واصل عمال الإنقاذ في تركيا وسوريا بأيديهم العارية ووسط برد قارس الثلاثاء عمليات البحث عن ناجين بين أنقاض آلاف المباني التي انهارت جراء سلسلة زلازل عنيفة هزت البلدين.
ووصلت الحصيلة الاجمالية المؤكدة لعدد القتلى في البلدين إلى أكثر من 4,300 بعد هزات أرضية عنيفة ضربت بالقرب من الحدود التركية السورية سجلت أقواها 7,8 درجات.
وأحصت فرق الإغاثة التركية انهيار أكثر من 5,600 مبنى في العديد من المدن، بينها مبان من طبقات عدة تضم عائلات كبيرة كان أفرادها نياما عندما ضرب الزلزال الأول.
وأعلنت إدارة الطوارئ والكوارث التركية "أفاد" أن حصيلة ضحايا الزلزال في تركيا بلغت 2,921 قتيلا، ما يرفع الحصيلة الاجمالية للقتلى في تركيا وسوريا الى 4,365.
وهناك مخاوف من أن يستمر عدد القتلى في الارتفاع بهذه الوتيرة، خاصة وأن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير الى أن قرابة 20 ألف شخص لقوا مصرعهم.
أما في أنحاء سوريا، فقد قُتل 1,444 شخصًا على الأقل، بحسب وزارة الصحة وفرق إغاثة.
فقد أعلنت وزارة الصحة السورية ارتفاع عدد القتلى الى 711 في حصيلة غير نهائية في مناطق سيطرة الحكومة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس. كما أفادت منظمة الخوذ البيضاء العاملة في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة دمشق بمقتل 733 شخصًا
وذكرت وكالة "أفاد" أن أكثر من 14 ألف شخص أصيبوا حتى الآن في تركيا، في حين بلغ عدد الجرحى في سوريا 3,411.
وقع الزلزال الأول عند الساعة 4,17 (01,17 ت غ) على عمق نحو 17,9 كيلومتراً وفق المعهد الأميركي للمسح الجيولوجي وكان مركزه في منطقة بازارجيك في محافظة كهرمان مرعش التركية (جنوب شرق) على مسافة 60 كيلومترا من الحدود السورية
وأعقبت ذلك عشرات الهزات الارتدادية، قبل أن يضرب زلزال جديد بقوة 7,5 درجات عند الساعة 10,24 بتوقيت غرينتش جنوب شرق تركيا على مسافة أربعة كيلومترات من مدينة إكينوزو.
داخل مستشفى في شمال غرب سوريا، روى أسامة عبد الحميد وهو من سكان بلدة حدودية مع تركيا، "أيقظت زوجتي واصطحبنا أولادنا وركضنا باتجاه باب المنزل في الطابق الثالث، وما أن فتحنا الباب حتى سقطت البناية كلها". لقد نجا وعائلته بأعجوبة.
في شانلي أورفا في جنوب شرق تركيا، كان عشرات المسعفين يحاولون مساء الاثنين إخراج ناجين من بين أنقاض مبنى منهار من سبع طبقات.
وقال عمر الجنيد وهو طالب سوري يبلغ 20 عامًا يسكن على مقربة من المكان ويتابع من كثب عمليات الإغاثة، لفرانس برس "هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض".
ومساء الاثنين، كان سكان يستعدّون لتمضية الليل خارج المنازل، رغم درجات الحرارة المتدنية جدًا، وفق ما أفاد فريق فرانس برس.
وقال محمد أمين كيليتش جالسًا مع زوجته وأبنائه الأربعة حول النار في أسفل مبنى في الحيّ الذي يقطنه، "ليس لدينا مكان نذهب إليه، نحن خائفون".
وكان بالإمكان رؤية المشاهد نفسها خلال النهار في مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية والواقعة في جنوب شرق تركيا.
وروى محيي الدين أوراكشي واقفا أمام أحد المباني المدمّرة في ديار بكر في انتظار عمليات الإغاثة صباحًا لفرانس برس "شقيقتي وأطفالها الثلاثة وزوجها ووالداه تحت الأنقاض. سبعة من أفراد أسرتنا تحت الأنقاض".
ويتوقّع أن تتغيّر الحصيلة بسرعة نظراً إلى عدد المباني المنهارة في المدن المتضررة، مثل أضنة وغازي عنتاب وشانلي أورفا وديار بكر خصوصاً. وفي إسكندرون وأديامان، انهارت مستشفيات حكومية جراء الزلزال الذي ضرب على عمق نحو 17,9 كيلومترا.
تُعدّ هذه الهزّة الأشدّ في تركيا منذ زلزال 17 آب/أغسطس 1999 الذي تسبّب في مقتل 17 ألف شخص، بينهم ألف في اسطنبول.
وتشل الأحوال الجوية في هذه المنطقة الجبلية المطارات الرئيسية حول دياربكر وملطية مع تواصل تساقط الثلوج بكثافة.
ويتجمع السكان في كل مكان ويحاولون إزالة الأنقاض بأيديهم، مستخدمين الدلاء.
وفي سوريا، تسبب الزلزال في مشاهد ذعر، مع خروج السكان من المناطق المتضررة سيراً أو بالسيارات، رغم الأمطار الغزيرة، وكذلك في لبنان حيث شعر السكان بهزات قوية.
وفي حماة (وسط غرب) كان رجال الإنقاذ والمدنيون ينتشلون بأيديهم وبمساعدة الآليات الثقيلة جثث الضحايا من تحت الأنقاض، وبينها جثة طفل، حسبما أفادت وكالة فرانس برس.
وقال علاء الشاكر منسّق إدارة الكوارث في الهلال الأحمر العربي السوري في حماة لفرانس برس، "تلقّينا تقارير عن انهيار مبنى من سبعة طوابق، حيث يسكن بين 100 و150 شخصاً. عثرنا على 40 إلى 45 شخصاً. هناك تقارير عن مقتل بين 15 و25 شخصاً".
في جنديرس (شمال غرب)، كان رجل يبكي منهارا وهو يحمل بين ذراعيه جثة ابنه الصغير الذي قتل في الزلزال.
دعا الرئيس التركي الذي يستعد لخوض انتخابات في 14 أيار/مايو، إلى الوحدة الوطنية.
وكتب على تويتر "نأمل في أن نخرج من هذه الكارثة معا بأسرع ما يمكن وبأقل أضرار ممكنة"، مشيراً إلى أن تركيا تلّقت مساعدة من 45 دولة. وأعلن إردوغان حدادا وطنيا لسبعة أيام في البلاد.
من جهته، بدأ الاتحاد الأوروبي الذي عرضت الكثير من دوله الأعضاء تقديم المساعدة لسكان المناطق المنكوبة، إرسال فرق إغاثة.
وتوالت التعازي من جميع أنحاء العالم، من الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ، مروراً بالبابا فرنسيس الذي قال إنّه "حزين للغاية"، فضلاً عن عروض المساعدات الإنسانية والطبية.
وأعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تعمل على إرسال فرقتين تتألف كل واحدة من 79 مسعفًا، لمساعدة تركيا في عمليات البحث والإنقاذ.
وقال الكرملين، حليف سوريا، إن فرق مسعفين سيتوجهون إلى سوريا "في الساعات المقبلة"، في وقت أعلن الجيش أن أكثر من 300 عسكري روسي ينتشرون في المناطق السوري المنكوبة للمساعدة في جهود الإنقاذ.
وأشار الكرملين أيضًا إلى أن الرئيس التركي قبِل بعد اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، "مساعدة المسعفين الروس".
كذلك، تعهّدت اليونان خصوصاً بـ"توفير... كلّ قواتها لمساعدة الجارة تركيا"، التي تربطها بها علاقات متوترة. كما تحدث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس هاتفياً مع إردوغان لتقديم "مساعدة فورية".
وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أنه "وافق" على إرسال مساعدة إلى سوريا، بعد تلقي طلبٍ من دمشق عبر قنوات "دبلوماسية"، فيما نفت دمشق ذلك.
وأوعز رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بإرسال فرق من الدفاع المدني وطواقم طبية "للمشاركة في أعمال البحث والإنقاذ لضحايا الزلزال المدمر"، وفق بيان صادر عن مكتبه.
من جهته، كتب المفوض الأوروبي المكلف إدارة الأزمات يانيش لينارسيتش في تغريدة "إثر الزلزال الذي وقع في تركيا فعلّنا آلية الدفاع المدني في الاتحاد الأوروبي (...) وتوجهت فرق من هولندا ورومانيا"، فضلًا عن 139 مسعفًا فرنسيًا و76 عنصر إطفاء بولنديًا.
وأعلنت أذربيجان إرسال 370 عنصر إنقاذ على الفور فيما قالت الهند إنها سترسل فرق إنقاذ وفرقاً طبية.
من جانبها، أعلنت كل من قطر والهند إرسال فرق بحث وإنقاذ. وكذلك الأمر بالنسبة للإمارات التي أرسلت فريقًا مماثلاً و"مساعدات طارئة" إلى سوريا. واعلنت مساءً تخصيص مساعدات انسانية عاجلة لسوريا بقيمة 13,6 مليون دولار.
كما عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقديم "المساعدة الضرورية" لتركيا التي لعبت طائراتها المسيّرة دورا في محاربة كييف للغزو الروسي.
في حلب، ثاني مدن سوريا، بقيت عشرات العائلات منذ وقوع الزلزال فجرًا في الحدائق العامة رغم تساقط أمطار غزيرة، خشية حصول هزات ارتدادية، وفق ما أفاد مصوّر وكالة فرانس برس.
وتضرّرت قلعة حلب وعدد من المواقع الأثرية الأخرى، وفقاً للمديرية العامة للآثار والمتاحف.
وأعربت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عن خشيتها حيال الدمار في مدينة حلب القديمة ودياربكر في تركيا المدرجتين على قائمتها للتراث الانساني.
وفي تركيا، سُجّلت أكبر الأضرار بالقرب من مركز الزلزال الذي وقع فجراً بين قهرمان مرعش وغازي عنتاب، حيث دمّرت تجمّعات سكنية بأكملها.
وتضرّرت خطوط أنابيب الغاز التي تغذي المنطقة أيضاً، ما أدى إلى حرمان محافظات هاتاي وكهرمان مرعش وغازي عنتاب من الغاز، كما أكدت شركة خطوط أنابيب البترول التركية بوتاش.
كذلك، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق تعليق صادرات النفط عبر تركيا بعد الزلزال المدمر .
ونفذ نزلاء سجن راجو في شمال غرب سوريا الاثنين عصيانا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، حيث تمكن 20 منهم على الأقل من الفرار من المنشأة التي تضم سجناء غالبيتهم أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية، وفق ما أفاد مصدر في السجن لفرانس برس.
وشعر سكان لبنان وقبرص أيضا بالزلزال بحسب مراسلي وكالة فرانس برس، وكذلك في أربيل بكردستان العراق (شمال)، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات.
بدورهم، شعر سكان في مناطق بعيدة مثل غرينلاند بالهزات الناجمة عن الزلزال القوي، على ما أعلن المعهد الجيولوجي الدنماركي الاثنين.
تقع تركيا في منطقة تشهد نشاطًا زلزاليًا هو من بين الأعلى في العالم.
المصدر: القدس