لا زالت أجهزة أمن السلطة مستمرة في حملة الاعتقالات الشرسة لكوادر من حركة حماس وعدد من النشطاء في نابلس على خلفية المشاركة في جنازة الشهيد عبد الفتاح خروشة.
وداهمت أجهزة أمن السلطة منازل لأسرى ومناضلين وكبار في السن منهم الأسير المحرر أحمد عواد في حي المخفية في المدينة الذي تعاملوا معه بوحشية قبل اعتقاله، مع العلم أنه أسير سابق أفرج عنه من سجون الاحتلال قبل ثلاثة أشهر.
كما اعتقلت الأسيرين المحررين صايل عصفور وخالد دروزة، إضافة إلى الشابين صلاح الدين بشتاوي وعطا الله عنبتاوي، وفق ذات المصادر إضافة إلى عشرين آخرين.
وقال المحامي مهند كراجة في مجموعة محامون من أجل العدالة التي تدافع عن حقوق المعتقلين السياسيين: إنهم رصدوا شهادات لأشخاص تم الإفراج عنهم من مقر المخابرات في نابلس بعد اعتقالهم على خلفية مشاركتهم في جنازة الشهيد خروشة.
وأضاف كراجة: "أن الشهادات محزنة جدا ومرعبة، حيث قال أحدهم -وعمره فوق الأربعين- "هجموا عليّ وعرّفوا عن أنفسهم أنهم مخابرات، تعرضت لتعذيب وتحقيق بسبب مشاركتي بجنازة الشهيد خروشة".
ويتابع: "وضعوا كيسا على رأسي، وأنا مريض سكري، ورأيت وسمعت تعذيب آخرين، كانوا ملثمين ومسلحين، وهددوني اذا بحكي لحدا رح يرجعوا يعتقلوني ويشبحوني".
قمع متزايد
المشاهد القادمة من الضفة قد تعكس أحيانا خوف السلطة وقد تجعلنا نطرح تساؤلا عن أهدافها من وراء هذا القمع المتزايد الذي وصل إلى فكرة قمع الجنازات واعتقال المشيعين؟
وتعليقا على هذه الفكرة قال خليل عساف رئيس لجنة الحريات في الضفة الغربية للرسالة: "السلطة لا تخاف من شيء، السلطة لا تحترم شراكة الآخر ولا تريد الآخر، تريد تثبيت كل الاتفاقيات مع الاحتلال وهذا القمع هو أحد مخرجات قمة العقبة، وقد أنهت السلطة كل مظاهر الاستحقاقات لدرجة قمع الجنازات".
ويضيف عساف: "وصلتنا شكاوى الاعتقال والضرب الشديد للمشيعين قبل اعتقالهم، وقد وصل عدد المعتقلين إلى عشرين، وأنا لست متضايقا من هذه الاعتداءات اليومية لأنها شكلت دافعا حقيقيا لصناعة جيل متحدٍ استطاع تكوين كتيبة جنين وعرين الأسود في نابلس وهؤلاء الأشخاص كلهم أصحاب تاريخ مقاوم.
ويعلق: "ببساطة، ما قامت به السلطة هو خلق حالة من التحدي لا أكثر".
ويعتقد عساف أن السلطة فشلت في تحقيق ما اتفق عليه في العقبة، مؤكدا أن السلطة نسيت أن صاحب الفكر والرسالة لا يمكن قمعه، رغم أن ما حدث في جنازة الشهيد هو جزء من المخرجات.
وذكر عساف أن السلطة لا تريد أن يهتف أحد باسم المقاومين والمناضلين، ولا تريد فعلا مقاوما حقيقيا لكن ما يحدث هو عكس ما تسعى لتحقيقه، لأن مفهوم الشهادة لدى الشباب مفهوم راسخ وهدف حقيقي يسعون لتحقيقه.
نتائج عكسية
المحلل والكاتب تيسير محيسن لفت إلى أن كل الممارسات التي انتقدتها الفصائل والمؤثرون لطريقة تعامل السلطة مع واقع الحريات في الضفة هي في محلها، مرجعا سببها إلى تراجع التأييد والاحتضان لها والانفكاك عنها وصل إلى حالة السخط التي تزداد كلما تغولت السلطة على الحريات.
المحطة الفارقة في حريات الضفة بدأت من مقتل نزار بنات وما تبع الجريمة من استهتار السلطة في التعامل مع قضيته.
ولفت إلى أن العقل الأمني هو المسيطر على طريقة تصرف السلطة على اعتبار أن المتحكم في كينونتها هي القاعدة الأمنية والتي تسعى للحفاظ على أمن (إسرائيل)، لأن هذه الأنظمة لطالما عززت أنظمتها الأمنية على الدوام للحفاظ على كيانها.
ويعلق محيسن على جدوى ما تفعله السلطة قائلا: "هي لن تنجح بالتأكيد، فهي ليست نظاما سياسيا كتلك القائمة في الدول المستقلة، ولدينا مسار آخر مع الاحتلال سيفقدها جني الثمار التي تسعى لتحقيقها"، مشيرا إلى أن المسار الأصعب الذي يتعزز لدى الجهور الفلسطيني هو محاربة الاحتلال من خلال محاربة السلطة التي تسعى للحفاظ على أمنه.
وفي ذات السياق استنكرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة، حملة الاعتقالات التي شنتها أجهزة السلطة الأمنية في نابلس، وطالت أكثر من 20 مواطنا على خلفية مشاركتهم في تشييع جنازة الشهيد القسامي عبد الفتاح خروشة.
وأشارت اللجنة إلى أن هذه الحملة تؤكد استمرار السلطة في نهج التواطؤ مع الاحتلال، ومضيها في تنفيذ بنود قمة العقبة الهادفة لوأد المقاومة في الضفة الغربية وإضعاف حاضنتها الشعبية.
وأكدت أن استمرار أجهزة السلطة بملاحقة الشرفاء من أبناء شعبنا، ومهاجمة مواكب تشييع الشهداء والاعتداء على المشاركين فيها، وملاحقتهم واعتقالهم، ما هو إلا تساوق واضح مع الاحتلال وخدمة مجانية تقدمها له.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مهاجمة أفراد أمن السلطة لمسيرة التشييع، وإطلاق الغاز المسيل للدموع صوب المشيعين، واعتقال عدد منهم، وملاحقة آخرين.