قائد الطوفان قائد الطوفان

العلاقات (الإسرائيلية) الأردنية في ظل التوترات الداخلية المتزايدة

مسيرة منددة بجرائم للاحتلال في الأردن
مسيرة منددة بجرائم للاحتلال في الأردن

دكتور ميخائيل ميلشتاين-معهد الدراسات والاستراتيجيات/

في الأسابيع الأخيرة، تتراكم إشارات مقلقة من الأردن تتطلب اهتمامًا خاصًا من صناع القرار في إسرائيل، والحديث هنا يدور عن مزيج من الصدامات الداخلية في المملكة، الناجمة عن مشاكل أساسية طويلة المدى، وتوتر متجدد في العلاقات بين الطرفين، ينبع أساسا من الخوف الأردني من التحركات التي ستتخذها الحكومة الجديدة في “إسرائيل” في المسجد الأقصى.

أما بالنسبة للاضطرابات الداخلية فهي تتلاشى تدريجياً والحكومة في البلاد ليست على وشك الانهيار، إلا أن تراكم الأحداث الأخيرة أمر غير معتاد نسبيًا في حدته، وهو دليل على عدم الاستقرار المزمن الذي تعاني منه المملكة، وإشارة للمجتمع الدولي والعالم العربي وكذلك لـ “إسرائيل” فيما يتعلق بالعواقب الاستراتيجية المحتملة لزعزعة التاج الهاشمي ناهيك عن انهياره.

بدأت الاضطرابات الداخلية قبل نحو شهر في أعقاب ارتفاع أسعار الوقود، وهي خطوة أشعلت موجة احتجاج شعبية واسعة تحولت إلى اضطرابات خطيرة في بعض المناطق، ويتجلى ذلك بشكل خاص في المناطق التي يعيش فيها البدو، وهو معقل تقليدي لدعم العائلة المالكة.

شهد الأردن بالفعل موجات احتجاج شديدة في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها إضراب المعلمين الذي حدث قبل نحو ثلاث سنوات وعطل الحياة في البلاد لعدة أشهر ورافقه مظاهرات عاصفة، عرف الملك عبد الله كيفية الخروج من هذه الأزمات من خلال مزيج ذكي من التحركات السياسية الرمزية (بشكل أساسي إقالة الحكومات وتعيين حكومات جديدة)، وحشد الجمهور من حوله من خلال توضيح التهديدات المشتركة لنسيج الحياة الجماعي، وكذلك الحصول على المساعدات الخارجية التي قدمت حلاً مؤقتًا ومحدودًا للمشاكل الخطيرة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، وخاصة البطالة المرتفعة والبيروقراطية المتضخمة، إلى جانب الإحباط المتزايد لدى جيل الشباب الذين يواجهون صعوبة في تطوير أفق واعد لأنفسهم.

الاحتجاج الاقتصادي العام يحدث، في ظل وجود توترات مع إسرائيل، حيث يُظهر الكثير في المملكة خوفًا من تحركات الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة، في هذا السياق هناك خوف مزدوج: وهو الخوف من التغيير في الوضع الراهن في المسجد الأقصى؛ ما سينعكس على الجو في الشارع الأردني (في ظل المكانة الخاصة للتاج الملكي في المسجد الأقصى ) وقد يتسبب في تفاقم الغضب ضد الحكومة، واحتمال- يطرحه قلة في الأردن حاليًا- أن تحاول الإدارة الجديدة في “إسرائيل” إحياء الأفكار السابقة لتحويل المملكة إلى حل للمشكلة الفلسطينية، والتي يبدو أنها اختفت بعد اتفاقية السلام بين الجانبين عام 1994.

على هذه الخلفية، صرح الملك عبد الله في مقابلة أجراها الأسبوع الماضي أن القدس والمسجد الاقصى يشكلان “خطا أحمر بالنسبة للأردن، وبرزت إدانة المملكة الشديدة لاقتحام الوزير بن غفير المسجد الأقصى (3 كانون الثاني) والذي وصف بأنه “استفزاز وانتهاك للوضع الراهن” ورافقه استدعاء للسفير الإسرائيلي في العاصمة عمان لتوبيخه، وفي وقت لاحق، نددت مصر والسعودية وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة بسلوك بن غفير، والإمارات التي هي العضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، طالبت بعقده لبحث قضية اقتحام المسجد الأقصى.

الاضطرابات في الأردن هي إشارة إلى التداعيات الاستراتيجية الخطيرة التي قد تترتب على تقويض مكانة النظام في البلاد، على دول المنطقة بشكل عام وعلى “إسرائيل” بشكل خاص.

الإشارات المقلقة من الأردن يجب أن توقظ من جديد الفهم للأهمية الاستراتيجية للأردن بالنسبة لإسرائيل: ككابح للتهديدات الأمنية – الحكومية وغير الحكومية – التي قد تظهر بقوة كبيرة على أعتاب “إسرائيل”، وكشريك في معسكر إقليمي هدفه هو كبح جماح نفوذ إيران في المنطقة.

غالبًا ما يشكل النظام في الأردن تحديًا سياسيًا لـ “إسرائيل”، بل إنه يستخدم لغة قاسية ومتحدية ضدها (كما كان واضحًا في التصريحات القاسية لكبار المسؤولين الحكوميين في عمان ضد “إسرائيل” أثناء التصعيد الذي حدث في رمضان الماضي حول المسجد الأقصى)، ولكن من الضروري أن نتذكر باستمرار أن بدائل النظام الحالي في المملكة قد تكون أسوأ بما لا يمكن وصفه.

الواقع في الأردن والحساسية المتزايدة في علاقاته مع “إسرائيل” بؤرة أخرى متفجرة، يجب على الحكومة الجديدة أن تدركها وتفهم عواقب تطورها وتكون قادرة على صياغة سياسة حذرة وحكيمة فيما يتعلق به.

الوضع في المملكة محفوف بالمخاطر ومتفجر، على غرار ما هو عليه في الضفة الغربية، وفي كلتا الحالتين يوصى بأن تتخذ حكومة نتنياهو – على الأقل في المستقبل المنظور – سلوكاً مختلفاً تجاه ما يحدث في الأردن والذي قد ينشئ تغييرا دراماتيكيا وسريعا في خريطة التهديدات الاستراتيجية لـ “إسرائيل”، وفوق كل ذلك يجعل من الصعب عليها التركيز على التحدي القومي الأهم وهو إيران.

توصيات للمستوى السياسي الإسرائيلي باتخاذ عدة خطوات:

• بحث عقد محادثة أو حتى لقاء في المستقبل القريب بين رئيس الوزراء نتنياهو وملك الأردن.

• مواصلة العلاقات الوثيقة بين الطرفين على المستويين الأمني والمدني.

• تجنب “تبادل الهجمات الإعلامية”، لا سيما التهديدات بالحد من العلاقة الاقتصادية أو إمدادات المياه للأردن، ناهيك عن التصريحات التي تعبر عن تحد لوجود المملكة ذاته.

• محاولة مساعدة الأردن في تجنيد الدعم الاقتصادي الخارجي، خاصة من الغرب والعالم العربي.

• صياغة سياسة دقيقة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، مع التركيز على الحفاظ على الوضع الذي كان قائماً حتى بداية ولاية الحكومة الحالية فيما يتعلق باقتحام المستوطنين اليهود للمسجد، وتجنب توسيع نطاق الاقتحامات أو اتخاذ خطوات من شأنها أن تفسر على أنها تقسيم للوقت والمكان، ومن المهم التأكيد على أن التوترات في المسجد الاقصى لن تلقي بظلالها على العلاقات مع الأردن فحسب، بل قد تنعكس أيضًا بشكل سلبي على الوضع في قطاع غزة والفلسطنيين في الداخل، بل وتؤدي إلى تقويض العلاقات مع دول المنطقة، ولا سيما تلك الموقعة والتي دخلت ضمن “اتفاقيات إبراهام”.

البث المباشر