قائمة الموقع

هل بدأت الثورة الفلسطينية مع انطلاقة فتح عام 1965؟

2022-12-30T08:31:00+02:00
الرسالة نت- محمود هنية

ربما صادفتك عبارات من قبيل "أول شهيد أو أسير أو مطارد في الثورة الفلسطينية"؛ لتسأل نفسك عن بدايات هذه الثورة وهل حقّا انطلقت شرارتها عام 1965 مع عملية نفق عليبون الشهيرة؟.
يروق لحركة فتح وناطقيها باستمرار ربط ذكرى انطلاقة الحركة مع الثورة الفلسطينية؛ في مشهد عدّه قيادات تاريخية في منظمة التحرير محاولة انتقاص من تاريخ الثورة الفلسطينية الحقيقية واختزال لها، وإساءة لشعبنا الفلسطيني وأجياله التي سبقت هذا الحدث.
 لا فراغ!
لم تنطلق فتح في فضاء شاغر من الحركة السياسية والوطنية الفلسطينية، بل من رحم شعب كان يزخر بالحياة السياسية الحزبية الفاعلة، بحسب د. عبد الجواد صالح عضو اللجنة التنفيذية السابق بمنظمة التحرير.
يستشهد صالح في حديثه لـ"الرسالة نت" بحادثة تصديّ الأحزاب السياسية لوثيقة بغداد التي حاولت الالتفاف على القضية الفلسطينية، "كانت هناك قوى سياسية فاعلة وحيّة آنذاك وسبق ذلك نشوء حركة فتح بسنوات".
من أبرز هذه القوى، كانت حركة القوميين العرب التي خرجت من رحمها الجبهة الشعبية، إلى جانب أحزاب أخرى كالحزب الشيوعي والبعث، إلى جانب جيش التحرير الذي تشكل قبل انطلاقة فتح وكان يضم المتطوعين الفلسطينيين، ويقوده في غزة زياد الحسيني الذي قتل بظروف غامضة بعد تأسيس حركة فتح.
ويشير صالح إلى أنّ هذه المرحلة شهدت انتقالا نوعيا في قيادة العمل الفدائي، بعد ترتيب أوضاع الفدائيين في الداخل والخارج، وبدأت الخلايا العسكرية تتسع في جيش التحرير، الذي تأسس بمنظمة التحرير وكان يقودها آنذاك أحمد الشقيري.
ويضيف: "أنا شخصيا دخلت السجن قبل العام 65، وكان هناك أسرى فلسطينيون، من شتى الألوان، منهم من ينتمي لجيش التحرير، ومنهم من فدائيي مصطفى حافظ الذين نشطوا بقوة في ساحة غزة، وغيرهم من الفلسطينيين الذي قاتلوا بشكل حثيث وقوي لصالح القضية".
ويلفت إلى أنّ هذه الحياة السياسية كانت في الأوقات التي سبقت ورافقت انطلاقة فتح، أما بالعودة لما قبل هذه الحقبة، فكان هناك قوى تحررية يقودها أمين الحسيني وعبد القادر الحسيني، ومن قبل ثورة القسام الكبرى وثورة يافا والبراق وغيرها من الثورات التي أرغمت بريطانيا أكثر من مرة إصدار كتب عرفت بالكتب البيضاء "الأول والثاني والثالث" لامتصاص حالة الغضب الشعبي والمقاوم.
ويرفض صالح ربط الثورة الفلسطينية بانطلاقة حركة فتح، أو رفعها عن مصاف الثورة الفلسطينية الممتدة منذ الاحتلال البريطاني، وأثناء التصدي للعدوان الصهيوني اليهودي على الأرض الفلسطينية عام 1948 وما بعدها من قوى فدائية فلسطينية شاركت في جيش التحرير وقوات مصطفى حافظ وقوات القومية العربية والبعث وغيرها من القوى التي عملت ونشطت في تلك الفترة.
كما يعتبر أنّ ربط الثورة الفلسطينية بحدث عيلبون، يمثل اختزالا تاريخيا، "وهذا بأسره يمثل تشويها لحقيقة النضال الفلسطيني وتاريخه".

 تزوير مرفوض!
يرافقه في هذا الرأي د. ربحي حلوم سفير فلسطيني سابق، عمل مع أبو جهاد في القطاع الغربي بحركة فتح، إذ يقول إنّ ربط انطلاقة فتح بانطلاقة الثورة الفلسطينية يمثل إساءة للأجيال الفلسطينية التي سبقت الانطلاقة، كما أنّه يشكل مظلومية تاريخية لدور القوى الفلسطينية التي عملت قبل وأثناء وبعد انطلاقة فتح.
ويؤكد حلوم لـ"الرسالة نت" أنّ الثورة الفلسطينية لم تتوقف يوما منذ الاحتلال البريطاني، مرورا بالتصدي للعصابات الصهيونية، مضيًا بإعادة تشكيل جيش التحرير، ثم تشكل فصائل فلسطينية كالجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، وبعدها حركة فتح الذي مثّلت كبرى الحركات بعد ذلك.
وأوضح أن توسع حركة فتح وتمددّها قائم على طبيعة الحركة التي تستوعب الجميع بمعزل عن الايدلوجية الفكرية، ما جعلها أكبر محضن للثوار ومن يرغب في العمل المقاوم، خاصة وأنها كانت في طليعة العمل الثوري آنذاك ولم يكن لديها أي تبني لبرنامج التسوية.
لكنّ ذلك لا يمنح فتح حق اختزال التاريخ الثوري في انطلاقتها، أو الادعاء أنها صاحبة الطلقة الأولى في النضال الوطني الفلسطيني، بتأكيد حلوّم.
ويشير حلّوم إلى أنّ تاريخ الثورة الممتد لم ينته أيضا عند توقيع اتفاقية أوسلو، "ربما من أصعب ما يوثقه التاريخ الفلسطيني أن الثورات التي سبقت عام 65 لم تنته بالشكل الكارثي التي انتهت إليه مسيرة فريق التسوية في حركة فتح بتوقيعه على اتفاق أوسلو".
لكنّ هذا لا يعني أن الثورة توقفت بل استمرت مع روح النضال الذي جسدّه شعبنا الفلسطيني في مواقع تواجده المختلفة في الداخل والخارج، وفق تعبيره.
تشويه متعمد
الدكتور إبراهيم حمامي الباحث في الشأن السياسي الفلسطيني، يربط بين هذا الاختزال للتاريخ المتعلق بالثورة الفلسطينية مع محاولات متعمدة لتشويه تاريخ القضية واختزالها فقط في جانب حركة أو فصيل بعينه ممثلا بحركة فتح.
وأكدّ حمامي لـ"الرسالة نت" أن الشعب الفلسطيني صاحب تجربة طويلة ممتدة من الثورات والعمل المقاوم، ولا يمكن بحال بدء توثيق مرحلته الثورية بانطلاقة فتح، "فشعبنا الفلسطيني منذ العام 1917 وهو يدرك أنه يتعرض لاحتلال ممتد من بريطانيا حتى وريثها الكيان الصهيوني، وعمل بجهد لإسقاط المشروع عبر قوى ثورية كانت تتحرك ونجحت في الحاق الهزيمة بأدواته الممكنة".
وذكر أن عدم نجاح هذه الأدوات في التصدي الكامل للمشروع الصهيوني، لا يعني الإساءة لهذه المرحلة واعتبارها أنها ليست جزءًا من النضال الوطني والثوري لشعبنا الفلسطيني.
وشددّ حمامي على أن التاريخ الفلسطيني لا يمكن أن يتوقف عند بدايات انطلاق فصيل، "هذه الثورة الممتدة تعبر عن تاريخ شعب دفع مئات آلاف الأسرى والشهداء والجرحى خلال مسيرة التحرر التي لا يمكن أن تبدأ مع انطلاقة فصيل".
ودعا حمامي إلى ضرورة حماية التاريخ الفلسطيني وإعادة توثيق أحداثه بما يصححّ الأحداث في الوعي والذاكرة الفلسطينية، وبما ينهي حالة التزوير والتشويه الذي طالته طيلة العقود الماضية.

اخبار ذات صلة