في تشييع الشهيد الفتى قصي رضوان واكد، 14 عاما، ردد المشيعون : "يا جميل العموري، جبنالك وردة جوري، يا خالد يا ابن الوليد جبنالك عريس جديد"، وكان صوت آخر ينادي على أمه ويطلب منها "ارضي عليه" وهي تقبل يديه، وتبكي، وطفلها ممدد وكأنه يخدعها، يتصنع النوم وعلى شفتيه ضحكة حقيقية، حيث يضحك الشهداء في جنين، فتيان لم يصلوا حتى إلى فرحة العمر.
ومن بين أصوات الرصاص سحب جثمان الفتى، بائع الخبز الصغير الذي كان يعمل في مخبز قريب من المخيم، حينما اشتعلت السماء بالقنص، واجتاحت الدبابات المخيم كما تفعل منذ بداية العام، وكان قصي رضوان اليوم هو الضاحك المغادر للمخيم.
كل يوم يركب قصي دراجته، ويذهب إلى عمله مسالما يعمل في توزيع الخبز على المحال التجارية، عمه شهيد، وجده شهيد، والشهادة شرف تتوارثه العائلات في المدينة.
وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال، قد اقتحمت مدينة جنين ومخيمها ظهر الأمس، ما أدى لاندلاع مواجهات أصيب خلالها ثلاثة مواطنين بالرصاص الحي في البطن، من بينهم الطفل واكد، الذي ارتقى شهيدا متأثرا بإصابته.
انطلق موكب التشييع من مستشفى ابن سينا التخصصي في جنين، وطاف في شوارع المدينة والمخيم، بين بكاء الأخوة وأنين الأمهات، قبل أن يصل مسقط رأسه في قرية العرقة.
كما ردد المشيعون الهتافات المنددة بالاحتلال واقتحاماته المتكررة ومجازره في جنين ومخيمها وشددوا على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وترسيخها على أرض الواقع، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل والوقوف إلى جانب شعبنا الأعزل خاصة في جنين المستهدفة منذ بداية العام ومن 48 شهيداً، قدمت جنين 20 شهيدا.
وحسب توقعات محللين فستظل جنين والقدس تتصدران المشهد في الضفة الغربية كما يقول المحلل السياسي والكاتب راسم عبيدات الذي يتوقع أن تتصاعد الأوضاع في جنين أكثر، لأن الاحتلال معني بأن تنتهي المقاومة فيها لأنها الأقرب للداخل الفلسطيني، وأي تبلور فيها يشكل خطرا على عمق دولة الاحتلال.
ويقول عبيدات: "الاحتلال لا يريد أن يفقد قوة الردع، ولكن حصل ذلك بالفعل ولا زال الأمر يزداد تأججا وشراسة، لأنه يخشى المواجهة المفتوحة التي تكون فيها الساحات موحدة؛ لذلك فهو يزيد من عنفه".
قدمت جنين عشرين شهيدا منذ بداية العام و136 شهيدا العام الماضي، ولا زالت العمليات الفردية تفاجئ الاحتلال ولا يستطيع أن يتوقع القادم لذلك تبدو عملية مواجهة جنين صعبة لأنه لا يعرف قدرات المقاومة على التطور، حسب قول عبيدات.
ربما يكون القادم أشرس وأقوى وأكثر صمودا، وربما تقدم جنين المزيد من الشهداء كما تفعل منذ بداية العام والعام الماضي، ولكن الثابت في هذه المعركة غير المتكافئة أنها تطعن الاحتلال كل يوم وتثبت له أن الأرض ولّادة.