تمر اليوم ذكرى هبة باب الرحمة، حينما أدى المقدسيون والمرابطون في القدس صلاة الجمعة في مصلى باب الرحمة بالمسجد الأقصى المبارك عام 2019 لأول مرة منذ أن أغلقته قوات الاحتلال (الإسرائيلي) عام 2003، بعد هبة شعبية كسر خلالها المنتفضون أقفال المسجد فبقي مفتوحا حتى اليوم رغم أنف الاحتلال.
ولم يتوقف الاحتلال عن محاولاته إغلاق باب الرحمة مجددا، إلا أن المصلين لا زالوا مرابطين هناك ويجددون البيعة مع المصلى ويتناوبون على الصلاة فيه لما لهذا الباب من مكانة تاريخية وسياسية ودينية يعرفها الاحتلال جيدا، ولأجل ذلك يستميت لإعادة إغلاقه.
ويقول الدكتور ناجح بكيرات إن باب الرحمة له مكانة تاريخية يحاول الاحتلال تشويهها، فباب الرحمة من أقدم أبواب المسجد الأقصى، والاحتلال يحاول الترويج لفكرة أن الباب بني في عصر الدولة الأموية، لكن الحقيقة -يتابع بكيرات- أنه معتكف عبر التاريخ الطويل، وقد أطلق عليه باب التوبة، ثم أطلق عليه الاستعمار (الباب الذهبي).
ويشير بكيرات إلى أن الصحابة رووا أحاديث كثيرة عن باب الرحمة، بينهم الصحابي الجليل أبو الوليد عبادة بن الصامت، الذي وقف عند الباب بالجهة الشرقية للأقصى ثم بكى طويلا، وقال: من هنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يصدرون إلى يوم القيامة، وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا ما مت فادفنوني في باب الرحمة فإن باب الرحمة باب إلى الجنة".
ويؤكد بكيرات الذي عايش باب الرحمة منذ عام 1967 على أن مزاعم الاحتلال أن الباب بني في عهد الدولة الأموية باطلة، والحقيقة أن ما حدث فيذ1لك العهد هو إصلاح الباب فقط.
ويشير بكيرات إلى أن الاحتلال يستهدف باب الرحمة لأنه يستخدم كمعتكف، وتجرى فيه نشاطات دينية كثيرة، وكان يستخدم كقاعة للمدرسة الشرعية، فأصدر أمرا عسكريا بإغلاق الباب لإيقاف نشاط الأوقاف الذي يسعى لعمارة المسجد الأقصى، وذلك عام 2003.
باب الرحمة ما زال من دون أبواب، بل ويتجنب المقدسيون تركيب باب له حتى لا يستغل الاحتلال ذلك ويغلقه للأبد، واقع باب الرحمة الآن مؤلم -وفقا لبكيرات- فهو يحتاج إلى ترميم، لأن السقف تالف والجدران ترشح منها المياه وتتسرب إلى داخل المصلى، ولأن الاحتلال يمنع ترميمه، كوسيلة ضغط على المصلين، ولتنفير الزوار منه.
ورغم تضييقات الاحتلال، فإن باب الرحمة ما زال مفتوحا ويستقبل الزوار ويقف سداً منيعاً أمام محاولات الاحتلال لفرض واقع جديد على المسجد الأقصى من خلال الباب وتفريغه من المصلين والسماح للمستوطنين بتدنيسه دون أي قيود.
ويقول الدكتور جمال عمرو أن أهمية باب الرحمة علاوة على مكانته التاريخية أنه مخرج من المسجد إلى خارج المدينة، وهو الباب الأقرب شرق الأقصى واستهدافه يقرب الوصول إلى القبة، كما يمكن للمصلين الدخول والخروج منه مباشرة دون المرور بالبلدة القديمة المزدحمة.
ولفت عمرو أن هناك دلائل على مطامع الاحتلال في باب الرحمة، منها وجود مخططات لإنشاء كنيس بالقرب من الباب، محذرا من أننا أمام مخطط لباب مغاربة جديد، مشيرا إلى أن المقدسيين تمكنوا في هبة باب الرحمة من فتحه ولا زال دور المقدسيين مستمرا في المحافظة عليه مفتوحا حتى الآن.
وللمسجد الأقصى خمسة عشر بابا، عشرة أبواب مفتوحة وخمسة مغلقة. أما المفتوحة فهي: باب الأسباط وباب حطة وباب العتم، وتقع هذه الأبواب الثلاثة على السور الشمالي للمسجد الأقصى، بالإضافة إلى باب المغاربة وباب الغوانمة وباب الناظر وباب الحديد وباب المطهرة وباب القطانين وباب السلسلة، وهذه الأبواب السبعة تقع على السور الغربي للمسجد، وكلها مفتوحة ويستغلها المصلون المسلمون، إلا أن الاحتلال صادر مفاتيح باب المغاربة عام 67 ومنع المسلمين من دخول الأقصى من خلاله.
وأما الأبواب المغلقة فهي: الباب الثلاثي والباب المزدوج والباب المفرد وباب الجنائز وباب المغاربة، أما باب الرحمة فكان سادسها قبل أن يعيد المقدسيون فتحه قبل أربع سنوات، ولا زالت حربهم ضد الاحتلال مفتوحة من أجل حمايته.