بيعت قضيتهم على أقرب مفترق

اللاجئون لسلطتهم: يا ظالم إلك يوم

الرسالة نت – أحمد الكومي

علقت آمالها الكبيرة بالعودة يوماً ما إلى بيتها المحتل بقرية هربيا الفلسطينية، وجلست الحاجة أم محمد -في العقد السابع من عمرها- تتنظر على أحر من الجمر سماع خبر عاجل ينعش شوقها المدفون بالرجوع إلى بلادها التي لطالما حنت يداها للمس ترابها المهجور منذ أكثر من 60 عاماً.

إلا أن هذه الآمال سرعان ما تحولت إلى مشهد درامي انتهى بوفاة البطل، كسراب تلاشى أمام مسافر يتوق عطشاً لرشفة قليلة من الماء العذب وسط صحراء قاحلة، وذلك بعد الكشف عن الوجه الخائن لمن كان يعول عليهم الدفاع عن أوضاع من هُجروا من أوطانهم قصراً بعد ظلم طال البشر والحجر والشجر.

فبعد أن تقطعت أوصال الشعب الفلسطيني وبات يعيش جزء كبير منه في المنافي والشتات ودول صديقة، تقدم سلطة رام الله وعلى طبق من ذهب تنازلات جوهرية بشأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها غداة النكبة عام 1948، وهو حق ظل لعقود أحد الثوابت الوطنية لحركات التحرر الفلسطينية.

نكبة جديدة

تقاسمت "الرسالة نت" عتبة منزل الحاجة أم محمد ، وجلست بجوار من تركت منزلها وهي تشعر بالحسرة على الفردوس المفقود وعلى ما حل بها من ضياع وتشتت.

وبتنهيدة عميقة، افتتحت أم محمد حديثها بالتعجب مما يجري تحت الخفاء على طاولة المفاوضات المستديرة لشطب حق العودة والتنكر له بعد أن أصبحت العائلة الفلسطينية مشتتة في بلدان عدة.

وتقول:" أتمنى أن أعرف موقف هؤلاء القوم "السلطة" مما نراه يوميا، عندما تقتلع معاول الهدم أهلنا من جديد وكأنها نكبة جديدة حلت بشعبنا، يُمنع المواطن من السكن في بيته وفوق أرضه ولربما قام بهدم بيته بيده، وهم يتغنون بجراحاتنا ويساومون علينا ".

وتزدحم الصورة المكانية والزمانية مجدداً بألفاظ وعبارات تغلفها علامات الاستفهام وروح الدهشة والتململ، لما يجري للاجئين الفلسطينيين الذين مزقوا شر ممزق وسفكت دماؤهم في مجازر مروعة، وأصبحوا بلا كيان اجتماعي ولا هوية جماعية، بل ازدادت معاناتهموتفاقمت في بلدان اللجوء.

وبحرقة قلب، رفعت أم محمد يدها إلى السماء، ودعت الله ربها أن ينتقم ممن باع أبناء شعبه بأرخص ثمن، مقابل حفنة من المال والسلطة لا تساوي شيئاً أمام قطرة دم شهيد سقطت دفاعاً عن قضية شعبه.

مسحت وجهها بيديها ونظرت لـ"الرسالة" والدموع ترقرق في عينيها لتقول:" ألهذه الدرجة وصل حالنا، أصبحنا نحن اللاجئين الفلسطينيين أسرى المزايدات والمشاحنات الفلسطينية والعربية والدولية".

وتلجأ الدعاية الإسرائيلية والموالون لها من الباحثين في الغرب بين الفينة والأخرى إلى الزعم بأن عودة اللاجئين إلى أراضيهم -وإن اعترف البعض بأنها سليمة قانوناً- مستحيلة عمليا، لأن الحدود ضاعت وامتلأت البلاد بالمهاجرين الجدد.

صعقة كبيرة

اللاجئون من سمتهم أنهم يتشاركون الهم والجراح معاً، فما كشفته الجزيرة من خيانة واضحة للسلطة وما قدمته من تنازلات بشأن اللاجئين، مثل صعقة كبيرة للمواطن الفلسطيني الذي يترقب يوم العودة بفارغ الصبر، فالحاج أبو زاهر استشاط غضباً لحظة سماعه فظائع ما مارسته يد سلطة عباس بالضفة.

وقال وعينه تنظر إلى شاشة الجزيرة التي توسطت منزله المتواضع:" لن نبقى نطالب بحقوقنا وأن يعاملنا الجميع كبشر لأننا كذلك رغم أنف عباس وفياض وجميع أذناب السلطة، ولدينا من الكرامة مايكفينا ولسنا بحاجة إلى سلطة خائنة تخاف على قضيتنا وتشعرنا بكرامتنا".

وأشار بعكازه لشاشة الجزيرة وأضاف:" بعد كل هذه المصائب التي نراها، بت أجزم وبشكل قاطع أن سلطة عباس تعتبرنا عنصراً شاذاً في المجتمع ولا نستحق أن نخرج إلى الحياة، وأوكد لكم "للرسالة"  أن السلطة كانت تشد على يد إسرائيل لتحتجزنا لمدة 62 عاما في حارات وبيوت لاتصلح للعيش الآدمي، فقطلتحقيق أغراضها ومصالحها ومن أجل تشطب قضيتنا عن الوجود، لكن هيهات لهم ذلك".

فمنذ عام  1948 وحتى الآن وإسرائيل تحاول طمس قضية اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة بدفع الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من الدول الأخرى إلى تبني مشاريع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين تحت شعارات وأبعاد إنسانية، وها هي السلطة تأتي لتكمل المشوار وتنهي أحلام اللاجئين بالعودة.

واختتم الحاج أبو زاهر حديثه بمطالبة سلطة عباس باستخلاص عِبر ودروس تجربة اللجوء والشتات، وإعادة بلورة الهوية الوطنية للسلطة بالضفة، وتقديم ذلك لأبناء الشعب الفلسطيني ، بدلا من اختزال وتحويل هذا التجربة إلى مجموعة الوثائق السرية للقضاء علينا".

وتبقى قضية اللاجئين من أكثر المشاكل الملحة في الشرق الأوسط، حيث احتلت إسرائيل في الفترة من 1917 إلى 1949، 78% من أرض فلسطين وطردت أو تسبّبت بهروب أكثر من 750,000 فلسطيني إلى قطاع غزة، الضفة الغربية وبلدان عربية آخر مثل سوريا، لبنان، الأردن وغيرها.

ويعيش ثلث اللاجئين، حوالي 1.3 مليون نسمة، في واحد من تسعة وخمسين مخيما تنتشر في مناطق عمليات الأونروا الخمس في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.

 

البث المباشر