قائمة الموقع

الكنيست تصادق على قوانين تمهد للتطهير العرقي

2023-02-26T10:12:00+02:00
أمير مخول
أمير مخول

صادق الكنيست الاسرائيلي بصورة نهائية، يوم الأربعاء 15 شباط/فبراير، على قانون يقضي بسحب الجنسية والإقامة من الأسرى الفلسطينيين من داخل “الخط الأخضر” والقدس المحتلة ممن تتهمهم إسرائيل بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين وتتلقى عائلاتهم مستحقات مالية من السلطة الفلسطينية. ينص القانون على إلغاء الوضع القانوني لأسرى الداخل الفلسطيني والقدس وإبعادهم فور انتهاء فترة محكوميتهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية.

ينص القانون على أنه “في حالة إدانة مواطن أو مقيم إسرائيلي بارتكاب جريمة تشكل انتهاكًا للأمانة لدولة إسرائيل، وحكم عليه بالسجن بسبب هذه المخالفة، وثبت أن السلطة الفلسطينية عوضته ماليًا عن ذلك، فإنه سيكون من الممكن سحب جنسيته أو تصريح إقامته الدائمة ونقله إلى أراضي السلطة الفلسطينية أو قطاع غزة”.

صوّت لصالح قانون سحب الجنسية والإقامة 94 عضو كنيست بإجماع من الائتلاف الحاكم والمعارضة الاسرائيلية، في حين عارضه عشرة نواب عرب.

عقّب رئيس الوزراء نتنياهو على إقرار القانون بأن “الرد على الإرهاب هو ضربه بقوة”، حسب تعبيره. بدوره، ادعى عضو الكنيست عن المعارضة وأحد المبادرين لمشروع القانون، زيئيف إلكين، أنه “لا يوجد قانون أكثر عدلاً من هذا القانون”، وقال رئيس الائتلاف أوفير كاتس، إن “هذه الخطوة هي فجر حقبة جديدة، وسيتبعها العديد من الخطوات، الإرهابيون الذين يتلقون أموالاً من السلطة الفلسطينية سيطيرون من هنا إلى غزة ورام الله، لقد حان وقت الردع”.

عقّب مركز عدالة الحقوقي: “لا يخفي نص القانون وصياغته أنه كتب وأقر ضد الفلسطينيين فقط دون غيرهم من أجل انتهاك المزيد من حقوقهم الأساسية، هذه المرة من خلال توفير إمكانية إضافية لسحب جنسيتهم أو مواطنتهم وتهجيرهم من أرضهم ومنازلهم بما يخالف القانون الدولي والإنساني”.

تحليل:

شهدت الحلبة السياسية الإسرائيلية إجماعًا صهيونيًا شاملًا بين أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة بشأن هذا القانون، وهو يأتي في خضم الصراع الأكثر حدّة في تاريخ إسرائيل حول طبيعة المنظومة الحاكمة. ولا يتشكّل إجماع كهذا إلا بالموقف المعادي للفلسطينيين. ويشكّل إنفاد هذا القانون تمهيدًا لتوسيعه بحيث تناقش الكنيست مشروع قانون مكمل يتيح طرد عائلات الأسرى “إذا ما تماثلوا مع ما قام به أبناؤهم من عمليات، او وفّروا حاضنة شعبية وعائلية لهم”.

إنّ حدود هذا القانون هي أبعد من مسألة الأسرى وحسب، بل هو بداية قوننة واسعة وسافرة للطرد الجماعي، وتشمل منع أحزاب عربية من خوض انتخابات الكنيست، كما وتتيح سحب المواطنة والإقامة لتنفيذ مشاريع تطهير عرقي خاصة لسكان منطقة المثلث الشمالي أو ما يعرف بمنطقة وادي عارة، وتحيّن الظرف لهذا المشروع المبيّت منذ عقود طويلة. ويوفّر القانون أداة قانونية احتلالية لتفريغ القدس من أهلها الفلسطينيين وطردهم تمهيدًا لاستكمال استيطانها وتهويدها، وجعل استمرار “الوضع القائم” في الأقصى والمقدسات غير ممكن.

يشكّل القانون نظامًا قائمًا على الفصل العنصري، فهو يسري على الفلسطينيين وحدهم بتهمة “الإرهاب” حسب التعريف الاسرائيلي مضافًا إليها المستجد وهو تلقي المخصصات من السلطة الفلسطينية، ويوفر كذلك الحماية القانونية للإرهابيين اليهود الذي قاموا بجرائم حرب ضد الفلسطينيين وحتى لقاتل رئيس حكومة اسرائيل الاسبق اسحق رابين. وفيه أساس للملاحقات السياسية والإفراط في استخدام أنظمة الطوارئ التي ورثتها اسرائيل عن الانتداب البريطاني، بما في ذلك تحديد الحركة والاعتقال الاداري والطرد بناء على تقديرات استخباراتية ومن دون أية أدلّة عينية، وعن كون القدس منطقة محتلة تخضع قانونيًا لاتفاقية جنيف الرابعة.

لا يمكن اعتبار قانون سحب المواطنة والإقامة مسألة اسرائيلية داخلية، ولا مسألة سيادية، بل هو قانون عدواني عنصري على شعب فلسطين. كما أن إسقاطات القانون هي محلية فلسطينية وإقليمية، إذ سيمنح استخدامه لدولة الاحتلال أداة لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس بالكامل، كما يتيح سحب المواطنة جماعياً عن فلسطينيي الـ 48 في المناطق المحاذية للخط الأخضر. التطابق بين الائتلاف الحاكم والمعارضة حول هذا الموضوع ، دليل على أنهم يتصارعون فيما بينهم ويتوافقون ضد الحق الفلسطيني، وكذلك بأن موقف المعارضة بقيادة لبيد يجمع البعدين الجوهري والوظيفي.

كما لا ينبغي النظر إلى هذا القانون بمعزل عن سلسلة التشريعات والمتغيرات الحاصلة بشأن إضعاف وحتى إلغاء مفعول كل أجهزة الرقابة على السلطة التنفيذية وغاياتها، ومن اللافت أن وتيرة تسارع التشريعات تتأثر بحالة الهلع السياسي لدى أحزاب الصهيونية الدينية من إمكانية عدم عودتها للحكم واعتبار الوضع الحالي فرصة لا تتكرر، خاصة وأن استطلاعات الرأي العام تشير إلى تراجع ملموس في قوة حزب الليكود فيما لو جرت انتخابات جديدة للكنيست.

أما من حيث الجوهر فمن اللافت أن كل خطوات الحكومة تتناسق مع منطق مشروع الضم. هكذا هو الأمر فيما يتعلق بالتغييرات الجذرية في الجهاز القضائي والقضاء على الكوابح البنيوية التي تعتمدها الدول لحماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية، وكذا بالتصعيد الخطير في القدس ومناطق (ج) والنقب، في هذا السياق يندرج اأيضًا قانون سحب الجنسية والإقامة الذي يأتي تحت مسمى الأسرى إلا أنه ينطبق على مجمل السياسات الديمغرافية الضرورية، فالصهيونية الدينية، لا ترى، بأن الضم سوف يتسبب في تغيير طابع اسرائيل الديمغرافي بصفته أحد اهم مركبات الامن القومي.

من الأهمية بمكان الاشارة إلى التحول فيما يسمى “روح الدولة” أو روح الكيان، وهو قائم على الانفلات السافر لكل تجليات العنصرية والعدوانية تجاه الفلسطينيين، وهذا ما نشهده في سياسة ونهج توتير خطير للوضع في سجون الاحتلال، ونشهده في مئات اوامر الهدم الصادرة دفعة واحدة لبيوت عربية فلسطينية في النقب، وبلدات بكاملها، ويتجلى أيضا في القدس بالمداهمات والتبليغات بالنيّة بسحب الإقامة في المدينة.

ظلت السياسة الإسرائيلية تراعي السلطة الاعتبارية للقضاء في تحديد مدى تناسب الاجراءات الحكومية مع القانون ومع مبررات إصدارها أو تطبيقها بالحد الاعلى ام الادنى او ما بينهما، لكن التحولات الأخيرة تعطي اليوم السلطة الاعتبارية لكل شرطي وضابط وجندي في مناطق نفوذهم. باسم مفهوم “روح الدولة” ترسم الاجراءات التي ستلازم الوضع على المدى البعيد ولا تتيح اعادة العجلة الى الوراء الا بثمن باهظ سيدفعه الفلسطينيون.

المعارضة بقيادة لبيد معنية بالعودة للحكم، وهناك شقّ فيها بقيادة غانتس وحتى لبيد وبدرجات متفاوتة، مستعدون لإقامة حكومة تحالف وطني صهيوني مع الليكود من دون نتنياهو، ومن أجل ذلك فهم معنيون بعدم القيام بأية خطوة تقلل من شرعيتهم كأحزاب سلطة حاكمة. ولذلك لديهم قرار استراتيجي باستبعاد فلسطينيي 48 من جدول أعمالهم ومشاركتهم في الصراع ضد الحكومة الحالية. كل ذلك خوفا من وصمهم من قبل نتنياهو، بأنهم جماعة ” اليسار ” ومحاولته نزع شرعيتهم أمام الجمهور. كما أن جدول أعمال المعارضة يفتقر حتى الان لأي بديل سياسي مثل الموقف من حقوق الشعب الفلسطيني أو الاحتلال أو العنصرية.

يدعم الصحفي والمحلل العسكري البارز رون بن يشاي فكرة التناسق بين الخطوات الحكومية والتشريعية الاسرائيلية وكونها تمهد لمشروع الضم في الضفة الغربية، وبناء عليه ، يتكشف الهدف المركزي من مسعى سموتريتش للحصول على المسؤولية الكاملة عن الادارة المدنية، ليس للتحكم بشؤون الفلسطينيين وحسب، بل وأساسا توكيله بالسلطة فيما يتعلق بالمستوطنات القائمة وفي السيطرة على كل مناطق ج، من خلال الاستيطان الواسع ، حيث بلغ عدد المستوطنين في هذا الجزء من الضفة الغربية ما يزيد على نصف المليون نسمة، بينما عدد أصحابها الفلسطينيين لا يتجاوز ثلث عدد المستوطنين. وما الانقلاب القضائي إلا مرحلة تمهيدية في هذا الصدد، وهو ليس هدفًا بحد ذاته وإنما جاء ليخدم سياسات وأهداف مركزية سياسية وايديولوجية. نظرًا لكون احزاب الصهيونية الدينية غير مكترثة للقانون ولا للرأي العام العالمي ولا القانون الدولي، واعتمادها التوراة والتلمود كمرجعية لها. بهذا المفهوم لا موانع لديها من حل المعضلة الديمغرافية بتعريفها الصهيوني من خلال نظام فصل عنصري استعماري قائم على منع المواطنة عن الفلسطينيين، وصولا الى التهجير بالترغيب المالي أو الطرد بالقوة.

 

في موازاة مشروع الضم الزاحف إجرائيًا يتضح أكثر فأكثر، أنه ما دام تركيب الائتلاف الحاكم كما هو فإن نتنياهو لن يقود السياسات ولا يملك القدرة على ذلك، وما مساعيه للقاء العاهل الاردني في عمان في يناير الماضي وتصريحاته امام بلينكن سوى خطوات غير جوهرية، فكل المؤشرات تؤكد أنه لن يقف ضد مشروع الصهيونية الدينية الذي يهدد ايضا مكانة الاردن واستقراره.

هناك عقبة سياسية ظهرت في العقد الأخير منذ تشكيل القائمة المشتركة للأحزاب العربية، والتي بلغت ذروتها حين حصلت على 15 مقعدا في الكنيست، وساهمت في إعاقة استمرارية نتنياهو في الحكم. ولهذا شهدنا مسعى منهجي لنزع الشرعية عن العمل السياسي العربي ومساعي خفية ومكشوفة على السواء لتخريب هذه القوة البرلمانية باعتبارها فائض قوة غير مباح بالمفهوم الصهيوني. بينما يشكل “الانقلاب القضائي” أرضية لنفي الفلسطينيين العرب من التمثيل السياسي في الكنيست الاسرائيلي أو ما يطلق عليه تطهير عرقي سياسي، وذلك سعيا لخدمة العقيدة الصهيودينية، ولضمان استمرارية وجودها في الحكم.

تكثر مؤخراً المقاربة من قبل محللين وساسة وباحثين اسرائيليين بين ما يحدث اسرائيليا وبين التطورات التي جرت في ألمانيا قبيل سيطرة النازيين المطلقة وتطبيق سياساتهم. وهناك شعور لدى اوساط مركزية بأنه لا بديل عن التصعيد الشعبي من ناحية وعن الضغط الدولي، والكل يتمنى في الأوساط المعارضة ان لا يحظى نتنياهو بالفرج العربي.

فقد وفرت سياسة اضعاف القضاء في إسرائيل وتغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات الفرصة لإخضاع ضباط الجيش المتورطين في جرائم ضد المدنيين للمساءلة القانونية امام الجنايات الدولية، وهناك تحذيرات علنية من ادارة بايدن والاتحاد الأوروبي من خطورة اضعاف الجهاز القضائي، كما صدر موقف مباشر وواضح من الامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان بشأن الانتهاك البنيوي لحقوق الفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيو 48 مشيرا الى كونهم جمهورا في خطر، وهذا ينطبق على القدس ومناطق ج في الضفة الغربية.

رغم التحديات والمخاطر، فان فرصا قد فتحتها حالة التطرف القومي الديني في إسرائيل، من اجل ممارسة الضغوط على حكومة نتنياهو سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا، خاصة مع تفاقم الازمة الاقتصادية والسياسية ، بشرط ان لا تحظى الحكومة الإسرائيلية بحبل النجاة من أي نظام عربي.

اخبار ذات صلة