اعتقلته قوات الاحتلال (الإسرائيلي) وهو في الثلاثين من العمر، لسبعة عشر عاما، ثم خرج وقد امتلأ شعره بالشيب، يركض إلى قدمي أمه لتقبيلهما فيتذوق طعما آخر للحرية كان يتوق إليه.
حكم بالسجن اثني عشر عاما، أول مرة وقد كان من المفترض الإفراج عنه في عام 2018، لكن الاحتلال مدد الحكم، ورغم ذلك كان الثبات شعار الأسير، الذي أكمل حياته، وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة القدس المفتوحة، رغم وجوده في سجون الاحتلال.
حرمه الاحتلال لسنوات من حقه في رؤية والديه، كما حرمه من حقه في مشاركة عائلته أفراحهم لكن الثبات كان شعاره، حتى أتى يوم الخامس عشر من مارس، ليعوض كل الأفراح المسروقة.
بالأمس تنسم الحرية الأسير هاني زين الدين (52 عاماً) من بلدة مجدل بني فاضل شرقي مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، بعد قضائه 17 عامًا في السجون (الإسرائيلية).
على حاجز "الظاهرية" العسكري توقف وقد تغيرت كل ملامح الأرض أمامه، وحدها حواجز الاحتلال ظلت باقية في البلد المحتل، كما يبقى الصمود في قلوب أهلها، وهكذا سار إلى قرية مجدل بني فاضل جنوب نابلس، حيث مسقط رأسه، وهو يعتقد أن أهله ليسوا بانتظاره، لأن الاحتلال -كعادته- لم يسمح بتبليغهم عن ساعة الإفراج عنه، حتى بات الفلسطيني يعرف كم يخاف الاحتلال من تجمعات الفرح بتحرر الأسرى.
لكن الأسير خرج يقلب النظر في الوجوه التي لا يعرفها، هنا ثلاثة أبناء تزوجوا وأنجبوا وهو لا زال في المعتقل، أفراح كثيرة لم يشاركها معهم، ولم يتغلب النسيان على الحضور، ظل حاضرا رغم بعده.
السيد مصطفى زين الدين (77 عاماً)؛ والد الأسير كان فرحا وهو يقول إن أبناء القرية يتجهزون لاستقبال نجله في مجلس قروي مجدل بني فاضل. وسط أجواء من الاشتياق والانتظار، تنتظر ابنته "زين الدين" الرابعة إتمام حفل زفافها، بعد خروج والدها من السجن.
وككل أسير محرر كانت رسالة هاني الوحيدة التي ألقاها على مسامع الحضور: "لقد عدت إلى أهلي وإخوتي ولكني تركت رفاقي، ومهما تحدثت عن معاناتهم لا تكفيهم كلمة من نصف ساعة، نريد وقتا طويلا لنتحدث عما يجري داخل السجون، الوضع صعب ولا يمكن وصفه بكلمات".
وأضاف: "الأسرى ليسوا بخير، وهم ينتظرون حريتهم، لقد ضحوا بسنوات أعمارهم لأجل أن نحيا بحرية لنقف شامخين بين شعوب العالم، لأننا فلسطينيون، وهذه أرض الرباط، رأس الحربة بين شعوب الأرض بكل لغاتهم وأطيافهم".
الأسير المحرر هاني أبو زين يتنسم الحرية، لكنها منقوصة لأن في سجون الاحتلال قرابة الـ 4760 أسيرًا فلسطينيًا؛ بينهم 29 أسيرة و160 طفلًا قاصرًا، إلى جنب 500 أسير مريض يُعانون بسبب سياسة الإهمال الطبي وأكثر من 1000 معتقل إداري.