بعد أن أعلن نتنياهو لرئيس الدولة هرشوع أنه بانت لديه حكومة، والتي من المحتمل أن يؤدي وزراؤها القسم أمام الكنيست يوم الاثنين في الثاني من يناير القائم، ورغم أن كل الاتفاقيات الائتلافية لم تنشر بعدة فإن ما تنشره الصحافة الإسرائيلية يظهر حجم خضوع نتنياهو الأطماع شركاته التي تجاوزت كل الحدود بمعايير الاتفاقات الائتلافية السابقة، وكان نتنياهو قد عرض الدولة وموازناتها وقوانينها ومؤسساتها لبازار تسوقي جعل ترجماته في الاتفاقات الائتلاقية توصف بـ "الانقلاب" من قبل مقدم نشرة الجمعة في القناة ،12 وجعل لبيد يصفها بالحكومة الأخطر والأكثر تطرفا.
في الاتفاق مع "يهودوت هتوراه"، ضم الاتفاق أكثر من 150 بنڈا، بعضها يعتبر بالمعايير الإسرائيلية هانيا ولا يمكن تنفيذه، مثل أن تمنح المحاكم الدينية الحاخامية المختصة بالقضايا الدينية إمكانية النظر في القضايا المدنية، وسن قانون تعليم التوراة كقانون أساس مواز القانون الخدمة في قوى الأمن، فضلا عن قوانين أخرى تتعلق بهجرة الحفيد، وقوانين دينية تزيد الشقاق مع تيارات اليهودية الإصلاحية التي ينتمي إليها غالبية يهود أمريكا، إضافة إلى الموازنات الكبيرة غير المسبوقة لمؤسسات التعليم الديني، ومضاعفة مخصصات المتزوجين المتفرغين لدراسة التوراة، بحيث تصبح مخصصاتهم أكبر من مرتبات الجنود.
أما بن غفير وسموتريتش فمنحهم نتنياهو كل مفاتيح فرض السيادة والعضم والعنصرية وإعلان الحرب على الشعب الفلسطيني على جانبي حدود الـ 48 وتم تضمين ذلك في صياغة الاتفاقات الائتلاقية مع كلا الحزبين، بما في ذلك قانون الحكم بالإعدام على فلسطينيين متهمين بعمليات قتل الإسرائيايين، على أن يتضمن القانون العسكري إصدار الحكم بأغلبية عادية وأن يتم إدراج الأمر في القانون المدني، وقوانين تتعلق بملاحقة الأسرى والتنكيل بهم داخل السجون.
كما اتفقوا على شطب قانون يمنع المتهم بالتحريض على العنصرية من الترشح للكنيست ومنح الحصانة للجنود، وضخ ثمانية مليارات شيكل لصالح تطوير شوارع المستوطنين في الضفة، مما ينذر بمصادرة آلاف الدونمات لصالح توسعة وشق شوارع استيطانية، وتسوية البؤر الاستيطانية العشوائية عبر تشريعات يتم العمل عليها فور تشكيل الحكومة وربطها بشبكات المياه والكهرباء على الفور، ومدها بموازنة كبيرة لهذا الغرض، وملح سموترينش صلاحية رسم وتنفيذ السياسات الاحتلالية في الضفة.
والأهم من هذا على المستوى السياسي هو اتفاق نتنياهو مع سموتريش على فرض السيادة على الضفة، وقد جاء في نص الاتفاق الائتلافي بين "الليكود" و "الصهيونية الدينية" أن كشعب إسرائيل حق طبيعي في أرض إسرائيل، على ضوء الإيمان بالحق المذكور، سيقود رئيس الحكومة جهود صياعة سياسة بسط السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة المحتلة والدفع بها مع اختيار التوقيت مع مراعاة المصالح القومية والدولية لدولة إسرائيل"، وهذا كله يعني تغييراً كبيرا وعميقا وسريعا على الوضع القائم وفرض أمر واقع من طرف واحد، وهو تحلل كامل وشامل من التزامات إسرائيل تجاه القانون الدولي أو اتفاقيات أوسلو أو التزامها تجاه حلقاتها العرب والأمريكان والغرب، وتحديدا تجاه أمريكا.
نتنياهو يدرك تماما معنى تغيير الوضع القائم في الضفة دون تنسيق مع أمريكا، وقد وصف نتنياهو مثل هذا الأمر في يوليو 2020 بأنه انعدام للمسؤولية، وأنه سيشكل خطرا على الاستيطان وعلى دولة إسرائيل كلها عبر اتخاذ المجتمع الدولي خطوات قاسية ضد إسرائيل وقد جاءت أقوال نتنياهو هذه في معرض رده على انتقادات المستوطنين اتخليه عن قرار فرض السيادة على الضفة، التي كان قد وعدهم بها في يناير 2020 في ظل أجواء صفقة ترامب. أي ان نتنياهو يعرف مغزى ترجمة اتفاقاته الائتلافية على مستوى احتمالية مواجهة أمريكية علنية مع إسرائيل، مما سيمنح ضوءًا أخضر لبعض الدول الغربية لأن تتخذ مواقف منددة وشاحبة للسياسات الاحتلالية.
إسرائيل تخشى كثيرا الانتقادات الغربية العلبية لما تحمله العلنية من قوة تأثير متعددة وهي تتبنى نهج إدارة خلافاتها بسرية بعيدا عن الإعلام. توتر العلاقات المرتقب مع الغرب - ومع أمريكا تحديدا - في ضوء شكل الحكومة القادمة حذر منه مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، ففي تقرير أصدره المركز حذر من الضرر الذي سيلحق بإسرائيل بسبب السياسة التي يتوقع أن تنتهجها الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو، ودخولها على إثر ذلك في صدام مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن
وجاء في التقرير أن على الحكومة الجديدة في إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أن مواجهة
مع الإدارة ستلحق ضررا بقدرتها على إجراء حوار إستراتيجي معها، في هذه الفترة المتخمة بالتطورات في الحلبتين العالمية والإقليمية، وضمن ذلك مواجهة إيران، تصاعد المنافسة مع الصين في الشرق الأوسط أيضا، واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وذكر التقرير بتصريحات بلينكن من أن الإدارة الأميركية ستعارض توسيع المستوطنات في الضفة باتجاه لتنفيذ مخطط الضم والمس بالوضع القائم في المسجد الأقصى. ووفق التقرير، فإن تكرار بلينكن لموقف الولايات المتحدة بهذا الخصوص هو تعبير عن قلق بالغ من السياسة المتوقعة للحكومة الجديدة. وحتى لو جرى تنفيذ قسم من الخطوات التي تطالب بها أحزاب الائتلاف وتعتبرها ضرورية في سياق الأداء الإسرائيلي في القضية الفلسطينية، فإنه لن يكون بالإمكان الامتناع عن صدام مع الإدارة الأمريكية.
السؤال الذي يشغل بال العديد من المراقبين هل يعتزم نتنياهو تنفيذ ما وقع عليه مع شركاته مع كل ما يفرضه ذلك من مس كبير محتمل بسمعة إسرائيل وبشبكة علاقاتها الخارجية بما يمكن تسميته رياح إسناد قوية لمناهضي الاحتلال؟ أم أن نتنياهو على ثقة عالية بقدرته على احتواء الفاشيين والمماطلة في تنفيذ التزاماته، سواء على أمل أن يعزز انتلاقه بشركاء آخرين أو ثقته بأن كرسي الوزارة ومسؤولياته ستعلم شركاته محدودية القوة؟ أم أنه مصاب بجنون القوة ونشوة الانتصار، وعلى قناعة بأن إسرائيل فوق القانون الدولي، وعلى العالم أن يوافق نفس معها؟
مركز أطلس للدراسات