قائمة الموقع

زيارة قبور الأهالي.. قبلة المحررين الأولى 

2023-01-07T19:27:00+02:00
الأسير المحرر كويم يونس لحظة الإفراج عنه، حيث زار قبر والدته
الرسالة نت–مها شهوان 

كما الطفل حين يهرع إلى حضن أمه ليشعر بالأمان، يهرع (الأسرى المحررين) لحظة الإفراج عنهم، لزيارة المقابر التي تحتضن الراحلين عن الدنيا من أحبائهم فترة أسرهم، فتلك باتت سُنة يتبعها المحررون لحظة كسر قيدهم.
ما تنقله عدسات الكاميرا ترصد تمتمات المحرر وهو ينكفأ على قبر والديه يقرأ القرآن ويدعو كثيرا، ثم يهمس إلى أمه وأبيه عبارات لا يسمعها أحد.
قبل أيام قليلة أفرجت السلطات (الإسرائيلية)، عن الأسير كريم يونس – 64 عاما- بعدما قضاء 40 عامًا، في زنازين الاحتلال، حيث كانت وجهته الأولى قبر أمه، ليرقد بجانبها دقائق ويخبرها بأنه "أخيرا كسر قيده"، ثم توجه لقبر والده.
المحرر وليد الهودلي، يقول للرسالة نت،  "لحظة الإفراج عني زرت قبر والدي،  وذلك من باب الحنين للوالدين ولأروي ظمأ اشتياقي لهم، مضيفًا"نفعل ذلك كونه شيء من الوفاء، وأنها بداية لحياة وميلاد جديد فهما الحبل المتين".
ويذكر الهودلي أن الأسير طيلة الوقت يبقى قلقا على عائلته ويخشى فقدان أحدهم، وحين يأتيه خبر وفاة أي فرد يحزن كثيرا، لذا بعد الإفراج يحاول تحدي الاحتلال أكثر ويذهب للمقبرة وفاءً وارتباطا بالعائلة التي يسعى المحتل طيلة الوقت يحاول تفريقها.
ماذا يهمس المحرر عند قبر والديه؟  يجيب:" كمسلمين ندعو ونقرأ الفاتحة ونسلم عليهما احتراما وتقديرا.
والأكثر إيلاما كان للمحرر الهودلي حين جاءه خبر وفاة ابنه وهو بعمر 14 عامًا، عبر هاتف مهرب، كتم الخبر مدة أسبوعين حتى موعد الزيارة، فقد كان يخشى الإعلان خوفا من الكشف عن وجود الهاتف.

ويقول: "بقيت حزينا صامتا يعيش الحزن في داخلي وحيدا، وبعد الإفراج عني قهرت مرة أخرى لعدم تمكنه من السفر وزيارة قبره في اربد بالأردن".
والأكثر قهرا تبقى الأم تنتظر الإفراج عن ابنها سنوات طويلة تصل لثلاثة عقود، لا تكل ولا تيأس وهي تجهز كل موسم الأكلات التي يحب حال خرج بصفقة، وتختار له زوجه وتجهز له بيتا، لكن الموت يخطفها قبل الإفراج عن فلذة كبدها.
 لكن هناك الأكثر ألما كما جرى مع أم فارس بارود التي فقدت بصرها حزنا على ولدها وبقيت تنتظره حتى فارقت الحياة، وبعدها بسنوات قليلة ارتقى شهيدا في سجون الاحتلال الذي لا يزال يحتفظ بجسده.
وهنا تفسير جديد يحكيه المحرر محمد خلف والذي قضى 11 عامًا ونصف في سجن جلبوع، وقال إنه "أصعب خبر يتلقاه الأسير هو وفاة أحد أفراد عائلته، ودوما كنت أخشى أن يأتي خبر مثل ذلك، لكن أحمد الله أنني لم أعشه".
ويذكر خلف "للرسالة نت" أنه عند سماعه عبر الراديو خبر عن حادث طريق في المنطقة التي تسكنها عائلته يبقى طيلة الوقت خائفا أن يكون أصابهم مكروه إلى أن يأتي موعد الزيارة ويطمئن عليهم".
وبعد الافراج عنه يروي أنه كان يخجل من والدة الأسير صالح أبو مخ وكريم يونس وغيرهن من أمهات الأسرى أصحاب الأحكام العالية، خاصة أن سؤالهن قبل وفاتهن كان واحدا "معقول يما يا محمد ألحق أعيش واحضن ابني قبل ما أموت".
ويرى أن هدف الزيارة لقبور الأهالي تأتي من باب المكانة المميزة للوالدين فهما تحملا قسوة الطريق عند زيارة السجون، ووحدهما من حمل هم ابنهما الأسير، وهما من يسألان عنه فترة اعتقاله، فذلك وفاءً وحبا حين تكون المقبرة الوجهة الأولى للأسير.
ويحكي موقفا كان شاهدا عليه للمحرر محمود جبارين الذي أنهى 30 عاماً في سجون الاحتلال، حيث كانت والدته تأتيه عبر كرسي متحرك لزيارته، وحين توفيت وأخبروه،  ليصرخ في وجههم قائلا "ليش ما حطتوها بالثلاجة لغاية ما أطلع من السجن وأحضنها وأقبل جبينها".
ما يروى هو القليل من حكايات الألم الذي يعيشها الأسير داخل الزنازين كل ثانية، ويحاول المحتل قمعهم وكسرهم بأي طريقة، لكن يبقى الأسير قويا يكسر سجانه بصلابته حتى موعد حريته.

اخبار ذات صلة