طارق معالي شاب من رام الله، يبلغ من العمر 42 عاما، زوج وأب لثلاثة أطفال تجرعوا أمس مرارة اليتم؛ إذ عاجله مستوطن برصاصة غادرة فارتقى شهيداً عندما كان متجها، أمس، إلى أرضه الزراعية بالقرب من قرية رأس كركر غرب رام الله على جبل ريسان.
يعيش الفلسطيني حياة غير متكافئة فرضها الاحتلال عليه، والتزمت السلطة الصمت حيالها، فبينما يسير شباب الضفة الغربية دون أي سلاح، يعربد المستوطنون بأسلحتهم فيقنصون من يريدون في مناطق يفترض أنها تابعة لنفوذ السلطة، ليكون الشهيد طارق معالي ضحيتهم الجديدة.
لم تتمالك الأم نفسها وهي تتلقى الخبر كرصاصة في قلبها: "يا حبيبي يمه، يا حنون يمه، ولادك يمه" وكأنها الكلمات الوحيدة المتبقية، بينما ناشدها المحيطون بأن تفرح وتزغرد؛ لأن الشهيد يستحق فرحا لا حزنا.
ثم ترفع الأم يدها للسماء "حسبي الله عليهم، يا الله خذ حقنا منهم، فدا الأرض وفدا الوطن يا طارق، هم زائلون بإذن الله، لقد قتلوا ابني وهو ذاهب إلى عمله في نعلين، وله أرض يزرعها بالزيتون والفول بالقرب من المستوطنة، كان يتفقد أشجاره حينما استفزه المستوطن وأطلق النار عليه".
الأم الثكلى تفقد ابنها اليوم بعد أن فقدت أخاها شهيدا قبل سنوات، وكأن الاحتلال لا يريد لوجع الأمهات أن يتوقف؛ حتى تظل كل أم تذكّر وليدها الجديد بأن هناك أرضا يجب أن تعود، ومحتلا يجب أن يطرد.
وبين حزن العائلة وانتظارها جثمان ابنها الذي احتجزته قوات الاحتلال، انتشرت القوات منذ ساعات صباح يوم السبت، في محيط ارتقاء الشهيد طارق معالي (42 عامًا) وظلت تحتجز الجثمان، ومنعت الطواقم الصحافية من الاقتراب.
كلمات مقتضبة قالها والده؛ لكنها كانت كافية لتعبر عن مشاعره: "ابني مثل كل الشهداء، مثل ناصر أبو حميد.. هؤلاء الجنود إرهابيون يتمتعون بقتل أبنائنا، ونحن صامدون، ولن نستسلم".
وهكذا.. قبل أن ينتهي هذا الشهر تعلن الضفة الغربية عن ارتقاء ثمانية عشر شهيدا بينهم أربعة أطفال، معظمهم أعدم بعمليات ميدانية بدم بارد.
ويعرف الفلسطينيون مطامع المستوطنين في قرية رأس كركر غرب رام الله وعلى جبل ريسان، حيث يعتصمون هناك كل أسبوع لمقاومة الاستيطان، بينما يخرج المستوطنون ليطلقوا النار عليهم ويستمروا بعملياتهم الاستفزازية، لعل الاستفزاز يرعب الفلسطيني، ويكون وسيلة من وسائل مصادرة الأرض.
ويتعرض جبل ريسان إلى تجريف مستمر؛ في محاولة للسيطرة على منطقة قرية رأس كركر من خلال شق طرق استيطانية تصل بين عدد من المستوطنات في المنطقة مع "الخط الأخضر"، وبناء بؤرة استيطانية جديدة.
اعتداءات المستوطنين متواصلة على المنطقة التي أقيمت فيها ثماني مستوطنات، على حساب قرابة مائة ألف فلسطيني في تلك المنطقة، وتمتد تلك المستوطنات حتى محافظة سلفيت المنكوبة بـ 25 مستوطنة.
الهجمات المسلحة التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية شهدت زيادة العام الماضي، فوصل عددها إلى 1296 اعتداء.