ابطال التنازلات.. قادوا القضية نحو حتفها

الرسالة نت - شيماء مرزوق

كشفت قناة الجزيرة عن الوجه الحقيقي لرجالات السلطة الفلسطينية الذين حملوا لواء التفاوض لعقود من الزمن وقادوا مسيرة التنازلات عن الحقوق والثوابت من خلال الوثائق السرية التي عرضتها لمحاضر وجلسات المفاوضات خلال عقد من الزمن.

وكشفت الوثائق أن المنافسة كانت على أشدها بين قادة التفاوض الفلسطينيين في تقديم التنازلات الواحدة تلو الاخرى, وهم صائب عريقات واحمد قريع ومحمود عباس, فقد عرض د. عريقات الذي لم يغيب عن أي مشهد او صورة او اجتماع للتفاوض على الاسرائيليين أكبر "اورشليم" في التاريخ.

أسد التنازل

لم يخض فلسطيني مفاوضات مع الإسرائيليين بقدر ما خاض عريقات الذي يقدم نفسه باعتباره كبير المفاوضين الفلسطينيين، ويُقدم إعلاميا باعتباره مسؤول المفاوضات في منظمة التحرير. خبرات عريقات التفاوضية جمعها في كتابه "الحياة مفاوضات".

ولد عريقات يوم 28 أبريل/نيسان 1955 في أريحا بدا كمن اختار دربه مبكرا، فعريقات أنجز أطروحته الجامعية العليا في دراسات السلام، وفي كتابه يؤكد أنه "ما دامت الصراعات حتمية فإن المفاوضات حتمية".

سافر في سن السابعة عشر إلى سان فرانسيسكو ودرس العلوم السياسية في جامعتها الحكومية عام 1977، وبعد عامين حاز درجة الماجستير من الجامعة نفسها, ثم عاد عام 1979 ليعمل محاضرا في جامعة النجاح قبل أن يحصل على منحة لإكمال دراساته العليا في جامعة برادفورد البريطانية.

نال درجة الدكتوراه عام 1983 وكانت أطروحته حول دور أوبك في الصراع العربي الإسرائيلي, وقال لاحقا إنه تعلم في برادفورد أن لا حل عسكريا للصراع، وأن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي هو المفاوضات.

واصل عريقات المضي قدما فيما يراه "درب السلام"، ففي العام 1983 افتتح برنامجا للتبادل الأكاديمي ودعا طلبة إسرائيليين من جامعة تل أبيب لحضور فصول دراسية في جامعة النجاح.

لمع عريقات وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مدريد للسلام أواخر العام 1991، بدا يومها واحدا من "صقور" منظمة التحرير ضمن الوفد الفلسطيني الأردني المشترك, وأدت كوفيته التي أصر على وضعها حول عنقه باعتبارها رمزا لمنظمة التحرير إلى عاصفة احتجاج إسرائيلية انتهت بإخراجه من قاعة افتتاح المؤتمر.

وبالرغم من شغفه بالدبلوماسية والمفاوضات الا انه تخلى عنها  أثناء المواجهة بين حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وبدا من "صقور" فتح في ذاك الصراع.

اعتبره الدكتور محمود الزهار "مهرجا" وأطلق عليه لقب "بهلول" للسخرية منه وربما من طريقته في الحديث، لكن عريقات ظل عضوا رئيسيا في فريق عباس مصرا على أن المفاوضات وحدها قادرة على أن تنتزع للفلسطينيين وطنا من مخالب إسرائيل، طال الزمان أو طال أكثر.

مهندس المفاوضات

بدوره عرض أحمد قريع بأن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس الشرقية باستثناء مستوطنة جبل أبوغنيم, وقال بأن هناك مصلحة مشتركة في الابقاء على المستوطنات.

ويعتبر قريع مهندس اتفاق اوسلوا الذي جلب الخراب والدمار على الشعب الفلسطيني, ولعب دور المنسق العام للوفود الفلسطينية إلى مفاوضات السلام المتعددة الأطراف منذ انطلاقتها في مدريد عام 1991 حتى عام 1995 وترأس الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات أوسلو ومفاوضات باريس الاقتصادية.

ولد في بلدة أبو ديس جنوب شرقي مدينة القدس عام 1937، وعمل لمدة 14 عاما في القطاع المصرفي حتى 1968 حيث تفرغ للعمل السياسي, وشهد انطلاقة حركة "فتح", وكان عضوا في مجلسها الثوري حتى انتخابه عضوا في لجنتها المركزية عام 1989.

لعب دورا فعالا في إنشاء العديد من المؤسسات الوطنية كمجلس الإسكان الفلسطيني ودائرة الإحصاء المركزية ومؤسسات الإقراض, وشغل منصب المدير العام لدائرة الشؤون الاقتصادية والتخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية والمستشار الاقتصادي لعرفات, كما أشرف على إعداد "برنامج الإنماء للاقتصاد الوطني الفلسطيني للسنوات 1994-2000" كأهم برامج للتنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية.

أصبح قريع نائبا عن محافظة القدس في يناير/ كانون الثاني 1996 وانتخب رئيسا للمجلس التشريعي الفلسطيني في نفس العام، ويعتبره المقربون رجل المهمات الصعبة، حيث كلفه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرارا بإدارة المفاوضات المهمة مع إسرائيل.

اختارته دوائر منظمة التحرير الفلسطينية بعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لمنصب رئيس الوزراء بعد استقالة محمود عباس الذي توترت علاقته مع عرفات بسبب خلافات حول الصلاحيات.

والتقى أبو علاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو في 13 جلسة متتالية، وتوصل معه إلى مذكرة ما عرف بـ "واي ريفر" قبل التوقيع عليها بالولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 1998 التي نصت على الانسحاب من أراض فلسطينية إضافية، لكن لم ينفذ سوى قسم منه وأعادت إسرائيل احتلال معظم الأراضي التي انسحبت منها بموجب الاتفاق منذ بداية الانتفاضة.

وكان قريع من أوائل المسؤولين الفلسطينيين الذين التقوا رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بعد تشكيل حكومته الأولى في مارس/ آذار 2001. وأجرى بعدها مباحثات مع زعيم حزب العمل شمعون بيريز -أحد مهندسي اتفاقات أوسلو- عندما كان وزيرا للخارجية في حكومة شارون.

وكان يتوقع أن تفضي المباحثات مع بيريز إلى خطة سلام عرفت باسم "خطة أبو علاء بيريز". وخلال المباحثات زار واشنطن في فبراير/ شباط 2002 حيث استقبله وزير الخارجية كولن باول. وكان ذلك اللقاء من اللقاءات الرسمية النادرة بين الفلسطينيين والأميركيين.

بناء على خطة أبو علاء بيريز كان يتعين على إسرائيل الانسحاب من المناطق التي أعادت احتلالها منذ بداية الانتفاضة الثانية, على أن تقام دولة فلسطينية على 42% من الأراضي التي تتولى السلطة الفلسطينية شؤونها كليا أو جزئيا في الضفة الغربية, وعلى 80% من قطاع غزة. وكانت الخطة الأولى الجدية لحل النزاع بعد 16 شهرا من الانتفاضة لكنها لم تنفذ.

مناهض المقاومة

محمود عباس والذي أبدى استغرابه، الليلة الماضية مما كشفته الجزيرة برر لنفسه ورجالاته هذه التنازلات بالقول "كل ما قمنا به من نشاطات مع الجانب الإسرائيلي والأميركي، أبلغنا بها العرب بالتفاصيل من خلال لجنة المتابعة، أو الاتصالات الثنائية أو من خلال أمين عام الجامعة العربية الذي لديه علم بكل شيء ويبلغ الأشقاء بتطورات الأوضاع باستمرار".

ربما لم تنسب الوثائق التي كشفت عبارات على  لسان عباس الا ان مسلسل التنازلات لم يكن بمنأى عنه وتحت اشرافه المباشر فقد عرف عنه رفضه الشديد لنهج المقاومة واعتماده على المفاوضات كحل اوحد لإنهاء الصراع, وكان من أشد الداعمين وأحد مهندسي اتفاق اوسلوا.

ولد أبو مازن في صفد عام 1935، وهو من لاجئي 1948 الذين تم ترحيلهم إلى سوريا، وحاصل على البكالوريوس في القانون.

بدأ نشاطه السياسي من سوريا، ثم انتقل إلى العمل مديرا لشؤون الأفراد في إدارة الخدمة المدنية في قطر ومن هناك قام بتنظيم مجموعات فلسطينية واتصل بحركة (فتح) التي كانت وليدة آنذاك.

شارك في اللجنة المركزية الأولى لكنه ظل بعيدا عن مركز الأحداث نظرا لوجوده في دمشق وقاعدة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في بيروت, وظل عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1968. حصل خلال عمله السياسي على الدكتوراه في تاريخ الصهيونية من كلية الدراسات الشرقية في موسكو وقاد المفاوضات مع الجنرال ماتيتياهو بيليد التي أدت إلى إعلان مبادئ السلام على أساس الحل بإقامة دولتين المعلن في 1 يناير/ كانون الثاني 1977.

أصبح عضو اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أبريل/ نيسان 1981، وتولى حقيبة الأراضي المحتلة بعد اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد).

بدأ المحادثات السرية مع الإسرائيليين من خلال وسطاء هولنديين عام 1989 ونسق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد, وأشرف على المفاوضات التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، كما قاد المفاوضات التي جرت في القاهرة وأصبحت ما يعرف باسم اتفاق غزة-أريحا.

ترأس إدارة شؤون التفاوض التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها عام 1994. عمل رئيسا للعلاقات الدولية في المنظمة. عاد إلى فلسطين في يوليو/ تموز 1995.

تم اختياره أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1996 مما جعله الرجل الثاني عمليا في تراتبية القيادة الفلسطينية.

أفقدته دعواته المتكررة لوقف العمليات العسكرية الفلسطينية ضد الإحتلال، وضرورة التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل الكثير من الشعبية في صفوف الفلسطينيين، بمن فيهم أنصار حركة (فتح) العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.

تم تعيينه رئيسا للوزراء في حكومة السلطة وكلفه ياسر عرفات بتعيين حكومة استمرت 4 اشهر من نهاية إبريل/ نيسان حتى بداية سبتمبر/ أيلول 2003 حين قدم استقالته فتم تعيين أحمد قريع رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق خلفه.

اختير رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية خلفا للرئيس ياسر عرفات بعد وفاته في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004, ورشحته حركة فتح في نفس الشهر لرئاسة السلطة الفلسطينية, وقد نجح بعد أن حصل على 62.52% من الأصوات.

وفترة الرئاسة حسب التشريعات الفلسطينية هي خمس سنوات, وقد انتهت ولايته الرئاسية دستورياً في 9 يناير/كانون الثاني 2009 لكنه لم يغادر منصبه.

 

 

البث المباشر