ليست المرة الأولى، قبل ثمانية أعوام، حرقت قطعان المستوطنين عائلة دوابشة في قرية دوما قضاء نابلس، وتوفي في الحريق الرضيع علي وعمره 18 شهراً وأبوه وأمه، وأصيب شقيقه أحمد (4 سنوات) بحروق من الدرجة الثالثة واحترق جسمه بنسبة 80%، بينما احترق المنزل بأكمله.
هكذا يحدث في الأوطان المحتلة، حينما ينتزع حكامها سلاح مقاومتهم، بينما يسمح المحتل لمستوطنيه بالتسلح، فيعيثون في الأماكن والأرواح والأشجار فسادا، وهذا ما حدث في حوارة.
حرق نابلس لم يبدأ بالأمس، بل قبل أربعة أيام حينما دخل الاحتلال المدينة، ليغتال اثنين من عرين الأسود، وألحقهما بتسعة آخرين، فانتهت الحصيلة بأحد عشر شهيدا ارتقوا دفعة واحدة خلال ساعتين، ولم يهدأ بركان الغضب في قلب الفلسطيني الذي نزع سلاحه منذ تلك اللحظة.
148 ألف مستوطن يحملون رخصة سلاح وفق معطيات أمنية (إسرائيلية) ذكرتها صحيفة "هآرتس" العبرية، وهذا العدد الكبير لا يشمل جنود الاحتلال وأفراد الشرطة (الإسرائيلية) والحرّاس وغيرهم، فلقد أصبح حرق القرى الفلسطينية، والتهجم على المارين عبر حاجز حوارة هواية يمارسها كل مستوطن.
وبالأمس، تأججت نيران الغضب على حاجز حوارة حينما أطلق فلسطيني النيران تجاه سيارة للجنود فأسقط قتيلين.
ومع حلول ساعات المساء ثار إرهاب المستوطنين فأغدقوا نيران الظلم على القرى قضاء نابلس (حوارة، بورين، بيتا، مادما، عصيرة القبلية، عوريف) وكان مركز الاشتعال حوارة.
57 ألف مواطن هم سكان حوارة، لم يناموا ليلهم الطويل، وهم يذودون عن المدينة، ويطفئون النيران المشتعلة والتي طالت مائة منزل حُرق منها 35 بشكل كامل، بينما تضرر 45 غيرها بشكل جزئي بالإضافة إلى حرق 100 سيارة، ثم أُعلن عن ارتقاء الشهيد سامح الأقطش ما قبل منتصف الليل.
صرخات النساء والأطفال في حوارة، ومشاهد النيران المشتعلة قلبت القرية إلى كتلة من نيران، وأكلت في طريقها ما أكلت من محال تجارية وبيوت وسيارات، وكأنها دفعت الثمن لموقعها القريب من الحاجز والمحاط بالاستيطان من كل جهة.
الجيش يدعي أن المستوطنين هم من أحرقوا القرية، ويقول إنه فقد السيطرة عليهم، والحقيقة القادمة من الصور الملتقطة والبث المباشر من حوارة أظهرت أن الجنود هم من يترأسون هذا العمل الإرهابي ويحرسونه، ويدعمونه بالسلاح.
يقول الصحافي رومل سويطي الذي احترق معرض سيارات خاصة لشقيقه في حوارة: "بدأت مسيرة للمستوطنين في السابعة تماما واستمرت حتى منتصف الليل، برعاية وحماية الجيش الذي حرمنا من الدفاع عن أنفسنا من هجمات المستوطنين وحرقهم للمركبات المتوقفة".
ويتابع: "كنا نريد أن نحمي ممتلكاتنا ولكن الحراسة المشددة من الجيش وحرس المستوطنات قابلت كل من يتقدم لحماية أملاكه بالرصاص الحي".
وفق السويطي، فإن الخوف كان سيد الموقف والنيران انتقلت من السيارات إلى البيوت، ومنع الاحتلال سيارات الدفاع المدني من الدخول، مؤكدا أن حكومة الاحتلال أبلغت السلطة الفلسطينية بأن هناك مسيرة للمستوطنين ستبدأ في السابعة مساء".
طريق حوارة الممتد يربط نابلس بآخر نقطة في مناطق السلطة الفلسطينية، وهو مشترك بين المستوطنين والفلسطينيين، في أراضي تتناثر فيها المستوطنات بكل اتجاه، وهكذا استبيحت حوارة، وعلى جانبي الطريق حُرقت على امتداد كيلو متر عشرات المنازل والمحلات التجارية المركبات، وخُلعت بوابات المحال.
يقول الدكتور أسامة الأشقر في وصف واقع حوارة: "لقد قضمت مستوطنة (يتسهار) جزءاً ليس بالقليل من أراضي حوارة الغربية كما قضمت من قريتي بورين وعصيرة القبلية، وأقام الاحتلال في شمالها قاعدة أكلت من أراضيها وأراضي بورين ويجاورها حاجز حوارة العسكري المعروف بشدة نكايته وتنكيله بالفلسطينيين".
ويضيف الأشقر: "وإلى الجنوب من حوارة تستعرض مستوطنة كفار تبواح العسكرية، التي تجاورها قاعدة تبواح العسكرية، وحاجز تبواح المعروف باسم حاجز زعترة الذي سطّر فيه المقاتلون نقوشاً محفورة في تاريخ النضال.
هذه القواعد والحواجز لا تكتفي بمواقعها الدائمة التي تقطع أوصال الضفة الشمالية والجنوبية وتقطع أوصال مركز نابلس عن بلداتها وضواحيها بل تنتشر الحواجز الطيارة التي تزيد الوضع نكالاً مع انتشار الطرق الالتفافية التي تحصد الموت كل يوم من خلال ما يسمونه مساحة الارتداد على امتداد هذه الطرق التي صممت لحماية هذه القطعان الاستيطانية والبطش بكل فلسطينيّ، حسب الأشقر.
لقد تركت حوارة بالأمس وحدها، لم تأت أي طواقم شرطية تابعة للسلطة للإغاثة، ولم يسمح للطواقم الطبية بالدخول، فُرض الحصار على نابلس بعدها مباشرة وأصبحت حوارة على آثار الدمار ورماد الحرائق، لتذكرهم بتاريخ طويل من الاستيطان الذي تعود على حرق البيوت والأبرياء، وعيون أهالي حوارة والقرى التابعة لنابلس على الليلة القادمة، ما الذي سيحدث؟!