القاهرة-الرسالة نت
حرصت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة أحمد شفيق التي تشكلت تحت وقع الاحتجاجات الشعبية العارمة, على الظهور على أنها ليست "حكومة رجال أعمال" كسابقتها برئاسة أحمد نظيف.
كان هذا الحرص لافتا ومؤكدا من جانب الحكومة ذاتها التي أعلنت أن الهدف تحقيق تواصل صحيح مع الناس, في إقرار بأن الحكومة السابقة التي وصفت بأنها حكومة رجال أعمال كانت السبب الأبرز في إشعال ثورة المصريين ضد حكم الرئيس حسني مبارك.
وفي بداية الأمر لم تحاول حكومة نظيف المقالة أن تنفي صفة "رجال الأعمال", معتبرة أن تلك التسمية لا تعني إساءة وإنما تحدد الهوية الاقتصادية للوزراء العاملين بالإنتاج والخدمات الاقتصادية.
في مقابل ذلك اعتبرت المعارضة وقوى وطنية عديدة أن الحكومة تجسد ما عرف بزواج السلطة بالمال, وهو زواج أفرز العديد من مظاهر الفساد.
ويرجع ذلك إلى طبيعة النشاط الاقتصادي لوزراء حكومة نظيف قبل التحاقهم بالوزارة، وهو نشاط بالقطاع الخاص وصلوا فيه إلى مرتبة ما وصف بالرأسمالية الكبيرة.
الوزير المستثمر
على رأس قائمة الوزراء الذين يحملون صفة رجل الأعمال بالحكومة المقالة يأتي وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، حيث كان رئيسا لمجلس إدارة شركات يونيليفر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتركيا، وهو عضو مجلس إدارة في عدد من الشركات متعددة الجنسيات في لندن. والمعروف أن شركة يونيليفر واحدة من أكبر الشركات العالمية متعددة الجنسيات, وتقترب مبيعاتها من ٤٠ ألف مليون يورو سنويا.
هناك أيضا وزير النقل محمد منصور، وهو عضو بمجلس إدارة شركة جنرال موتورز في مصر، ومالك شركات منصور للسيارات ومانتراك للمعدات الثقيلة.
أما وزير الصحة حاتم الجبلي فهو مشارك في برج القاهرة للأطباء الذي يضم ١٠٤ عيادات لمختلف الأطباء, وهو أيضا مساهم في مستشفى دار الفؤاد، وعضو بمجلس إدارة الشركة العربية للاستثمارات الطبية بدولة الإمارات العربية.
هناك أيضا وزير الزراعة أمين أباظة، وقد عمل بالبنك الأهلي والبنك المصري الخليجي وأسس شركة لتجارة القطن أصبحت الشركة الأولى لتصدير القطن، ويرأس اتحاد مصدري الأقطان في مصر.
ويأتي في القائمة أيضا وزير السياحة زهير جرانة، وهو مالك والعضو المنتدب لشركة جرانة للسياحة التي تملك عددا من الفنادق والبواخر العائمة.
وفيها كذلك وزير الإعلام أنس الفقي الذي عمل أساسا في القطاع الخاص وأسس عام 1985 أول شركة مصرية تعمل في الموسوعات الأجنبية, كما عمل في مجال النشر والترجمة لدوائر المعارف.
اللافت في هذه القائمة أن جميع من فيها يؤمن بالمفاهيم الاقتصادية للفكر الرأسمالي العالمي المستمد من الفكر الرأسمالي الأميركي في مرحلة العولمة. ومن هؤلاء وزير المالية يوسف بطرس غالي الذي حصل على الدكتوراه من معهد ماسوشيتس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، كما عمل ست سنوات في صندوق النقد الدولي.
وكان لذلك انعكاس واضح على تسارع وتيرة إجراءات بيع القطاع العام, الأمر الذي فاقم أزمة البطالة نتيجة التخلص من أعداد كبيرة من العمالة، وتحول النشاط الاقتصادي للشركات المباعة إلى أنشطة أخرى خدمية تحقق ربحا سريعا لأصحابها, كبيع أراضي الشركات والمصانع وتحويلها إلى أرض للبناء.
وقد ترك ذلك آثارا اجتماعية ساهمت إلى حد لافت في تعظيم الشعور بالظلم والتهميش لدى قطاعات متزايدة من أبناء الشعب المصري.
برلمان رجال الأعمال
ولم يقف الأمر عند حد حكومة رجال الأعمال, وإنما امتد إلى البرلمان أيضا, فأفرزت الانتخابات الأخيرة أعدادا كبيرة من النواب رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى, خاصة من أعضاء الحزب الوطني.
وفي مقدمة تلك الوجوه البارزة, أحمد عز القيادي الذي استقال أخيرا من الحزب الوطني, حيث يملك أكبر مصانع الحديد والصلب، وهي مصانع الدخيلة التي تخلى عنها القطاع العام الحكومي.
وقد ساهم عز بشكل لافت من خلال قيادته للأغلبية البرلمانية للحزب الوطني في الحد من تشريعات تجرم احتكار الحديد, رغم أنه طرف أساسي في القضية كمنتج ومستثمر.
ومن أبز القوانين التي أصدرها برلمان "رجال الأعمال" قانون المناطق الاقتصادية الخاصة، وقانون الاستثمار، وقانون التمويل العقاري، وغيرها من القوانين التي تصب في مصلحة النواب قبل مصلحة المواطن العادي.
على سبيل المثال, في برلمان عام 2000 قفز عدد رجال الأعمال من أعضائه إلى 77، وجاوز عددهم المائة في برلمان عام 2005.
الأزمة المالية
وقد جاء تفجر الأزمة المالية العالمية ليسقط القناع نهائيا عن حكومة رجال الأعمال في مصر, حيث تردت الأحوال المعيشية وهبط سقف استحقاقات العمال والموظفين الفقراء، وتحججت الحكومة برغبتها في عدم زيادة عجز الموازنة.
وواجهت حكومة نظيف اتهامات بتخفيض الضرائب على الأغنياء ورجال الأعمال إلى 20% كحد أقصى من أجل زيادة أرباحهم وتعظيم ثروتهم، وهي نفسها الحكومة التي خفضت العلاوة الاجتماعية على الأجور الزهيدة التي يحصل عليها فقراء الموظفين.
في ظل هذه الحكومة ظهر عدد من رجال الأعمال ممن يملكون مليارات الجنيهات بينما تزايدت معدلات الفقر وانهارت الخدمات العامة, وارتفعت أسعار السلع الأساسية التي يستهلكها الفقراء.
مخالفة دستورية
وقد بدا الإصرار واضحا على الاحتفاظ بحكومة رجال الأعمال حتى اللحظات الأخيرة من جمعة الغضب رغم المخالفة الدستورية اللافتة, حيث لا يجوز للوزير أن يجمع بين منصبه الوزاري وعمله الخاص.
كما أن دساتير العالم الديمقراطي لا تجيز للوزير أو من يتقدم للمنصب السياسي أن يجمع بين منصبه -بسلطته وحصانته وما يتيحه له من التعرف على معلومات وبيانات- وبين مباشرته لأعماله الخاصة.
وهكذا كانت حكومة رجال الأعمال المقالة سببا رئيسيا لإشعال نار الغضب في الشارع المصري, وربما كانت المسمار قبل الأخير في نعش النظام.