لا شك أننا نحيا في عالم تمطر فيه السماء فتنًا ومحنًا وابتلاءاتٍ متعددة؛ فالبعض يُبتلى في ماله، والآخر في صحته، والسواد الأعظم في أخلاقياتهم ودينهم - مع الأسف الشديد - وهذا العالم الشديد في الشهوات إنتاجًا وتغذية، تُضَخّ فيه المليارات لاستهداف أهم فئة (وهي الشباب).
لذلك فالشباب هم أكثر الشرائح العمرية تعرضًا للهجمات الأخلاقية والتغريبية والانحلالية، وكلها بأسماء ومعاني ومفاهيم تدعو للتحرر والتمدن وهي أمور ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ومسلك إن سار فيه الشاب فإن العواقب تكون وخيمة.
ونحن اليوم - وانطلاقا من الحرص على الشباب المسلم، وتقديرًا لما يحاك ضدهم من مكر مركب شديد الأثر - سنكب ناصحين كيف يواجه الشباب هذه الحرب المسماة بالشهوات وطرق النجاة بشكل بسيط بعيدًا عن تعقيد الكلمات.
يجب أن يدرك الشاب أن نجاته من هذه المعركة والحرب الخبيثة التي تستهدف عقله وكيانه تستوجب منه أن يكون مدركًا لخُطط الساعين في إفساده، متيقظًا لهم
أولًا/ فهم طبيعة المعركة
يجب أن يدرك الشاب أن نجاته من هذه المعركة والحرب الخبيثة التي تستهدف عقله وكيانه تستوجب منه أن يكون مدركًا لخُطط الساعين في إفساده، متيقظًا لهم، وهذا لن يتأتى إلا بفهم ووعي شديدين منبعهما القرآن والسنة، وقراءة سير الصالحين من شباب أمتنا من خيرة الصحابة، ومواقف في العفة، وأن يضع قصة عفة سيدنا يوسف – عليه السلام - أمام عينيه وكيف لما اعتصم نجا من الشيطان.
إنها معركة شديدة العصب والتركيز، بل والمناهج؛ فهي شمولية تبدأ من الدعوات للتحرر، ثم تتحول رويدًا رويدًا للعقيدة، لذلك فكلما كان الشاب يقظًا كلما ماتت المؤامرات في مهدها، واندثرت الشهوات في النفس.
ثانيًا/ أكثر من طرق الباب
إن الباب المقصود هو باب الله الذي لم ولن يغلق في وجوه عباده العصاة والطائعين؛ فهو قريب ومفتوح، ولا يحتاج لاستئذان، أو لمن يسهل الوصول إليه؛ فالله بشَّرَ الجميع: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186]
إن لجوء المرء لربه والدعاء إليه والإلحاح عليه من معينات النفس والعقل وسمو الروح ومثبتات العقيدة ومن معمقات الحياء من الله عز وجل.
وفي نفس الوقت هي اعتراف صريح من العبد بأنه مهما كانت قوة المرء ويقظته فإن دعاءه لربه هو من علامات التوفيق والثبات، وهو قمة في حسن ظن المرء بربه الظن الحسن القويم، ويقينًا.. يكون الله عند حسن ظنه كذلك، وفي الحالتين فالدعاء هنا مسير نجاة ومسار نجاح.
ثالثًا/ انتق أصحابك
إن الصاحب والصديق إما أن يكون جليسًا صالحًا أو نافخ كير، والمعنى أن المرء يملك الخيار، فإما أن يجالس شابًا مسجديًا صالحًا يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، أو العكس والعياذ بالله.
من الانتحار الصامت أن يصاحب المرء شخصًا يهديه إلى الظلمات بكلمات معسولة وابتسامات صفراء، مصحوبة بالحلف بأنه ناصح ومحب؛ فالصادقون في حبهم هم من ينصحون ويحبون له ويسعون في تحقيق الصلاح والخير
فإن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، لذلك فمن الانتحار الصامت أن يصاحب المرء شخصًا يهديه إلى الظلمات بكلمات معسولة وابتسامات صفراء، مصحوبة بالحلف بأنه ناصح ومحب؛ فالصادقون في حبهم هم من ينصحون ويحبون له ويسعون في تحقيق الصلاح والخير في كل الأفراد، وحلمهم الأكبر أن يلتقوا جميعًا في جنات ونهر إخوانا على سرر متقابلين.
ومن المعيب أن يغفل المرء عن الصالحين، ويسلك مَسْلَك الضّالين بحجج واهية، لذلك فالفرار الفرار نحو الصالحين ومجالستهم واختيارهم رفقاء طريق؛ فهذا نجاة للمرء دنيا وأخرى لو يعي.
رابعًا/ ففروا إلى الله
إن الطاعة ولود؛ فالمرء الصالح إن تصدق تبع صدقته بتسبيح واستغفار، وإن صلى وجد نفسه تاليًا للقرآن مستمتعًا بقراءته، لذلك فتعميق الجانب الإيماني بكثرة الأعمال الصالحات من معينات ومقومات المواجهة والنصر أمام هذه الحرب المستهدفة للشباب.
كما أن الصوم معين بشكل شديد ومجابه لكل المنكرات والشهوات، لذلك وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم – الشباب، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ" (وجاء أي معين) وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
كما أن النية الصالحة تجبر فعل المرء والأعمال بالنيات، وكلما كان المقصد صالحًا كان التوفيق الإلهي وفيرًا وحاضرًا، وهذه سنن كونية، لذلك فالنوايا الصالحة من الأعمال الصالحة وكلها تدور في منظومة اللجوء لله - عز وجل - الذي حاشاه أن يرد عبده الراجي عفوه وغفرانه.
تحصين الفرج أمر مهم جدًا في تحصين المرء من الوقوع في الزلل، لكن الأهم هو اختيار الزوجة الصالحة حتى ينعم براحة بال وعفة صادقة تعصمه وتمنعه من النظر للخارج
خامسًا/ الزواج
الزواج نجاة وصيانة من الوقوع في المحرمات ومقدماتها وهو يضيف للمرء رونقًا حياتيًا فالعفة أثرها على العقل والجسم عمومًا نشاط وهمة عالية وراحة بال، كما أن للمعصية همومًا وغمومًا وضيق صدر وحياة.
كما أن تحصين الفرج أمر مهم جدًا في تحصين المرء من الوقوع في الزلل، لكن الأهم هو اختيار الزوجة الصالحة حتى ينعم براحة بال وعفة صادقة تعصمه وتمنعه من النظر للخارج، وهذا ملف شائك لا يتسع المجال لذكره في هذا المقال، لكننا نشدد أن المعيار في الزواج هو الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"
فحاجة الشباب للعفاف ورغبته في النجاة بنفسه من هذه الشهوات يجب أن يكون منبعها تنفيذ وصايا وأوامر الله ورسوله بشكل يجعل منه إنسانًا صالحًا مصلحًا في مجتمع الذئاب.
ختاما.. الحرب على الشباب المسلم لن تنتهي وهي مستمرة كل لحظة بأساليب مختلفة شديدة المكر وميزانيات مفتوحة، هدفها العام هو النيل من فطرة المسلم وتلويث عقله بشكل جذاب لا يمت للدين بصلة، بل هو خراب وإفساد، لذلك فالمعركة ممتدة ولن يصل ويفوز إلا المخلصون الذين فطنوا حقيقة الحرب وصنعوا مضادات لها بكثرة اللجوء إلى الله وطلب العون والمدد منه عز وجل.