قائد الطوفان قائد الطوفان

الانقسام الذي يضرب الكيان الصهيوني.. هل هو بداية الانهيار؟

أحمد عبد العزيز- كاتب وصحفي مصري

جاءت الأحداث المتلاحقة مؤخرا بالكيان الصهيوني مثل مظاهرات الحاشدة ضد التعديلات القضائية التي تم تعليقها لاحقا، بمثابة الزلزال الذي أصاب هذا الكيان وخلخله ليكون سببا في انهياره يوما من الأيام. صحيح أن هذه الاحتجاجات بدأت منذ فترة ليست بالقليلة، ولكنها بلغت ذروتها بإقالة نتنياهو لوزير دفاعه وعضو حكومته على خلفية رفضه للتعديلات القضائية وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فإذا بطوفان هادر من البشر ينزل إلى شوارع القدس وتل أبيب وحيفا وبئر السبع ومدن أخرى رفضا لقرارات رئيس الحكومة، ليكون الكيان أمام أزمة تاريخية لم يشهد مثلها حتى في أزمات الحروب، وهو ما أكّده قادته التاريخيون في أكثر من تصريح. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هذا الزلزال وهذه الاحتجاجات يمكن أن تكون بداية انهيار وتفكيك للكيان كما تنبأ به الكثيرون سواء داخل الكيان نفسه أو خارجه بصرف النظر عن السبب؟


تفكيك الكيان من الداخل

ورغم تأجيل هذه التعديلات تحت ضغط الشارع، فإن السؤال السابق يظل مطروحا لأنه لم يأت من فراغ بل من مشاهدات عدة، سواء ما ذكره كتاب ومفكرون عرب حول تفكك الكيان من الداخل وانهياره وهو ما أوردته كتب الدكتور عبد الوهاب المسيري والشيخ بسام جرار وبعض الكتب الأخرى، ورغم موضوعية ما ذكرته هذه الكتب استنادا لأبحاث ودراسات، فسنذهب إلى ما ذكره قادة الكيان نفسه وتأكيدهم لهذا المعنى، ومن ذلك ما أورده رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، وهو أحد القادة الذين أبدوا تخوّفهم من انهيار المشروع الصهيوني، إذ كتب مقالًا صحافيًّا منتصف العام المنصرم في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، حذّر فيه من قرب زوال دولة “إسرائيل” قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدًا على ذلك بـ”التاريخ اليهودي”، وبأن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي الثالثة، وهي على وشك الوصول إلى الذكرى الثمانين لتأسيسها.

هذا التخوّف الذي أبداه “باراك” وُجد أيضا لدى رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي قال مخاطبا الإسرائيليين: “إنّ الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي، إما استمرار العمل، أو العودة إلى الفوضى، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار. ومرة أخرى نواجه جميعًا لحظة مصيرية، فقد تفكّكت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 عامًا، والثانية 80 عامًا، ونعيش الآن حقبتنا الثالثة، ومع اقترابها من العقد الثامن، تصل إسرائيل إلى واحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق”.

وهو ما أكده الكاتب الصهيوني يغئال بن نون، إذ قال: “إن المزيد من الإسرائيليين تظهر عليهم علامات القلق الدّالة على اليأس، ويتقدّم الكثير منهم بطلبات للحصول على الجنسية الأجنبية، حرصًا على مستقبل أطفالهم، لأن بعضهم يقول بصوت عال: إن إسرائيل لن تكون موجودة لفترة طويلة، وإن إقامتها من الأساس كانت مغامرة فاشلة، ولذلك يعيشون حالة متشائمة، ويحثون أنفسهم وغيرهم على الهروب قبل وقوع الكارثة”.

وما سبق أيدته استطلاعات رأى ودراسات ميدانية، فقد أظهرت نتائج أحدث استطلاع رأي أن القلق يساور ما لا يقل عن 80 في المائة من المواطنين في إسرائيل، بسبب حالة الانقسام الشديد الذي يعاني منه المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، والذي يبلغ أوجه هذه الأيام.

وجاء في الاستطلاع أن 89 في المائة من الإسرائيليين يرون أن الانقسام نابع من دوافع سياسية حزبية بالأساس. لكن هذه الأكثرية لا تعكس الوضع في صفوف اليمين؛ فقد قال 46 في المائة فقط من الناخبين، الذين أدلوا بأصواتهم لأحزاب اليمين، إنهم يرون انقسامًا، في حين تصل هذه النسبة إلى 83 في المائة في صفوف مؤيدي اليسار وأحزاب الوسط.

وجاء هذا الاستطلاع في إطار بحث بعنوان “مؤشر التوافقات في موضوع وحدة صف المجتمع الإسرائيلي”. وقد أعدته ونشرته جامعة بار إيلان في رمات غان.


انقسامات على مستويات متقاطعة


والكيان الصهيوني يعاني انقسامات على عدة مستويات متقاطعة إذا جاز التعبير، فهناك الانقسام بين العلمانيين والمتدينين وانقسام بين يهود الغرب ويهود الشرق وانقسام بين اليهود المؤسسين للدولة واليهود الذين تم استجلابهم مؤخرا مثل يهود الفلاشا ويهود روسيا وغيرهم؛ وعليه فهذا الكيان الهش القائم على الدعم والمساعدات الأمريكية والغربية مهدد في أي وقت بانهياره، خاصة أن الانقسام الأخير هو انقسام حاد أو انقسام عمودي كما يسمونه داخل الكيان حيث تعمق الشرخ بقوة بين اليهود المتطرفين وبين اليسار والعلمانيين، وجاءت أزمة التعديلات القضائية كاشفة لهذه الهشاشة وهذا الانقسام بشكل أكثر وضوحا وفجاجة من أي وقت، وهو ما جعل البيت الأبيض بأمريكا يقول إن هذه الأزمة الحالية تهدد أمن إسرائيل وكيانها.

وفي تقديري أنه حتى بعد تجاوز أزمة التعديلات القضائية الحالية بتأجيلها فإن ما جرى سيكون له انعكاساته بطريقة أو بأخرى وما بعده لن يكون مثل ما قبله، فقد تعمق الشرخ وتعمقت المخاوف وتأكد للجميع هشاشة هذا الكيان وأنه حال انغماسه في همومه الداخلية ستظهر سوءاته، ولكن ما يجري هو خلق حروب وصراعات خارجية طوال الوقت لتجنب هذا الأمر ولكن مهما كانت المسكنات والمعالجات، يظل السؤال طارحا نفسه حول تأثير الأزمة الأخيرة على مستقبل هذا الكيان وتحقق نبوءة الانهيار والتفكيك.

المصدر : الجزيرة مباشر

البث المباشر