بينما تشتعل في القدس حرباً دينية على الأقصى والمقدسات، تزداد نار المقاطعة ومحيطها اشتعالاً، نار الصراع التي يشعلها عباس بين الطامحين إلى خلافته.
الرئيس المريض الثمانيني ما زال يتحكم بقادة حركة فتح من حوله كأحجار الدومينو، يضرب بعضهم بالأخر لخدمة أهدافه وليضمن ولائهم وخضوعهم الكامل له.
أخر المقربين من عباس كان ماجد فرج الذي أقنعه بترقيه والتمديد له في عمله كرئيس للمخابرات العامة إلى أجل غير مسمى، حيث أصدر عباس قراراً بقانون بشأن صلاحيات رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، وتضمّن القرار ترقيته إلى درجة وزير وذلك في 28 مارس المنصرم.
وعيّن ماجد فرج عام 2009 رئيساً لجهاز المخابرات العامة، لمدّة 3 سنوات، ويمكن إضافة سنة أخرى وفق قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم (8) لسنة 2005، إلا أن هذا القرار جاء لإعطاء فرج مدّة زمنية مفتوحة لا يتحكّم بها سوى رئيس السلطة.
وأضفى القانون شرعية على وجود فرج في رئاسة جهاز المخابرات حتى انتهاء مرحلة عباس إذ يتطلّب إزاحته من منصبه قراراً رئاسياً، وتجاوز القرار أمرين: مدّة الخدمة في قوى الأمن 60 عاماً (حيث يبلغ فرج من العمر 61 عاماً)، ومدّة رئاسة الجهاز.
يوني بن مناحم المحلل مخضرم في الشؤون العربية أكد في مقال له أن قرار عباس أثار غضب قادة حركة فتح، وتم تفسير هذه الخطوة على أنها لتقوية ماجد فرج في معركة الخلافة "وتزعم مصادر في فتح أن (إسرائيل) والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وراء القرار".
وأضاف في مقال له ترجمه مركز الدراسات السياسية والتنموية أن عباس البالغ من العمر 88 عامًا، ما زال يستخدم استراتيجية فرّق تسد بين قادة فتح المتنافسين في معركة الخلافة بعد خروجه من المسرح السياسي، حيث لا ينوي التقاعد قريبًا من منصبه، لكنه يتلاعب مع كبار مسؤولي فتح ليبقوا مخلصين له لحين ترك المسرح السياسي.
وتابع "تم إضعاف موقف حسين الشيخ، أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي كان المرشح الأوفر حظاً لشغل منصب الرئيس المؤقت للسلطة الفلسطينية إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، بعد أن تم تسريب تسجيل لوسائل الإعلام يشوه فيه ويشتم محمود عباس بحسب مسؤولين كبار في حركة فتح، وأضر نشر التسجيل بشدة بفرصه في أن يصبح خليفة".
شاهد/ تسريبات حسين الشيخ.. ماذا قال عن أبو مازن؟ ولماذا شتم ماجد فرج بالتحديد؟
واعتبر المقال أن قرار عباس الجديد كان بمثابة مفاجأة لقيادات فتح وأعضاء مؤسسات الحركة وأثار الكثير من الغضب، لكن لا أحد من قادة التنظيم مستعد للمجازفة ومعارضة القرار علانية.
ولفت إلى أن مصادر في فتح، ترى إن ماجد فرج نجح مؤخرًا في الاقتراب من عباس الذي أصيب بخيبة أمل شديدة من الشيخ المقرب منه، وهو يحاول تعزيز موقعه في معركة الخلافة، حيث كان من المفترض أن ينهي ماجد فرج فترة ولايته ويحصل على تمديد لمدة عام واحد فقط، لكنه تمكن من إقناع رئيس السلطة بتمديد فترته لمدة غير محدودة حتى يتمكن من التنافس في معركة الخلافة والانتخابات الرئاسية من موقع قوة.
وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، فإن كل رئيس جهاز أمني في السلطة الفلسطينية يخدم لمدة أربع سنوات مع إمكانية التمديد لمدة ستة أشهر أخرى من قبل البرلمان، لكن عباس عطل عمل البرلمان.
انتهت فترة ولاية ماجد فرج منذ حوالي 10 سنوات. حيث شغل هذا المنصب منذ عام 2009 وحل محل توفيق الطيراوي القيادي في فتح. قبل ذلك، شغل منصب رئيس المخابرات العسكرية واكتسب قوة سياسية بسبب صلته بجهاز الشاباك (الإسرائيلي) ووكالة المخابرات المركزية. ويعتبر حاليًا أقوى رجل في السلطة الفلسطينية ويعتبر نفسه خليفة لمحمود عباس.
ووفقًا لمسؤولين كبار في حركة فتح، فإن قرار عباس بتمديد ولاية ماجد فرج إلى أجل غير مسمى نتج عن طلب من (إسرائيل) وإدارة بايدن والاتحاد الأوروبي.
ويشير المقال إلى أن القلق (الإسرائيلي) والدولي هو أن رئيس السلطة، الذي تعتبر صحته مستقرة، قد يدخل بشكل غير متوقع في حالة عجز طبي، الأمر الذي يتطلب تعيين خليفة مؤقت على رأس السلطة يمكنه تولي المنصب على الفور.
كما تؤيد الدول العربية ترشيح ماجد فرج كخليفة محتمل بسبب خبرته الأمنية الواسعة ورغبته في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
ويعتبر فرج شخصية مقبولة لدى اللاعبين الدوليين والإقليميين. وقد شارك مؤخرًا في الاجتماعات الأمنية التي أطلقتها الولايات المتحدة في العقبة وشرم الشيخ، وهو يؤيد الخطة الأمريكية للجنرال الأمريكي مايكل فنزل لإنشاء قوة أمنية فلسطينية لمحاربة المقاومة خاصة في شمال الضفة الغربية.
ويرى كاتب المقال أن اللاعبون الفاعلون اليوم في معركة الخلافة هم حسين الشيخ، أمين عام لجنة العمل في منظمة التحرير الفلسطينية. اللواء ماجد فرج. محمود العالول نائب رئيس حركة فتح. الأمين العام لحركة فتح جبريل الرجوب ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وكل منهم لديه ميليشيات مسلحة في الميدان.
لكنه يضيف "لمنع إراقة الدماء بعد خروج محمود عباس من المسرح السياسي، من المحتمل أن يُقسم النظام الفلسطيني بين بعض اللاعبين الكبار في معركة الخلافة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية".
ويأتي تحرك رئيس السلطة الفلسطينية كخطوة للتعبير عن دعمه لماجد فرج، مما يعزز موقفه في معركة الخلافة.
وكان تقرير دولي قد حذّر مطلع فبراير الماضي من أنّ معركة خلافة عباس قد تتسبّب بـ"احتجاجات شعبية وقمع وعنف، وربّما انهيار السلطة الفلسطينية".
وجاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية ومقرّها في بروكسل أنه تسري في الشارع الفلسطيني تكهّنات حول هوية خلف عباس الذي ترأس السلطة في 2005 لولاية كان يفترض أن تنتهي في 2009.
ورأى التقرير أنّ إجراء "انتخابات وفق أسس قانونية" يعتبر أفضل سيناريو لكن يبقى هذا الاحتمال "الأقلّ ترجيحاً".
وأشار التقرير إلى أنّ عباس "أفرغ المؤسّسات والآليات الفلسطينية من مهامها فيما هي مخولة اتخاذ قرار بشأن من سيخلفه"، لذا أصبح "من غير الواضح من سيخلفه وبأي طريقة سيتم ذلك".
وأورد التقرير أسماء مسؤولين فلسطينيين مرشحين محتملين لخلافة عباس هما وزير حسين الشيخ، وماجد فرج.
ورغم تمتّع الرجلين بثقل كبير في السلطة الفلسطينية وقدرتهما على العمل مع المجتمع الدولي، إلا أنّ التقرير أشار إلى عدم تمتّعهما بشعبية كافية في صفوف الفلسطينيين.
وذكر التقرير أيضاً كلّاً من رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجّوب ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق محمد دحلان الذي انتقل للإقامة في الإمارات منذ خلافه مع عبّاس، ورئيس الوزراء محمد اشتية ضمن الطامحين في الخلافة.
ورأى التقرير أنّ لكلّ "من هؤلاء شبكة علاقات خاصة" ومع ذلك أياً منهم لا "يستطيع العمل بمفرده".