قائمة الموقع

27 عاماً على رحيله.. وما زال العيّاش يرعبهم

2023-01-05T17:15:00+02:00
غزة- الرسالة نت

رغم مرور أعوام على رحيل المهندس الشهيد القائد يحيى عياش؛ إلا أن ذكراه الطيبة وعطاءه لم يُنسى، بل ما زال هو الشعلة التي تُقِدُ المقاومةُ بها صواريخها؛ وترسم من ملامحِ شَهادتِه ملامحَ النصرِ المبين؛ ليكمل رفاق العياش وتلاميذه المسيرة، ويواصلون العمل ليلاً ونهاراً وهم يعدون العدة ويُراكمون القوة؛ تجهيزاً وإعداداً لمعركة التحرير.
وخلال معركة سيف القدس -بعد 25 عامًا على رحيل العياش-، عاد رعبه مجدداً، وهذه المرة في مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، حيث أطلقت كتائب القسام لأول مرة صاروخها الجديد عياش 250، لتكون بذلك أدخلت كل شبر من فلسطين المحتلة تحت مرمى صواريخها.
وتحيي المقاومة الفلسطينية وكل أحرار وشرفاء العالم اليوم، ذكرى استشهاد المهندس؛ الذي ارتقى إلى العلا بتاريخ 5-1- 1996م.

رعب المهندس

يحتلّ المهندس الأول لكتائب القسام مكانا بارزا في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وبصماته لا تزال حاضرة في الصراع مع المحتل.
خطط وأشرف يحيى عياش على تنفيذ أول عملية استشهادية نفذها الاستشهادي القسامي ساهر تمام، وكانت له البصمات الأولى في تصنيع القنابل والأحزمة الناسفة، ليكون رعب العياش حاضراً في كل عملية استشهادية زلزلت العدو ومغتصبيه.
شكّل اسم "المهندس" عنوانً للرعب في صفوف المحتلين وشكلت عملياته النوعية توازناً للردع، بالرغم من الظروف الصعبة والمعقدة؛ إلا أن العياش صنع الكثير من الملاحم البطولية التي نسفت نظرية الأمن الصهيونية، ودام رعبه حتى بعد استشهاده؛ في كل قنبلة انفجرت داخل الأراضي المحتلة، مع عمليات الثأر المقدس التي قادها ونفذها رفاق العياش، وعاد مجدداً بعد 25 عاماً مع صاروخ قسامي يحمل اسمه ورعبه "العياش 250".

رحلة الحياة

بين أزقة قرية رافات وفي السادس من مارس عام 1966م ولد يحيى عبد اللطيف عياش، وفي كنف بيت متدين عاش طفولة هادئة إذ كان مثالا للطفل المؤدب الهادئ حتى أن أحد أعمامه قال: "كان هادئا أكثر من اللزوم ولا يحب الاختلاط كثيرا بغيره من الأطفال حتى أنني كنت أعده انطوائيا بعض الشيء".
كبر الطفل يحيى ودخل المدرسة الابتدائية في قريته عند بلوغه السادسة من عمره وبرز بذكائه الذي لفت إليه أنظار معلميه، وقدرته على الحفظ وعقليته التي سبقت عمره.
حصل يحيى على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة بديا الثانوية عام 1984م وكان معدله 92,8% والتحق بجامعة بيرزيت لدراسة الهندسة الكهربائية وتخرج منها بتفوق عام 1991م، وخلال مرحلة دراسته الجامعية، عرف بأنه من أنشط الشباب في كلية الهندسة، حيث عمل ضمن إطار الكتلة الإسلامية وشارك إخوانه في كافة المواقع ومراحل الصراع والاحتكاكات المباشرة مع الاحتلال وذلك خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
تخرج من الجامعة عام 1991م بتفوق وتزوج من ابنة خالته بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر، 1992م ورزق منها طفله الأول براء في 1 كانون الثاني (يناير) 1993م وكان حينها مطاردا، وقبل استشهاده بيومين رزق بابنه الثاني عبد اللطيف تيمنا باسم والده غير أن العائلة أطلقت على الطفل عبد اللطيف اسم يحيى بعد استشهاد والده.

شيخ الإخوان في رافات

مطلع عام 1985م، انضم يحيى عياش إلى دعوة الإخوان المسلمين والتزم ضمن أفرادها في مدينة رام الله وعمل بجد ونشاط وقام بكافة التكاليف وحمل أعباء الدعوة الإسلامية سواء داخل الجامعة أو في مدينة رام الله أو قريته رافات، ووظف المهندس سيارة والده التي اشتراها في خدمة الحركة الإسلامية حين دأب على السفر إلى رافات وقام بإرساء الأساسات وشكل النواة للكثير من مجموعات الشباب المسلم الملتزم.
وحينما انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس كانت هذه المجموعات في طليعة السواعد الرامية خلال سنوات الانتفاضة المباركة الأولى ونظرا للدور الريادي الذي قام به وحكمته وأدبه وأخلاقه فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية (شيخ الإخوان في رافات) ترجع إليه في كافة الأمور التي تتعلق بالفعاليات أو الإشكاليات خلال الأعوام (1988-1992).

ابن القسام

ترجع بدايات المهندس مع العمل العسكري إلى أيام الانتفاضة الأولى وعلى وجه التحديد عامي 1990-1991م، إذ توصل إلى حل مشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة، وتمكن من تصنيع هذه المواد باستخدام المواد الكيميائية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات غان، وبدأت على إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية.
إذ قدر الله سبحانه وتعالى أن يكتشف العدو السيارة المفخخة في رامات غان بطريق الصدفة، وبعد تحقيق شديد وقاس مع المجاهدين الذين اعتقلا إثر العثور على السيارة المفخخة طبعت الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى.
يعتبر يوم الأحد 25 نيسان أبريل 1993م بداية المطاردة الرسمية ليحيى عياش ففي ذلك التاريخ غادر المهندس منزله ملتحقا برفاق الجهاد والمقاومة.
وخلال ثلاث سنوات كانت عمليات العياش تفرح قلوب الشعب الفلسطيني، وتدب الرعب في قلوب المحتلين الغاصبين، وخاب ظن الاحتلال وأجهزته القمعية التي حصدت الفشل في مخططاتها وتخبطت في رحلة البحث عن المهندس.

عمليات المهندس

أبرز العمليات التي قامت بها كتائب القسام بتخطيطٍ من المهندس يحيى عياش:
- نيسان 1993: فجَّر الاستشهادي القسامي ساهر حمد الله تمام النابلسي (22 عاماً) من الجبل الشمالي بمدينة نابلس، سيارته المفخخة داخل مقهى «فيلج إن» الذي يرتاده الجنود الصهاينة في مغتصبة «ميحولا» القريبة من مدينة بيسان فقتل 2 وأصيب 8 آخرين وهي أول عملية استشهادية.
- نيسان 1994: الاستشهادي القسامي رائد زكارنة يفجِّر سيارةً مفخخةً قرب حافلة صهيونية في مدينة العفولة؛ ما أدى إلى مقتل ثمانية صهاينة، وجرح ما لا يقل عن ثلاثين، وقالت حماس: إن الهجوم هو ردها الأول على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
- نيسان 1994: الاستشهادي القسامي عمار عمارنة يفجِّر شحنةً ناسفةً ثبتها على جسمه داخل حافلة في مدينة الخضيرة داخل الأراضي المحتلة عام 48؛ ما أدى إلى مقتل 5 وجرح العشرات.
- تشرين أول 1994: الاستشهادي القسامي صالح نزال، يفجِّر نفسه داخل حافلة ركاب في شارع "ديزنغوف" في مدينة "تل أبيب"؛ مما أدى إلى مقتل 22، وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
- كانون أول 1994: الشهيد أسامة راضي- وهو شرطي فلسطيني وعضو سري في مجموعات القسام- يفجِّر نفسه قرب حافلة تقل جنودًا في سلاح الجو الصهيوني- في القدس ويجرح 13 جنديًّا.
- أبريل 1995م: حركتا حماس والجهاد الإسلامي تنفذان هجومين ضد مغتصبين في قطاع غزة؛ أدى إلى مقتل 7 مغتصبين ردًّا على ما قالت حماس عنها في حينه، "جريمة الاستخبارات الصهيونية في تفجير منزل في حي الشيخ رضوان في غزة، والتي أدت لاستشهاد ثلة من قادة كتائب القسام".
- كانون ثان 1995: مقاتلان فلسطينيان يفجِّران نفسيهما في محطة للعسكريين في منطقة بيت ليد قرب نتانيا؛ مما أدى إلى مقتل 23 جنديًّا، وجرح أربعين آخرين، في هجوم وُصف بأنه الأقوى من نوعه، وقالت المصادر العسكرية الصهيونية في حينه: إن التحقيقات تشير إلى وجود بصمات المهندس في تركيب العبوات الناسفة.
- تموز 1995: مقاتل من مجموعات تلاميذ المهندس يحيى عياش، التابعة لكتائب عز الدين القسام يفجِّر شحنةً ناسفةً ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب صهيونية في "رامات غان" بالقرب من "تل أبيب"؛ مما أدى إلى مصرع 6 وجرح 33 آخرين.
- آب 1995: هجوم فدائي آخر استهدف حافلةً صهيونية للركاب في حي رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة؛ مما أسفر عن مقتل 5، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح، وقد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسئوليتهم عن الهجوم.
- أغسطس 1995: هجوم فدائي آخر، استهدف حافلةً للركاب في حي رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة؛ وهو ما أسفر عن مقتل 5، وإصابة العشرات بجروح، وقد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسئوليتهم عن الهجوم.
ووفق ما أكدته المصادر الصهيونية -في ذلك الوقت-؛ فإن مجموع ما قُتل بيد "المهندس" وتلاميذه 76 صهيونيا، وجرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين، وأضافت بأن خطورة عياش لم تكن فقط في عدد القتلى الصهاينة فحسب، بل في عدد التلاميذ الذين دربهم وخلفهم وراءه.

عياش 250

ولأن الشهداء هم النور الذي تهتدي به المقاومة، ولأن طريقَ التحرير مخضبٌ بالدماء الزكية، كان لا بد أن تكون كتائب القسام وفيةً لهذه الدماء رغم مرور عشرات السنين، فهي لم تنسى قائدَ العمليات ومهندسَ المتفجرات يحيى عياش، الذي كان لإسمه النصيب الأكبر في معركة سيف القدس، حيث أطلقت كتائب القسام صاروخاً بإسمه، أسمته AYYASH 250.
وقد انطلق الصاروخ للمرة الأولى وبأمر من قائد هيئة أركان القسام أبو خالد محمد الضيف يوم 13 مايو/أيار 2021، تجاه مطار رامون على بعد نحو 220 كم من غزة ، وبذلك أصبح كل شبر من فلسطين المحتلة تحت مرمى صواريخ كتائب القسام.

جمعة الشهادة

الخامس من يناير 1996، وبعد شهور ممتلئة بالجهاد والمقاومة والإثخان بالقوات الصهيونية، كان الموعد مع الشهادة.
اغتيل القائد في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال استخدمه للحديث مع والده، ليمضي المهندس يحيى عياش، بعدما أدى أمانة الجهاد، ليخرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني، وتعتبر جنازته أضخم جنازة تشييع شهدتها مدينة غزة.
بعد استشهاد المهندس، تواصلت مسيرة الجهاد حتى غدا القَسام يفخر بجيش من المهندسين القساميين، الذين لا تحيد بوصلتهم عن العمل الجاد والحقيقي من أجل تحرير فلسطين.
فقد قالها يحيى عياش: "لا تنزعجوا فلست وحدي مهندس التفجيرات، فهناك عدد كبير قد أصبح كذلك، وسيقضون مضاجع المحتلين وأعوانهم بعون الله"، فكان لعياش ما أراد؛ حيث أصبح الجناح العسكري لحركة حماس بعد اغتياله أشد قوةً وأكثر تماسكًا.

اخبار ذات صلة