قالت صحيفة واشنطن بوست أن أنباء التقارب بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران، تسببت بموجات صادمة عبر الشرق الأوسط يوم السبت ووجهت ضربة رمزية لرئيس حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، الذي جعل التهديد الذي تمثله طهران أولوية من أولويات الدبلوماسية العامة وحملة شخصية.
وتابعت الصحيفة "تفاعل هذا الاختراق – وهو تتويج لأكثر من عام من المفاوضات في بغداد ومن المحادثات الأخيرة في الصين- أيضًا مع السياسة الداخلية لـ(إسرائيل)، مما يعكس الانقسامات في البلاد في لحظة من الاضطراب الداخلي".
ويمثل الاتفاق، الذي يعطي إيران والمملكة العربية السعودية شهرين لإعادة فتح سفارتيهما وإعادة العلاقات بعد سبع سنوات من الانقسام، على نطاق أوسع أحد التحولات الأكثر لفتًا للانتباه في دبلوماسية الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة. أثار الإعلان تفاؤلًا حذرًا في دول مثل اليمن وسوريا، العالقة منذ فترة طويلة بين المملكة السنية والجمهورية الشيعية، بحسب الصحيفة.
وتسبب الاتفاق في (إسرائيل)، في خيبة أمل، إلى جانب توجيه اللوم وأصابع الاتهام.
وقالت الصحيفة "لا يزال أحد أعظم انتصارات السياسة الخارجية لنتنياهو هو اتفاقات التطبيع (الإسرائيلية) التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2020 مع أربع دول عربية، بما في ذلك البحرين والإمارات العربية المتحدة. وكانوا جزءًا من حملة أوسع لعزل ومواجهة إيران في المنطقة".
اقرأ أيضاً: إيران والسعودية تتفقان على استئناف العلاقات وإعادة فتح السفارتين بعد شهرين
وتضيف: لقد صور نتنياهو نفسه على أنه السياسي الوحيد القادر على حماية (إسرائيل) من البرنامج النووي المتسارع لطهران ومن حلفائها، كما شنت (إسرائيل) وإيران حربًا إقليمية في الظل أدت إلى هجمات إيرانية مشتبهة بطائرات بدون طيار على السفن المرتبطة بـ(إسرائيل) التي تنقل البضائع في الخليج العربي، بجانب هجمات أخرى.
وتعتبر الصحيفة أن صفقة التطبيع بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية لو حدثت، أقوى دولة عربية وأكثرها ثراءً، هدف نتنياهو الثمين، وإعادة تشكيل المنطقة وتعزيز مكانة (إسرائيل) بطريقة تاريخية. لكن حتى في ظل تطور العلاقات في الخفاء بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية، إلا أن المملكة قالت، إنها لن تعترف رسميًا بـ(إسرائيل) قبل حل القضية الفلسطينية.
وتشير واشنطن بوست إلى أنه منذ عودة نتانياهو إلى رئاسة حكومة الاحتلال أواخر العام الماضي، ألمح وحلفاؤه إلى أن صفقة مع المملكة قد تكون وشيكة. وفي خطاب ألقاه أمام القادة اليهود الأمريكيين الشهر الماضي، وصف نتنياهو اتفاق السلام بأنه "هدف نعمل عليه بالتوازي مع هدف لجم إيران".
لكن الخبراء يقولون إن الاتفاق السعودي الإيراني الذي أُعلن يوم الجمعة قد أضفى الاحباط على تلك الطموحات. لكن قرار المملكة العربية السعودية التعامل مع إيران منافستها الإقليمية، ترك (إسرائيل) وحيدة إلى حد كبير حيث إنها تقود مهمة العزل الدبلوماسي لإيران والتهديدات بضربة عسكرية أحادية الجانب ضد المنشآت النووية الإيرانية. كما استأنفت الإمارات العلاقات الرسمية مع إيران العام الماضي.
ويقول يوئيل جوزانسكي، الخبير في شؤون الخليج العربي في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث (إسرائيلي): "إنها ضربة لفكرة (إسرائيل) وجهودها في السنوات الأخيرة لمحاولة تشكيل كتلة مناهضة لإيران في المنطقة". "إذا كنت تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه لعبة محصلتها صفر، وهو ما تفعله (إسرائيل) وإيران، فإن الفوز الدبلوماسي لإيران يعد خبرًا سيئًا للغاية بالنسبة لـ(إسرائيل)".
حتى داني دانون، حليف نتنياهو والسفير (الإسرائيلي) السابق لدى الأمم المتحدة الذي توقع مؤخرًا اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية في عام 2023، بدا مرتبكًا.
وردًا على سؤال حول ما إذا كان التقارب يضر بفرص اعتراف المملكة بـ(إسرائيل)، قال "هذا لا يدعم جهودنا".
وقالت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين الخليجيين في مجموعة الأزمات الدولية، إنها تعتقد أن الصفقة مرتبطة بخفض التصعيد في اليمن.
وأضافت: "من الصعب تخيل اتفاق سعودي -إيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين دون بعض التأكيدات من إيران لدعم جهود حل النزاع في اليمن بجدية أكبر".
وبالمثل، رحبت سوريا التي مزقتها الحرب بالاتفاق باعتباره خطوة نحو تخفيف التوترات التي أدت إلى تفاقم الصراع في البلاد. وتعتبر إيران داعمًا رئيسيًا لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، بينما دعمت المملكة العربية السعودية مقاتلي المعارضة الذين يحاولون إزاحته من السلطة.
ووصفتها وزارة الخارجية السورية بأنها "خطوة مهمة ستؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".
في (إسرائيل)، المنقسمة بشدة والتي تسيطر عليها الاحتجاجات الجماهيرية بسبب خطط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة حول القضاء، انتهز السياسيون التقارب بين المملكة وعدو (إسرائيل) اللدود كفرصة لانتقاد نتنياهو، واتهموه بالتركيز على أجندته الشخصية على حساب العلاقات الدولية لـ(إسرائيل).
فقد ندد يائير لابيد، رئيس الوزراء السابق ورئيس المعارضة الإسرائيلية، بالاتفاق بين الرياض وطهران ووصفه بأنه "فشل كامل وخطير في السياسة الخارجية للحكومة (الإسرائيلية)".
وكتب على تويتر: "هذا ما يحدث عندما تتعامل مع الجنون القانوني طوال اليوم بدلًا من القيام بالمهمة مع إيران وتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة". حتى يولي إدلشتاين من حزب الليكود بزعامة نتنياهو ألقى باللوم على "صراعات السلطة ونطح الرأس" في (إسرائيل) لإلهاء الدولة عن تهديداتها الأكثر إلحاحًا.
وسخر مشرع آخر من المعارضة، جدعون ساعر، من هدف نتنياهو المتمثل في إقامة علاقات رسمية مع المملكة. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي "وعد نتنياهو بالسلام مع السعودية". "في النهاية السعودية فعلت ذلك ... مع إيران."
ورفض نتنياهو، في زيارة رسمية لإيطاليا، طلب التعليق ولم يصدر أي بيان بشأن الأمر. لكن نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤول كبير مجهول في الوفد سعيه إلى إلقاء اللوم على الحكومة السابقة التي حكمت لمدة عام ونصف قبل عودة نتنياهو إلى السلطة. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن المسؤول الكبير قوله: "حدث ذلك بسبب الانطباع بأن (إسرائيل) والولايات المتحدة ضعيفتان"، ملمحة إلى أن نتنياهو هو المسؤول الكبير المقصود.
على الرغم من تداعيات الاتفاق على سمعة نتنياهو، شكك الخبراء في أن يؤدي إلى الإضرار بـ(إسرائيل). وقال جوزانسكي إن السعودية وإيران ستظلان خصمين إقليميين، حتى لو فتحتا سفارات في عواصم بعضهما البعض. ويمكن للمملكة العربية السعودية تعميق العلاقات مع (إسرائيل) حتى مع الحفاظ على علاقة المعاملات مع إيران، مثلما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة.
ويقول عمر كريم، الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام، إن "الترتيبات البسيطة التي أبرمها السعوديون مع (إسرائيل) ستستمر"، مشيرًا إلى أن الاحتلال (الإسرائيلي) للضفة الغربية لا يزال يشكل حاجزًا أمام الاعتراف السعودي أكثر من الخلافات حول إيران. وأضاف أن "القيادة السعودية منخرطة بأكثر من طريقة لتأمين أمنها القومي".
ترجمة خاصة – مركز الدراسات السياسية والتنموية