يلاحق الاحتلال الطفل المقدسي في مدرسته، وبيته، وحارة اللعب مع رفاقه، يحاول أن ينتزع منه وطنيته وقدسه وأسماء تربى عليها، يريد أن يخرجه من باب العامود، إلى غير رجعة، وكأنه يخاف أن يكبر ويشكل من جديد جيلا آخر يرث عن الجيل الذي يسبقه نفس الصمود والثبات.
نصف المجتمع الفلسطيني من الأطفال، هكذا قال التقرير الصادر عن المركز الفلسطيني للإحصاء، إذ من المتوقع أن يبلغ عدد الأطفال دون 18 سنة منتصف عام 2023 نحو 2.39 مليون طفل؛ منهم 1.22 مليون ذكر، و1.17 مليون أنثى، وتشكل نسبة الأطفال في فلسطين حوالي 44% من إجمالي السكان، ما جعلهم هدفا حقيقيا للاحتلال للعمل عليه باستخدام سياسة غسل الدماغ والاعتقال والترهيب.
هذه النسبة تخيف الاحتلال، وهي التي تجعله لا يتوقف في أحكامه ومحاكماته، فيعتقل الأطفال ويحتجزهم ويحبسهم منزليا إذا لم يتسن له اعتقالهم.
خطة ممنهجة
وحسب تقرير مركز حنظلة للأسرى والمحررين، فإن سلطات الاحتلال تحتجز اليوم أكثر من 200 قاصر فلسطيني في السجون ومراكز التحقيق التي تُديرها مصلحة سجونها وجهاز مخابراتها.
وفي لقاء سابق مع أمجد أبو عصب المتحدث باسم أسرى القدس قال إن الاحتلال -بعد استشهاد الطفل محمد أبو خضير- وضع خطة ممنهجة لاستهداف جيل كامل من الأطفال المقدسيين من خلال الاعتقال وأسلوب التحقيق واستهداف الأهالي أو نشر المخدرات في صفوفهم.
وتؤكد كل التقارير والدراسات أن 80% من المعتقلين الفلسطينيين خاصة المقدسيين تعرضوا للتعذيب سواء بالضرب أو الشبح أو ربط الأيدي أو عصب الأعين أو الحرمان من النوم أو من قضاء الحاجة أو التهديد والشتم والتعذيب من خلال تعريضهم لدرجات حرارة منخفضة أو محاولة تجنيدهم كعملاء، أو من خلال حبسهم مع أطفال يهود أحداث في جمعيات تتبع لما تسمى وزارة الشؤون الاجتماعية (الإسرائيلية).
اضطراب فكري
ويخاف الآباء من تلك الجمعيات اليهودية التي تسجن الطفل في سجن مع الأطفال اليهود وأصحاب الجنايات وممن أدينوا بعمليات قتل وسرقة واغتصاب ويريد الاحتلال من خلال ذلك غسل أدمغة أطفال القدس.
المحامي خالد زبارقة خاض الكثير من تجارب الدفاع عن أطفال اعتقلوا في سجون الاحتلال أشهرهم أحمد مناصرة الذي اعتُقل طفلا وعاش آخر سنوات طفولته في المعتقلات (الإسرائيلية) متنقلا بين الجمعيات.
وقال: "هذه الجمعيات ظاهرها التأهيل، ولكن باطنها هو التلاعب بأفكار الطفل الفلسطيني وتعريضه للتعذيب والعنف، لأنها ستظل تتعامل معه بعنصرية، كما تم التعامل مع أحمد مناصرة أثناء التحقيق وهو طفل لم يتجاوز الثلاثة عشر".
ويضيف زبارقة: تحويل الطفل لهذه الجمعية ليس قرارا سليما، فالأهالي يفضلون أن يعتقل الابن مع معتقلين فلسطينيين مقاومين على أن يعتقلوا مع أطفال جنائيين في مركز تأهيل ".
ويتابع:" المشكلة تكمن في أن تأخذ طفلا لم تكتمل بنيته الجسدية والنفسية والفكرية وتضعه في زنزانة مع مجرمين في وضع بغاية الخطورة ".
ووفقا لتجارب زبارقة فإن الطفل يصبح لديه اضطراب فكري ونفسي دون وجود معالج لهذا الاضطراب، مؤكدا أن مجرد وجوده مع أطفال من مرتكبي الجرائم هو بحد ذاته انتهاك محرم دوليا.