وأوضح شعبان أنّ هذه الإجراءات، وإن كانت قد تستغرق وقتا، لكنها ستأتي في الطريق، وهذا قد يدفع لمواجهات بين الفينة والأخرى مع غزة تحديدا، التي قد تضطر للدخول على خط المواجهة في حال وجود إجراءات قوية وحاسمة تجاه بعض القضايا التي تتعلق بالضفة.
بدورها قالت هيئة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في افتتاحيتها، السبت الماضي، إن "حكومة (بنيامين) نتنياهو تشكل خطرا على (إسرائيل)."
وأشارت هيئة تحرير الصحيفة في افتتاحيتها التي حملت عنوان "ديمقراطية دولة اليهود في خطر"، إلى أن "الحكومة اليمينية المتطرفة التي ستتولى السلطة قريبًا، بقيادة بنيامين نتنياهو، تمثل اختلافا نوعيا ومثيرا للقلق عن جميع الحكومات الأخرى في تاريخ (إسرائيل)."
واعتبرت افتتاحية الصحيفة أن وضع الحكومة (الإسرائيلية) المقبلة يجعل من المستحيل عسكريًا وسياسيًا، الوصول إلى حل الدولتين، داعية الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن إلى فعل كل ما في وسعها للتعبير عن دعمها لمجتمع تحكمه حقوق متساوية وسيادة القانون في (إسرائيل).
وأوضحت أن الحكومة المقبلة التي ستتشكل من الأحزاب اليمينية المتطرفة، تدعو إلى توسيع وشرعنة المستوطنات بطريقة تجعل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية أمرًا مستحيلًا، كما تدعو إلى تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، وهو عمل ينذر بإثارة جولة جديدة من العنف والتصعيد.
وتابعت: "هذه التحركات مقلقة، وعلى قادة أميركا أن يقولوا ذلك. كان الرد الرئيسي لإدارة بايدن حتى الآن هو خطاب حذر منه وزير الخارجية أنطوني بلينكن الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع السياسات (الإسرائيلية)، وليس الأفراد".
** مليونية المستوطنين
بدوره أكد الخبير في الشؤون الاستيطانية د. محمد عودة، أن حكومة نتنياهو هي الوجه الحقيقي لإفرازات "دولة المستوطنين"، التي نشأت في الضفة والقدس خلال السنوات الماضية من تكثيف الاستيطان، بهدف تغيير الوضع الفلسطيني القائم، وإنهاء الوجود الديمغرافي للشعب الفلسطيني.
وقال عودة لـ"الرسالة نت" إنّ دولة المستوطنين أفرزت قيادة ذات تأثير حقيقي في مؤسسات الكيان، تحديدا في المؤسستين العسكرية والأمنية والسياسية لديه.
ورأى أن هذه الحكومة، تعكس حالة التصور المطلوب في حسم الاستيطان؛ لصالح فكرة تعزيز المكون اليهودي وإنهاء الوجود الفلسطيني، وتحقيق السيطرة المطلوبة في التمدد الديمغرافي للكيان.
وهذا يمثل في جوهره رغبة إبقاء "الزحف الاستيطاني الناعم"، القائم على تمديد ديمغرافي في ظل صعوبة السيطرة الإضافية على الأراضي، بعدما نهب الاستيطان غالبية الأراضي الفلسطينية.
ويقدر عودة المساحة المسيطر عليها في الضفة بقرابة 63%، أي أنها تجاوزت مناطق سي وبي، وهي تصنيفات اتفاق أوسلو للأراضي الفلسطينية.
وحذر من التحدي الأخطر الذي يتمثل في رغبة المستوطنين إقامة "مليونية سكانية" بمستوطنة أرائيل كبرى مستوطنات الضفة.
وبيّن عودة أنّ هذا المخطط "يعني الوصول لدولة تضم مليون مستوطن، وصولا لإقامة حاجز ديمغرافي يهودي، يتيح ضم الضفة نهائيا للاحتلال".
** السيطرة الناعمة
ويشير الباحث في الشأن (الإسرائيلي) سعيد بشارات، إلى خطورة القوانين التي أقرها الاحتلال مؤخرا بشكل غير معلن ترافقا مع أحداث المونديال، ومن بينها سحب صلاحيات إضافية لبتسلئيل سموتريتش، المرشح لوزارة المالية، والذي دعا فيها لتحويل مهام الإدارة المدنية (الإسرائيلية) لوزير يتبع نتنياهو مباشرة.
وأوضح بشارات لـ"الرسالة نت" أنّ هذا المقترح يعني عمليا إخضاع المستوطنات للقانون (الإسرائيلي)، "ما سيجري في تل أبيب، سيحدث في أرائيل على سبيل المثال"، وهذا يعني الضم الصامت للضفة.
أما بقية المناطق التي تخضع للسلطة، فهي ستظل تحت السيطرة العملياتية لوزارة الحرب، بحسب مقترح سموتريش الوافد من المدرسة القانونية.
ويمثل سموتريش الصهيونية الدينية التي حصلت على 15 مقعدا في متغير جوهري ضمن أصوات اليمين المتطرف.