قال يوناتان توفال كبير محللي السياسة الخارجية والأمنية في مركز (ميتيفيم الإسرائيلي) إنه منذ تشكيل الحكومة (الإسرائيلية) المتشددة في ديسمبر الماضي، أعرب خبراء السياسة الخارجية الأمريكيون عن قلقهم المتزايد بشأن مستقبل العلاقات الخاصة بين البلدين، مستشهدين بالإيديولوجيات المتطرفة لشركاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الائتلاف، وحذروا من أن الشعور "بالقيم المشتركة" بين البلدين -إحدى الركائز المزدوجة لهذه العلاقة -معرض للخطر.
وأضاف:" تزايدت هذه التحذيرات وأصبحت أكثر إلحاحًا منذ أن بدأت حكومة نتنياهو في دفع خطط لإصلاح جذري للقضاء في البلاد، وهي خطة من المتوقع على نطاق واسع، إذا تم تنفيذها، أن تثير أزمة دستورية وربما تؤدي إلى نهاية الديمقراطية الإسرائيلية".
وتابع :"لسوء الحظ، تستند هذه التحذيرات على مفهوم خاطئ خطير: وهو على وجه التحديد، أنه في حين أن "القيم المشتركة" (الإسرائيلية) الأمريكية معرضة للخطر، فإن الدعامة الأخرى لهذه العلاقة الخاصة -"المصالح المشتركة" للبلدين -لا تزال سليمة. لذلك في حين أن أجندة اليمين المتطرف للحكومة (الإسرائيلية) الحالية قد تنذر بالسوء للديمقراطية الليبرالية في (إسرائيل)، إلا أنها لا تهدد بتقويض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
ويعتبر أنه من اللافت للنظر أن الإدارة الأمريكية تبدو أيضًا واقعة في نفس هذا المفهوم الخاطئ.
وذكر أنه في أكثر التصريحات أهمية حتى الآن، استخدم وزير الخارجية أنطوني بلينكين ظهورًا صحفيًا مشتركًا مع نتنياهو في القدس في أواخر يناير، لتأطير قلقه بشأن المسار الذي تنتهجه السياسة (الإسرائيلية) من خلال الحديث عن أهمية الديمقراطية. مستحضرًا الحقائق التي كان ينبغي أن تكون أمرًا بديهيًا، حيث ذكّر بلينكين الزعيم (الإسرائيلي) بالالتزامات المشتركة لدولهم (بالدفاع عن ركائز ديمقراطيتنا وتعزيزها).
ويقول توفال بعد أسبوعين، حذا الرئيس جو بايدن حذوه. اختار بايدن، في ضوء الأزمة الدستورية الناشئة في (إسرائيل)، التأكيد على وجهة نظره القائلة بأن القيم الديمقراطية المشتركة بين (إسرائيل) والولايات المتحدة على المحك أولًا وقبل كل شيء.
ولفت إلى أن بايدن أشار إلى أن "عبقرية الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية (الإسرائيلية) هو أنهما مبنيتان على مؤسسات قوية، وعلى الفصل بين السلطات، وعلى قضاء مستقل". مضيفًا أن "بناء توافق في الآراء بشأن التغييرات الأساسية مهم حقًا لضمان أن يقبلها الناس حتى تكون مستدامة."
ويضيف :"إذا كان من الممكن وصف الديمقراطيات الأمريكية و(الإسرائيلية) بأنها عبقرية، فهذا أكثر تعبيرًا عما يمكن أن يقوله المرء عن وجهة نظر الإدارة بشأن الحكومة (الإسرائيلية) الحالية وتحولها المناهض للديمقراطية".
وتابع :" في الواقع، واستنادًا إلى الخطاب العام الذي تستخدمه إدارة بايدن، تفشل واشنطن في تقدير مدى تعريض الحكومة (الإسرائيلية) الحالية للخطر ليس فقط القيم (الإسرائيلية) الأمريكية المشتركة ولكن أيضًا المصالح المشتركة للبلدين".
ويرى الكاتب أن الجبهة الفلسطينية هي المنطقة الأكثر وضوحًا حيث تعمل الحكومة (الإسرائيلية) الحالية على تقويض المصالح الأمريكية. حيث تؤدي السياسات التوسعية والعنف المتصاعد بالفعل اهتمامًا أمريكيًا كبيرًا، كما تجلى في عقد قمة أمنية طارئة في العقبة أواخر الشهر الماضي، وعدد وتكرار زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك زيارة الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة.
لكن فيما يتعلق بالمسائل الأمنية يشير إلى أن خطاب واشنطن العام عالق في جانب الأخلاق والقيم. على سبيل المثال، وردًا على دعوة وزير المالية (الإسرائيلي) بتسلئيل سموتريتش إلى "محو" بلدة حوارة الفلسطينية، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الكلمات ووصفها بأنها "غير مسؤولة، مقززة ومثيرة للاشمئزاز"، وهي مصطلحات، رغم قوتها، تبعث على النفور الأخلاقي العميق من الموضوع بدلًا من الغضب السياسي أو الدبلوماسي.
مثل هذا الخطاب يُثير الحيرة، نظرًا إلى أن المصالح السياسية والدبلوماسية ليست أقل عرضة للخطر من القيم الأخلاقية.
ويقول توفال :"في المحصلة، فإن أي حالة من عدم الاستقرار في الأراضي المحتلة معرضة لخطر الامتداد إلى الأردن، حيث أن الغالبية العظمى من سكانها هم من أصل فلسطيني. ويرتبطون مع الفلسطينيين على الضفة الغربية لنهر الأردن. يُعرَّف الأردن بأنه شريك رئيسي للولايات المتحدة، وأي شيء يهدد استقراره يقوض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وبينما تستعد الأردن، بجانب الفلسطينيين، لتكون الضحية الأكبر للحكومة (الإسرائيلية) المتطرفة، فمن المحتمل أن تتأثر دول مجاورة أخرى ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة أيضًا.
ويؤكد أن أنظمة دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج قوية بما يكفي لتحمل أي عاصفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك فإن التأثير عليها يمكن أن يترجم إلى سياسات وممارسات غير متسقة إن لم تكن متناقضة تمامًا مع المصالح الأمريكية (وكذلك القيم بالطبع).
ويتوقع أن يشمل ذلك قمع احتجاجات الناس في الشوارع وقمع حرية التعبير ضد أي شخص قد يستخدم الوضع لانتقاد العلاقات المتواطئة أو الصريحة بين أي من هذه الأنظمة و(إسرائيل).
ويضيف: "عندما يتعلق الأمر بخطط (إسرائيل) للتغيير في القضاء، علاوة على ذلك، من خلال حقيقة أن مثل هذا الحليف الوثيق ينتهك بشكل علني ويتحدى القيم الجوهرية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة قد تعاني من نكسات استراتيجية في أجزاء أخرى من العالم.
ويتابع :"بعد كل شيء، تواصل واشنطن استخدام القيم الديمقراطية والليبرالية كأداة أخرى ضمن مجموعة من الأدوات لتعزيز مصالحها في جميع أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية إلى آسيا وحتى إيران".
ويشير إلى أن السياسات (الإسرائيلية) في فلسطين تُعرض الولايات المتحدة بالفعل لاتهامات بمعايير مزدوجة من قبل مجموعة واسعة من اللاعبين العالميين. من المحتم أن يؤدي الانهيار الشامل للديمقراطية (الإسرائيلية) إلى خلق تحديات جديدة لأمريكا عبر حدود متعددة، مثل علاقتها مع الصين في هونغ كونغ أو تايوان، أو في جهودها للاستفادة من الاضطرابات الشعبية في إيران لإجبار طهران على تقديم تنازلات بشأن تعديل أي صفقة نووية.
ويختم الكاتب قائلا:"بعبارة أخرى، فإن الضرر الذي تُلحقه حكومة (إسرائيل) الحالية بمصالح الولايات المتحدة هو بقدر ما يلحق بقيمها. حان الوقت لواشنطن لمواجهة هذه الحقيقة والنظر في الضرر الذي توشك حكومة نتنياهو على إلحاقه بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه".
المصدر: ذا ناشونال إنترست
ترجمة : مركز الدراسات السياسية والتنموية