قائمة الموقع

تحقيق الرسالة.. (التكييش) أسلوب جديد لسرقة المواطنين بواسطة شركات

2023-01-31T11:00:00+02:00
تحقيق الرسالة.. (التكييش) أسلوب جديد لسرقة المواطنين بواسطة شركات
الرسالة نت- أحمد أبو قمر

على باب إحدى شركات تقسيط الأجهزة الكهربائية في شمال غزة، يقف (فؤاد. س) يتلقّف كل ‏مواطن جاء لشراء جهاز بنظام التقسيط ليسأله: "أتريد بيعه؟".

المواطن فؤاد -الذي رفض ذكر اسمه كاملا- يعمل موظفا لنفس الشركة التي يذهب إليها ‏المواطنون للشراء بالتقسيط، ويشتري الأجهزة الكهربائية نقداً (كاش) ليُعيد بيعها لنفس الشركة دون ‏عِلم أحد.‏

ما يفعله فؤاد هو ما يتعارف عليه بين الناس (بالتكييش)؛ أي شراء السلع بالتقسيط بسعر مرتفع، ‏وبيعها فورا نقدا (كاش) بسعر منخفض.‏

‏ عمل منظّم

‏"الرسالة" فتحت ملف (التكييش) في قطاع غزة، لتجد تجارا متنفذين يمتهنونه ويحققون أرباحا غير ‏مشروعة بمبالغ كبيرة، مستغلين حاجة المواطنين للسيولة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.‏

المواطن فؤاد، الذي تحدث لمعد التحقيق بعد محاولات إقناع متكررة، كونه يعلم أن عمله غير ‏قانوني، قال: "أغلب من يشتري السلع بالتقسيط يذهب لبيعها بسعر منخفض، ويخسر ما بين ‏‏(30 - 40) % من قيمتها، وبالتالي يعتبر شراء هذه الأجهزة مجددا عملية مربحة".‏

 

 

عامل بالتكييش: نحقق أرباحا تقدّر بـ 40% من قيمة السلعة‏

 

 

وأوضح أن العمل على شراء السلع المقسّطة بنظام الكاش، لم يكن منتشرا قبل عامين بهذا الشكل ‏المنظّم، مؤكدا أن التكييش بات منظما خلال الشهور الأخيرة لكثرة العاملين به.‏

وبيّن فؤاد أن الشركة التي يعمل بها وقّعت على تعهد بعدم العمل بنظام التكييش، وهو ما دفع ‏صاحبها للدفع به للعمل أمام باب المحل بشكل خفي.‏

ولفت إلى أنه يعمل مع الشركة دون علم أحد، "حتى لا تقع الشركة في مشاكل قانونية ومخالفات ‏مع وزارة الاقتصاد".‏

ووفق جولة أجرتها (الرسالة) على عدد من المحال المتخصصة في بيع الأجهزة الكهربائية، ‏فإن العديد من المحال لا زالت تتعامل بنظام التكييش ولم ترتدع من إجراءات الحكومة بالخصوص؛ ‏لأن العملية توفر ربحا كبيرا وسهلا.‏

أنظمة وقرارات

وفي بيان صدر عن وزارة الاقتصاد في وقت سابق، أكدت فيه أنها ستتخذ المقتضى القانوني بحق كل ‏من يمارس التكييش في قطاع غزة، محذرةً من التعامل به.‏

وقالت الوزارة إنها عمدت إلى إصدار أنظمة وقرارات تنظم عمل المؤسسات المالية في قطاع غزة، ‏أهمها: حظر العمل في مجال الفوركس، وحظر التسويق الهرمي والشبكي، وحظر نظام التكييش ‏وإصدار نظام البيع بالتقسيط، وإصدار نظام ضبط أعمال مؤسسات الإقراض والتمويل.‏

 

 

الاقتصاد: نحذّر الشركات من التكييش وسيحاسب المخالفون قانونيا

 

 

وأوضحت الوزارة أنها استقبلت 30 شكوى متعلقة بالمؤسسات المالية ومخالفتها للأنظمة المعمول ‏بها، وكذلك أخطرت 70 شركة مالية مخالفة لتصويب أوضاعها القانونية، وأخذت تعهدات لـ 52 ‏من الملفات المالية المخالفة بالتعاون مع الوحدة القانونية، وحولت 12 مؤسسة مخالفة للنيابة ‏العامة.‏

ووفق المعطيات على الأرض التي عاينتها (الرسالة)، فإن السيطرة على التكييش يعد صعبا، ‏وما يمكن للجهات الحكومية فعله ينحصر في الحد من الظاهرة بدرجة بسيطة.‏

ولا يمكن التخلص من ظاهرة التكييش في غزة إلا بإنهاء جميع الظواهر المسببة لها، مع العمل الجاد ‏على مضاعفة المعروض النقدي في الأسواق بعدة طرق أهمها رفع نسبة رواتب الموظفين وضخ ‏الاستثمارات.‏

وبسبب التكييش يفقد المستهلكون أموالا من قيمة السلع -التي يحولونها إلى سيولة- تصل إلى أكثر ‏من 30%.‏

ومؤخرا، أصدر المجلس الأعلى للقضاء في قطاع غزة، قرارا بوقف استقبال أي قضايا جديدة ‏مقدمة من شركات التكييش بهدف الضغط عليها لوقف التعامل بهذه الآلية.‏

وذكر المجلس الأعلى أن القيمة الإجمالية للشكاوى المقدّمة في محاكم غزة من شركات التكييش ‏تبلغ (5.2 مليار دولار)‏.

ورفض المجلس الأعلى للقضاء التعقيب لمعد التحقيق على البيان أو قضية التكييش، في وقت ‏أكد أن العمل مع الجهات المختصة يجري على قدم وساق لإيجاد الحلول لهذه الظاهرة السلبية.‏

وتجدر الإشارة إلى أن عملية التكييش أدت إلى تدهور الوضع المادي لعشرات الموظفين، وهو ‏ما أدى لتقديم العديد من القضايا بحقهم والحجز على رواتبهم.‏

‏ استعراض النظام‏

المواطن سالم شكري، اضطر للتوقيع على كمبيالة فارغة مقابل الحصول على ثلاجة بسعر ‏‏3200 شيكل، من إحدى شركات التكييش.‏

وقال سالم لـ "الرسالة": "سعر الثلاجة بالسوق 2400 شيكل، واشتريتها بسعر مرتفع بسبب ‏حاجتي للسيولة، وتفاجأت بطلب صاحب الشركة توقيعي على كمبيالة فارغة".‏

 

 

مواطن: وقعت على (كمبيالة فارغة) وخسرت 42% من قيمة السلعة‏

 

 

وأشار سالم إلى أنه دفع سعرا أعلى بـ 25% من قيمة الثلاجة في السوق، واضطر لبيعها بالكاش ‏بسعر ألفي شيكل ليفقد 17% من قيمتها أيضا.‏

وبجانب المخاطرة بالتوقيع على كمبيالة فارغة، التي يعتبرها القائمون على شركات التكييش بمثابة ‏‏(ضمان حق)، خسر سالم الذي يعمل كموظف في مؤسسة خاصة، 42% أموالا إضافية على ‏ثمنها.‏

وأكد أنه يعيش في أوضاع اقتصادية صعبة؛ بسبب كثرة الاستحقاقات الشهرية المتراكمة عليه، ‏مشيرا إلى أنه نفذ 4 عمليات تكييش على سلع وأجهزة كهربائية مختلفة.‏

المستشار القانوني لوزارة الاقتصاد الوطني، يعقوب الغندور، ذكر أن البيع بالتقسيط هو نوع من ‏البيوع الآجلة التي يتم تحديدها بين البائع والمشتري.‏

وقال الغندور في حديث لـ "الرسالة"، إنه يشترط في عملية البيع بالتقسيط أن تتم من خلال شركة ‏أو مؤسسة مرخصة من الوزارة حسب النظام والقانون.‏

وبيّن الغندور أن النظام لا ينطبق على القروض الممنوحة للأشخاص من البنوك والمؤسسات ‏المالية أو صناديق الضمان الاجتماعي وعقد الإيجار المنتهي بالتمليك وعقد الإيجار التمويلي، ‏والمعاملات التي تقل آجال دفعها عن ثلاثة أشهر بمبالغ بسيطة.‏

وأضاف: "يجب أن يكون عقد البيع محررا من نسختين أصليتين، وأن يتضمن جميع البيانات عن ‏البائع والمشتري، ومقدار الثمن ومبالغ الدفعات".‏

‏إجراءات جديدة

ووفق مصدر مطلع، فإن عملية الحجز على الرواتب في ظل وجود الكثير من القضايا باتت غير ‏مجدية بالنسبة للشركات، لذا لجأ العديد منها إلى كتابة الكمبيالات بمبالغ خيالية فوق المليون ‏دولار؛ حتى يتم حجز كل الراتب كون نصاب الربع يغطي دائنا‏ واحدا‏ فقط.‏

وقال المصدر الذي يعمل في إحدى محاكم قطاع غزة، في مقابلة مع "الرسالة"، إن تراكم ‏المبالغ بأسعار عالية شكّل مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة.‏

وأوضح أن ذلك الأمر جعل الحكومة في غزة تسرع بتشكيل لجنة حكومية موسّعة لدراسة الملف ‏بالاشتراك مع الجهات الرسمية ذات الصلة.‏

وبيّن أن قرار المستشار ضياء المدهون، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، بتعليق العمل مع قضايا ‏شركات التكييش يعني عدم قبول قضايا تنفيذية جديدة من عدد 128 شركة وفردا من الذين تم ‏إدراج أسمائهم بالكشوف، وهذا التعليق مؤقت.‏

 

 

القضاء الأعلى: قيمة الشكاوى المقدّمة من شركات التكييش 5.2 مليار دولار

 

 

وتوقع المصدر أن تلجأ اللجنة الحكومية التي شكلت لهذا الخصوص، لجمع قاعدة بيانات من ‏جميع الشركات والأفراد الذين يعملون بهذا النظام، "وبناءً عليها سيتم تحديد المبالغ الحقيقية من ‏المبالغ الوهمية، وهذا كمرحلة أولى".‏

ولفت إلى أنه سيتم فتح باب الشكاوى أمام المواطنين لدى اللجنة ليتم مطابقة المعلومات مع ‏البيانات المقدمة من الشركات.‏

كما سيتم مراجعة ما يسمى بالمعاملات الثابتة (قروض البنوك والاستقطاعات البنكية).‏

وكشف المصدر عن آليات تتم لعمل تسوية وفق نظام سيصدر عن وزارة الاقتصاد لوضع نسبة ‏محددة في حال عدم الالتزام بالدفع، بما لا يتجاوز نسبة مئوية يتم تحديدها من متخصصين ‏قانونين.‏

وبالعودة للغندور، أكد أنه "يجب أن يكون ثمن المبيع بالتقسيط نهائيا، ولا يمكن في أي حال من ‏الأحوال تغييره مهما كانت الأسباب".‏

وكذلك لا تزيد نسبة الزيادة عن 5% عن السنة الواحدة وبحد أقصى بنسبة 30% مهما بلغت ‏سنوات التقسيط، ويجب على البائع بالتقسيط أن يمكّن المشتري بالتقسيط من ممارسة الحق في ‏العدول عن الشراء خلال عشرة أيام عمل.‏

كما يجوز للبائع أن يشترط في عقد البيع بالتقسيط رهنا أو كفالة يقدمها المشتري، وتعد المخالصة ‏عن القسط مخالصة عن الأقساط السابقة عليها، ما لم يتفق عليها خلاف ذلك.‏

وشدد الغندور على أنه لا يجوز للبائع بالتقسيط إعادة شراء المبيع من المشتري بأقل من ‏السعر الذي باعه إلا في حال اعترى المبيع عيب.‏

ولفت المستشار القانوني لوزارة الاقتصاد الوطني، إلى أنه يجوز لمفتشي الوزارة الممنوحين صفة ‏الضبطية القضائية الدخول إلى الأماكن التي تزاول النشاط والاطلاع على السجلات والمستندات.‏

وشدد على أن أي تاجر يخالف أحكام هذا النظام يعرض نفسه للمساءلة القانونية.‏

‏ نقص السيولة‏

المختص في الشأن الاقتصادي، الدكتور أسامة نوفل، أكد أن ظاهرة التقسيط أخذت منحى سلبيا؛ ‏بسبب حاجة المواطنين للسيولة العاجلة التي وجدوها متوفرة في التكييش.‏

وقال في مقابلة مع معد التحقيق، إن التكييش ظاهرة اقتصادية سلبية، "تعمل وزارة الاقتصاد على ‏محاربتها ومنعها باستمرار".‏

 

 

اقتصادي: التكييش أخذ منحى سلبيا بسبب حاجة المواطنين للسيولة العاجلة

 

 

وأوضح أن هناك ملايين الدولارات التي تسير في الاقتصاد الفلسطيني بظاهرة التكييش، داعيا ‏المستهلكين إلى عدم التوقيع على أوراق (كمبيالات وغيرها)" عند شراء السلع بالتقسيط، خصوصا إذا ‏كان المبلغ الموقّع عليه أعلى من سعر السلعة.‏

وشدد على ضرورة التخلص من جميع الظواهر المسببة للتكييش للقضاء عليه، والعمل الجاد على ‏مضاعفة المعروض النقدي في الأسواق بعدة طرق أهمها رفع نسبة رواتب الموظفين وضخ ‏الاستثمارات.‏

ولفت إلى أن المستهلكين يفقدون أموالا من قيمة السلع التي يحولونها إلى سيولة قد تصل إلى ‏أكثر من 30%.‏

ورغم الإجراءات الحكومية الهادفة للقضاء على ظاهر التكييش، إلا أن السيطرة عليها تبدو صعبة في ظل العمل فيها بالخفاء وعدم وجود عقوبات رادعة حتى اللحظة.

اخبار ذات صلة