لم تمهل رصاصة واحدة أطلقها جندي (إسرائيلي) الطفل الفلسطيني أمير مأمون عودة حتى الوصول للمشفى، فقد استشهد خلال دقائق في الطريق إليه.
وأصيب عودة (14 عاما) بعد أن أطلق جندي (إسرائيلي) النار عليه خلال مواجهات اندلعت في أحد مداخل مدينة قلقيلية (شمال الضفة الغربية) مساء أمس الجمعة.
لم يحمل أمير -حسب شهود العيان- سوى حجر أمام الرصاص (الإسرائيلي)، وباستشهاده انضم إلى قائمة من 16 طفلا قتلهم جيش الاحتلال منذ بداية العام الحالي. وهو رقم كبير في موجات القتل (الإسرائيلية) منذ الانتفاضة الثانية (2000-2004) إذ قتلت (إسرائيل) مئات الأطفال خلال وقت قصير.
تعمّد القتل
من بين الشهداء الأطفال في الشهرين الأخيرين، كان أيضا الطفل محمد نضال سليم (15 عاما) الذي استشهد قبل أسبوع في مدخل بلدة عزون شرقي قلقيلية، غير بعيد عن مكان استشهاد أمير عودة.
ومحمد سليم أيضا لم يحمل سوى حجر في المواجهات التي اندلعت على مدخل بلدته، وقتله جنود الاحتلال كما أصابوا طفلين آخرين معه، أحدهما بجروح خطيرة.
تذكر والدته عائشة سليم للجزيرة نت آخر الدقائق التي قضاها في البيت قبيل استشهاده "وقف بالقرب من بوابة المنزل متكئا على الجدار المقابل لي، وبدأ بالحديث والمزاح والضحك، لم أشعر بشيء غريب، كان مرتاحا".
بعد نصف ساعة فقط، سمعت الوالدة صوت الرصاص، فحاولت الاتصال بمحمد ولكنه لم يرد. ولما تواصلت مع شقيقتها وجدتها تبكي فظنّت أن أبن شقيقتها أُصيب، فخرجت من بيتها مسرعة، وعندما وصلت المستشفى وجدت ابنها غارقا في دمه.
كانت إصابة محمد سليم أيضا مباشرة في القلب من قناص استهدفه عن بُعد، وهو ما يشير إلى تعمّد جنود الاحتلال قتله، كما تقول الأم "محمد طفل، لم يرَ من الدنيا شيئا، كان يمكن اعتقاله أو حتى إصابته في رجله، ولكنهم تعمدوا قتله".
محمد صغير العائلة و"مدلل والدته" تغير سلوكه بالكامل منذ أشهر، بات يتابع أخبار الاقتحامات وأصبح دائم الحديث عن الشهداء، وهو الذي كبر خلال سنوات شهدت قريته فيها مواجهات مستمرة مع الاحتلال الذي يحاصرها وينصب بوابة عسكرية على مدخلها، حيث يقف بشكل دائم جنود مسلحون.
أكثر من ألفي طفل قتلوا منذ عام 2000
منذ بداية العام، تفيد وزارة الصحة الفلسطينية أن 16 طفلا (دون سن الـ18) فقدوا حياتهم بالرصاص الإسرائيلي، 15 منهم من الضفة الغربية وواحد من قطاع غزة، وهو الطفل نايف العودات الذي استشهد يوم 26 يناير/كانون الأول الماضي، متأثرا بإصابته خلال العدوان الأخير على القطاع أغسطس/آب 2022.
وهؤلاء الشهداء -حسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فرع فلسطين- من ضمن 2258 طفلا فلسطينيا قتلتهم (إسرائيل) منذ عام 2000 حتى الآن.
وجميع إصابات شهداء العام الحالي -ما عدا الطفل العودات الذي جُرح في القصف (الإسرائيلي)- كانت بالرصاص الحي، وفي الأجزاء العلوية من الجسم، إذ أصيب 7 منهم في الصدر، و5 في الرأس والوجه، و3 أصيبوا في البطن والفخذ. وهو ما يؤكد استهداف جنود الاحتلال للأطفال وتعمّد قتلهم، كما حدث مع الطفل محمد شعبان (16 عاما) من مدينة نابلس أيضا.
في طريق العودة من المدرسة
استشهد محمد شعبان في المجزرة التي شهدتها نابلس يوم 22 فبراير/شباط الماضي، والتي أدت إلى قتل 10 فلسطينيين، خلال اقتحام قوات الاحتلال للمنطقة الشرقية منها، وذلك بعد أن أصيب الطفل برصاصتين في الكتف والصدر.
يقول عمه علاء شعبان إن محمد كان في طريق عودته من المدرسة عندما فوجئ بآليات الاحتلال في المنطقة، فحاول الاحتماء هو ومن معه في الشارع بمستوصف طبي قريب، ولكن جنود الاحتلال المتحصنين في جيب عسكري أطلقوا الرصاص بشكل مباشر عليهم.
يضيف العم أن الاحتلال يحاول تبرير إطلاقه الرصاص على الأطفال والمواطنين بأنه وقع في أثناء ملاحقة المقاومين المسلحين، ولكنه في الحقيقة "يطلق النيران على كل فلسطيني يتحرك أمامه، ولا يفرق بين الأطفال أو المسلحين".
ويؤكد المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال خالد قزمار وجود استهداف للأطفال الفلسطينيين، "فلا يمكن لجندي أو قناص متمرس ألا يميز بأن من أمامه هو طفل".
ويتابع قزمار -في حديثه للجزيرة نت- "وثقنا بعض الحالات التي تم فيها استهداف أطفال خلال انسحاب جيش الاحتلال وانتهاء عملياته العسكرية في مدن ومناطق فلسطينية عدة".
تمييز في تطبيق القانون الدولي
وبموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة الأطفال واتفاقية حقوق الطفل، فإن الأطفال محميون خلال فترات الحروب وأي جريمة تُرتكب بحقّهم يفترض فتح تحقيق جدّي وحيادي بشأنها، وحتى لو كانت هناك أي مخالفة قام بها الطفل فهو لا يعتبر مجرما، لأنه غير كامل المسؤولية.
ولكن في الحالة الفلسطينية وعندما يتعلق الأمر بـ(إسرائيل)، كما يقول قزمار، فإن كل هذه القوانين يتم إهمالها بالكامل، "ففلسطين انضمت لمحكمة الجنايات الدولية منذ عام 2014، وكانت التوقعات عالية لمتابعة كل الجرائم الإسرائيلية، ولكن منذ ذلك الحين لم تقم المحكمة بزيارة فلسطين، بينما كان وفدها في أوكرانيا منذ الأسبوع الأول من الحرب".
أمنيات كثيرة دُفنت
ومحاكمة (إسرائيل) على كل جرائمها هو ما تسعى إليه عائلات الشهداء الأطفال، ومن بينهم وفاء عياد والدة الطفل آدم عياد (15 عاما) من سكان مخيم الدهيشة القريب من بيت لحم، جنوب الضفة الغربية.
واستشهد آدم في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، لكن والدته تبدو في أحيان كثيرة غير قادرة على تصديق الأمر؛ تنتظره كل يوم ليعود إلى البيت، وتتصل على رقمه وأرقام أصدقائه للسؤال عن سبب تأخره.
ثم تصمت وتقول "رصاصة واحدة حرمتني من طفلي الوحيد، لا يمكن وصف ما بداخلي من وجع".
كان وجعها واضحا وهي تتحدث للجزيرة نت عن طفلها "المحب للحياة والساعي لتحقيق أحلامه وأمنياته بالسفر وشراء سيارة ومنزل، رغم صغر سنه، وكيف أصبحت الشهادة في الأشهر الأخيرة إحدى أمنياته".
وبحسرة، قالت إنه "استشهد، ولم يحقق شيئا من أحلامه سوى الشهادة". وهو الذي ذكر في وصيته "كان (في) نفسي أشياء كثيرة أعملها، بس إحنا ببلد مستحيل تحقق حلمك فيه.. أنا مبسوط كثيرا إن ربنا حقق لي حلما من أحلامي، وهو الشهادة".
المصدر : الجزيرة