أجمع محللون عسكريون في الصحف (الإسرائيلية) الصادرة اليوم، الأحد، على أن تصريحات وزير الحرب يولآف غالانت، مساء أمس، التي طالب فيها بإيقاف تشريعات خطو الحكومة لإضعاف جهاز القضاء، جاءت في أعقاب مداولات داخل أجهزة الأمن، وخاصة الجيش، وبعد انتقادات ضباط كبار سابقين لغالانت في أعقاب تراجعه عن الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، يوم الخميس الماضي، بعدما منعه عن ذلك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
وأشار المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أن نشوء "أزمة دستورية" في حال تمرير تشريعات الخطة، تعني نشوء وضع "سيضطر فيه الذين يتولون مناصب رسمية إلى أن يقرروا لمن سينصاعون، للحكومة أم للمحكمة".
وأضاف يهوشواع أنه يمكن القول "في الحدود التي تسمح بها الرقابة العسكرية، ومن خلال الإدراك أن العدو مطلع على الأحداث الحالية في (إسرائيل)"، أن عملية التفجير التي وقعت عند مفترق مجدو، قبل أسبوعين، "ربما أسفرت عن نتيجة ’مخيبة للآمال’ لكنها كشفت حيز المناورة الإشكالي للحكومة اليمينية، التي يقاطع العالم قسما من وزرائها، وجرى إخضاع أجندتها كلها للإصلاح القضائي المختلف جدا عليه".
وحسب المحلل، فإن رئيس أركان جيش الاحتلال (الإسرائيلي)، هيرتسي هليفي، "يواجه معضلات لم تُثقل على أي من 22 رؤساء أركان الجيش الذين سبقوه، وهذا ما أدى إلى التصريح الذي أدلى به غالانت". ولفت إلى أن (إسرائيل) امتنعت عن اتهام حزب الله بالمسؤولية عن تفجير مجدو، "لكنها نقلت رسائل من خلال طرف ثالث: نعلم من هو المسؤول. وصرح غالانت وهليفي بأنه سيتم الرد على التفجير. لكن القصة تعقدت هنا أكثر. فنصر الله لم يهلع وإنما هدد بأن حزب الله سيرد على أي رد (إسرائيلي)".
وتابع أنه "هنا تكمن الإشكالية الهائلة لهليفي وغالانت ونتنياهو: ماذا يمكنهم أن يفعلوا في هذه الأيام، فيما الجيش يتمزق من الداخل في أعقاب أزمة غير معهودة؟ وفي وضع كهذا، أي أمر عسكر من أعلى لن يوصف فورا من جانب المحتجين أنه محاولة لإنقاذ بنيامين نتنياهو من مشكلة سياسية، كتلك التي وُلدت، بحسبهم، بسبب مصائبه القضائية؟ وحتى لو تم تنفيذ الأمر العسكري، هل سيتكتل المجتمع (الإسرائيلي) حول حدث أمني فيما الأجواء في الشوارع على شفا حرب أهلية؟ وبالطبع فإن القرار بعدم الرد خطير، ليس مقابل حزب الله فقط، وإنما بما يتعلق بجميع الجهات المعادية في المنطقة".
واعتبر يهوشواع أن "أي رئيس هيئة أركان عامة، ومهما كان عبقريا، لن يتمكن من إيقاف تسونامي انعدام الثقة، الذي بدأ في قوات الاحتياط وقد يصل إلى الجيش النظامي أيضا، حيث أعلن عدد من الجنود، في نهاية الأسبوع الماضي، أنه لا يمكن تجاوز التطورات (تشريعات الخطة القضائية والاحتجاجات ضدها) بهدوء. وشارك في مظاهرات أمس ضباط برتب مختلفة في الخدمة العسكرية الدائمة وعدد كبير جدا من الجنود النظاميين".
وأشار إلى أن "الاعتقاد السائد في هيئة الأركان العامة هو أن قوات الاحتياط ستمتثل في حال استدعائها. لكن إمكانية إدارة جيش، الآن، يعتمد على قوات الاحتياط هي مهمة عند حدود المستحيل. وعلى قادة الجيش أن يأملوا بأن ينجح غالانت بوقف التشريعات، وأن تتراجع الضغوط في الفترة القريبة على الأقل، ويكون بإمكانهم التركيز على المهمة الأساسية: الجهوزية لاشتعال (حرب) متعددة الجبهات".
جنود نظاميون في الاحتجاجات
وطرح غالانت خلال تصريحه، أمس، ثلاث نقاط مركزية: وضع (إسرائيل) الأمني صعب وخطير جدا، الخلافات حول الخطة القضائية تسرب إلى الجيش وباتت تشكل خطورة على أدائه، وتغييرات واسعة كهذه في جهاز القضاء ينبغي تنفيذها بتوافق واسع فقط.
ولفت المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن غالانت لا يتمتع بمكانة سياسية قوية في حزب الليكود، وتصريحه أمس لم يعزز مكانته داخل كتلته في الكنيست. "لكن عندما يتحدث وزير الأمن في العلن، وواضح أن القيادة المهنية في جهاز الأمن تعتقد مثله، فإن لأقواله وزن أكبر".
وأضاف أن "غالانت راهن أمس، لكن على ما يبدو لم تكن لديه خيارات كثيرة. فرأيه كان معروفا للجمهور. فبعد أن منعه نتنياهو من التحدث، الخميس الماضي، تلقى انتقادات شديدة للغاية من جانب زملائه في السلاح السابقين، الذين خاب أملهم من تراجعه وأدى إلى تصعيد المظاهرات ضد الخطة القضائية وتزايد عدد ضباط الاحتياط الذين أعلنوا عن تجميد خدمتهم العسكرية، خاصة في سلاح الجو".
وتابع هرئيل أن الوضع في قوات الاحتياط هو الأكثر إثارة لقلق قيادة الجيش. "فهناك عدد غير كبير، ويحظر نشره، من الطيارين ومساعدي الطيارين في الاحتياط. ونسبة كبيرة بينهم أعلنوا عن تجميد خدمتهم حتى إشعار آخر. وهذه بداية ضرر مباشر لجهوزية سلاح الجو للحرب، ويتم التعبير عنها أيضا بعدم امتثال ضباط في الاحتياط للخطة في مقر عمليات سلاح الجو، وبشكل سيعرقل عمل قسم من قوات قيادة العمليات مقر العمليات".
ولفت إلى أن "الجيش (الإسرائيلي) بات يرصد انخفاضا في نسبة امتثال جنود احتياط في الكتائب التي تم توجيهها مؤخرا للخدمة القتالية. ويتوقع أن تتسع هذه الظاهرة في حال المصادقة على التشريعات. وبدأت خطوات غير مألوفة في مجموعات واتسآب تتمثل بتنسيق مشاركة جنود نظاميين بدون الزي العسكري في مظاهرات أمس".
"لجنة تحقيق بعد حرب"؟
كشف المحلل العسكري في "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، عن أن نتنياهو رفض طلب غالانت بعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) من أجل التداول في تبعات خطة إضعاف جهاز القضاء. وطرح غالانت مطلبه هذا عدة مرات خلال لقاءات مع نتنياهو. وقالت مصادر رفيعة إن "قرار نتنياهو عديم المسؤولية وثمة شك في قانونيته" لأن الحكومة بكافة وزرائها هي التي تتحمل المسؤولية عن الأمن.
وينص القانون على أن الحكومة بهيئتها الكاملة هي المسؤولة عن الأمن وأداء الجيش. "لكن بسبب حساسية قسم من القضايا، وخاصة السياقات السياسية والاستخباراتية والعملياتية، لم يتم تُقدم تقارير كاملة لجميع الوزراء، تحسبا من تسريبات. ونتيجة لذلك، فإن المداولات والقرارات تتخذ في هيئات مقلصة، وأحيانا بدون نقاش معمق وبدون السماح لوزراء بالتعبير عن موقف أو تحمل المسؤولية الملزمين بها"، وفقا لليمور.
ورفض نتنياهو، خلال خطابه يوم الخميس الماضي، وقف تشريعات الخطة القضائية رغم مطالب قادة الأجهزة الأمنية. ونقل ليمور عن وزراء سابقين في الكابينيت قولهم إنهم "لا يذكرون حالات طالب فيها وزير بعقد الكابينيت وتم رفض مطلبهم بصورة منهجية، وحاصة عندما كانت مطروحة أمور مصيرية للغاية".
وقال أحد الوزراء السابقين إنه "تخيلوا نشوب حرب والجيش لم يكن بحالة جهوزية. ماذا سيقول نتنياهو للجنة التحقيق التي ستتشكل بعد الحرب؟ ما سيقول أعضاء الكابينيت؟ كيف سيتمكنون من النظر إلى عيون الجمهور والقول له إنهم بذلوا كل ما بوسعهم من أجل منعها؟".
المصدر: عرب 48