ليست كأي مدينة عادية رغم جمال طبيعتها، لكنها تميزت بأنها ولّادة للأحرار، فهي جنين التي تحمل في أحشائها ثوارا، يقارعون المحتل في كل مكان، وحتى إن كانوا داخل السجون فإنهم يكسرون قيدهم بطريقة تهين الاحتلال أكثر.
وليس غريبا على ساكنيها أن يستيقظوا كل يوم على عملية فدائية أو اجتياح (إسرائيلي) لملاحقة أبنائها الثوار؛ فهم رغم كل القيود التي يحاصرهم بها العدو إلا أنهم يفكون قيدهم ويواصلون نضالهم.
لم تبخل مدينة جنين ومخيمها الأسطوري يوما عن تقديم خيرة أبنائها شهداء لفلسطين، فمنذ بداية العام ارتقى 29 شهيدا في الضفة والقدس، بينهم 19 قمرا من أبناء جنين.
وكل مرة يشدد الاحتلال الخناق على أهالي المخيم بمحاصرة الثوار ومنع السكان من الخروج والتهديد بقتلهم وهدم بيوتهم، ورغم ذلك فهم لا يكترثون لتلك العقوبات ويتمسكون بثوابتهم الوطنية ودفاعهم عن القدس.
19 شهيدا خلال شهر واحد ليس عددا هينا، وهو قابل للزيادة، ورغم ذلك نجد الصغير قبل الكبير يحارب الاحتلال بالأسلحة المختلفة، فهؤلاء يخططون وأولئك ينفذون، وآخرون يمدونهم بـ"اللوجستيات"، وجماعة تدعمهم لمواصلة الجهاد.
وتتغير هتافات أهالي جنين من حين لآخر لتقهر المحتل أكثر، فكل مرة يصدحون بصوتهم ليرددوا بحماس اسم الشهيد الجديد. فقد كانوا في الفترة الأخيرة لا يتوقفون عن الهتاف بـ "من مخيم الثوار، طلع رعد المغوار" ليذكروا الجنود بالعملية البطولية التي نفذها رعد، بعد صلاة التراويح في شهر رمضان الماضي، في شارع ديزنغوف بمدينة تل الربيع، وقتل فيها ثلاثة مستوطنين، وأصاب أكثر من عشرة.
في منشور عبر صفحة الفيسبوك، دون الكاتب خالد جمعة عن مدينة جنين: "إذا قلت "جنين" ثلاث مرات، ولو همساً، ستنبت قريةٌ بين أجساد الشهداء، وسيزيد الأوكسجين في هواء البلاد، وربما دبت الحياة في عروق الشجر الناشف".
وتابع: "ومنذ خلق الله الأرض، قررت ألا تكون مجرد جغرافيا، وضعت وشماً على ساعدها [حُرّم الوشم للأشخاص وليس للمدن]، وحملت أحزان المدن في جيوبها، ومضت إلى الوديان، كل حجرٍ ترونه ملوناً في جبال فلسطين، عليه بصمة جنين، كل طائرٍ يغني في غير موسمه، في صوته جنين، كل شهيد، ولو كان من أقاصي الأرض، ابحث عن نسبه، ستجد -ولو قبل مليون عام- أن له صلة بجنين.
ويضيف جمعة: "سيقولون: يا لها من مبالغة، وسأقول: فيمن سنبالغ إن لم تكن جنين؟!".
ومنذ ساعات الصباح، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم الخميس، استشهاد 9 فلسطينيين بينهم سيدة مسنة، وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال (الإسرائيلي) عقب اقتحامها مدينة جنين ومخيمها، بينما قالت وسائل إعلام (إسرائيلية) إن الجيش رفع حالة التأهب على حدود قطاع غزة.
وقال وسام أبو بكر، مدير مستشفى جنين الحكومي في حديث صحفي، إن الوضع في المخيم سيئ للغاية وإذا ما استمر على ما هو عليه فستكون هناك كارثة.
ونقلت إذاعة الجيش (الإسرائيلي) عن مصدر أمني أن الهدف من العملية في جنين اعتقال من وصفته بأنه "مطلوب كبير" ينتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي.
بدورها، قالت كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام إن مقاتليها يخوضون اشتباكات مع قوات الاحتلال في مخيم جنين.