توفي صباح اليوم أيقونة الصمود والرباط في شارع الشهداء والمسجد الإبراهيمي الحاج عبد الرؤوف المحتسب، عن عمر 62 عاما إثر سكتة قلبية، وهذا ليس موتا عاديا، بل هو موت يأتي بعد سنوات طويلة من الثبات.
فهناك على بعد ستين مترا من الحرم الإبراهيمي منزل قديم يعرفه أهالي الحي، تحاصره الحواجز (الإسرائيلية) وتُقسّم الطرق بينه وبين الحرم، وبينه وبين الشوارع الرئيسية، نوافذه تطل على أجساد الجنود الواقفين ليل نهار، يمتلكه رجل كبير في السن بعد أن ورثه عن أبيه وجده، وأسفله محلات تجارية يعتاش منها.
يعرفه الجنود أيضا، وتجار العقار اليهود جيدا، فله معهم قصة طويلة حكاها بنفسه ذات يوم قائلا: "وُلد أبي وجدي هنا وهذه البيوت لنا، وقد ساومنا عليها تجار يهود، الأول دفع ستة، والثاني دفع سبعة، وفي النهاية جاء تاجر عرض عليّ ثلاثين مليون دولار، وحينما رفضت بدأ المبلغ يزيد عاما بعد عام حتى وصل إلى مائة مليون دولار.
أتى لمساومة الحاج المحتسب رجل أعمال من أمريكا، قال له لقد دُفع لك أربعون مليونا، وإذا كنت تخاف من حماس والجهاد، فيمكن أن نحجز لك تأشيرة سفر إلى استراليا، أو اختر البلد التي تريد أن تعيش فيها ولك منا مائة مليون دولار.
ولكن رد الحاج عبد الرؤوف جاء فطريا: "قلت له وأنا أدخن سيجارتي وأشرب قهوتي وأحدق في جدران الحرم من بعيد أمام دكاني" هذه الجلسة التي أجلسها تساوي كل ملايين الأرض، أنا مواليد 1958 وهم أتوا إلى الخليل في 1967، أنا أقدم منهم هنا".
كسّر الجنود محلات الحاج عبد الرؤوف مرة حينما رفض أن يسمح لأعضاء الكنيست بالدخول إلى محله، وكسروه بعدها ثماني مرات، وقد عانى من منعهم له ومضايقاتهم حتى حينما يذهب إلى صلاته.
ويضطر الحاج المحتسب إلى حمل بضاعته على رأسه لأن السيارة ممنوعة من الوصول إلى محله، وكلما خطت قدما الحاج المحتسب تريد الخروج إلى مكان قالوا له كل الأبواب موصدة أمامك، عدا عن المضايقات التي يتعرض لها أبناؤه، إلا أنه ظل هكذا ثابتا يرفض البيع.
توفي الحاج المحتسب هذا الصباح، ولا زالت عتبة بابه تعرف كم صلى عليها نكاية بالاحتلال الذي منعه من الصلاة في الحرم القريب، فيصلي إلى جانبه في الشارع كمقاومة تخصه وحده.
حياة قضاها المحتسب بين الخطر، تربى هناك، وربى أولاده، رغم المضايقات، وحرمان الأطفال من اللعب، لكنه ظل يردد "سأظل صامدا حتى يأخذ الله (وداعته)".
وبحسب اتفاقية وقعت بين السلطة والاحتلال عام 1997، فقد تم تقسيم المدينة إلى قسمين: منطقة H1 الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، ومنطقة H2 التي بقيت تحت سيطرة جيش الاحتلال (الإسرائيلي)، ومن ضمنها البلدة القديمة.
وتبلغ مساحة المنزل والمتجر اللذين كان يمتلكهما المحتسب نحو 700 متر مربع، ويفصلهما حاجز عسكري عن المسجد الإبراهيمي، بينما تسعى جمعيات استيطانية يهودية للسيطرة على أكبر عدد ممكن من المنازل والآثار الفلسطينية في البلدة القديمة، لتحويلها إلى بؤر استيطانية. رحل الحاج المحتسب تاركا إرثه القديم لأبنائه وأحفاده، لعلهم يستمدون من أثره القدرة على الثبات.