قواعد الاشتباك لدى جيش الاحتلال وفساد الدبلوماسية الفلسطينية

عصام عابدين

يُثير نهج استخدام القوة المُميتة من قبل جيش الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه في العديد من حالات القتل التي استهدفت فلسطينيين أسئلة جوهرية حول طبيعة قواعد الاشتباك ومعايير استخدام القوة المتبعة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري ومدى اتساقها مع معايير القانون الدولي وبخاصة القانون الإنساني الدولي الذي يحكم النزاعات المسلحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

فإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مُلزمة بالامتثال للقانون الدولي بشأن "قواعد الاشتباك واستخدام القوة" وأن يكون لديها تعليمات واضحة ومُفصَّلة وخاضعة للتقييم المستمر تُبرهن مدى احترام تلك التعليمات للقانون الدولي على مستوى النصوص وفي الممارسة.

وإذا كان القانون الدولي، كما الداخلي، يعترف بالحق في الدفاع عن النفس؛ أي الحق باستخدام القوة للدفاع عن النفس ضد هجوم أو هجوم وشيك، فإنَّ الدفاع عن النفس ينبغي أن يكون محكوماُ بقواعد الاشتباك في أوقات السلم والنزاعات المُسلّحة. ولا يَسمح القانون الدولي، للقوات العسكرية، باستخدام القوة للدفاع عن النفس إلا إذا كانت البدائل غير القسرية لمنع هجوم أو هجوم وشيك قد استُنفذت، أو أنها غير متاحة، أو غير كافية للدفاع عن القوات في تلك الظروف.

يجب أن يكون استخدام القوة مُتناسباً مع سبب استخدامها، وألا تتجاوز طبيعة القوة المُستخدمة ومدة ونطاق استخدامها ما هو مطلوب. ويجب تُصاغ لغة القواعد والتعليمات المتعلقة بالاشتباك واستخدام القوة في ضوء الاحترام والالتزام الكامل بقواعد ومعايير القانون الإنساني الدولي في النزاعات المسلحة فيما يتعلق باستخدام القوة؛ والتي تتمثل في: مبدأ الضرورة العسكرية أي التدابير المتعلقة بإنهاء العملية العسكرية بنجاح وغير المحظورة في النزاعات المسلحة بذات الوقت، والتمييز بين السكان المدنيين والأعيان (الأهداف) المدنية وبين المقاتلين والأهداف العسكرية، والتناسب أي حظر أي هجوم يؤدي أو يُتوقع أن يؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين والأعيان المدنية تفوق الميزة العسكرية المتوقعة من هذا الهجوم، إلى جانب حظر التسبب في معاناة أو إصابات غير ضرورية لتحقيق المقاصد العسكرية، إضافة إلى وجوب بذل العناية اللازمة والدائمة من أجل تحييد السكان والأعيان المدنية، وحظر استخدام أسلحة تتسبب في إصابات مُفرطه أو معاناة غير مبررة وغير ضرورية.

إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ترفض الإفصاح عن قواعد الاشتباك التي يستخدمها جيشها، ولا تلتزم بقواعد ومعايير القانون الدولي. وقد سبق وأن رفضت مؤخراً طلباً أمريكياً بمراجعة وتغيير قواعد الاشتباك وإطلاق النار الخاصة بجيش الاحتلال الإسرائيلي على خلفية التحقيق العسكري في جريمة القتل العمد للصحفية شيرين أبو عقلة.

هذا الرفض، المتكرر، يندرج في إطار "سياسة ممنهجة" لدى جيش الاحتلال ومستوطنيه للتغطية على جرائم "قتل عمد" تستهدف الفلسطينيين بذريعة "أمن إسرائيل" بما يُشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وجرائم حرب. وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح من تصريحات علنية ومتكررة للمشاركين في تلك الجرائم الدولية تحت ستار "قواعد الاشتباك" أمثال بن غفير وسموتريش ونتنياهو وغيرهم.

وهو ما صرح به رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد في جريمة القتل العمد التي استهدفت شيرين أبو عقلة عندما صرح على حسابه الرسمي على تويتر بأنه "لن يُملي أحد على إسرائيل تعليمات بشأن قواعد الاشتباك" وأن "الجنود الإسرائيليين يحظون بالدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي". وهي ذات التصريحات التي أعلنها نتنياهو عقب عملية إعدام الطبيب الفلسطيني محمد العصيبي.

كما أن تضارب روايات الإحتلال الصهيوني بشأن عمليات القتل العمد التي استهدفت الفلسطينيين، تُشكل أدلة لا تُهدَم، بشأن دور قواعد الاشتباك في عمليات القتل الممنهج التي تستهدف الفلسطينيين.

اللقطات المصورة، التي جرى بثها على المحطات الفضائية، بشأن عملية الدهس التي جرت في مدينة تل الربيع (تل أبيب) تطرح مُجددأ وبقوة طبيعة قواعد الاشتباك واستخدام القوة المميتة لدى جيش الاحتلال -كما مستوطنيه- وانتهاكها الجسيم للقانون الدولي.

لم يكن استخدام "القوة المميتة" مُبرراً في مواجهة سائق المركبة. والروايات الرسمية الإسرائيلية "متناقضة" ولا تبرر عمليات القتل العمد التي جرت تحت أعين الكاميرات. وإعلان الشرطة الإسرائيلية أنه قد جرى "تحييد مُنفذ العملية بعد إطلاق النار عليه" مطابقٌ للعديد من التصريحات الرسمية الإسرائيلية عقب قتل مدنيين ومقاومين فلسطينيين على نحو يُشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

والرواية الإسرائيلية الأخيرة "الهزيلة" لم تكن مقنعة أيضاً للسفارة الإيطالية في "تل أبيب". ومشاهد الفيديو التي جرى بثها تؤكد أن شكوك الإيطاليين بالروايات الإسرائيلية المتناقضة في مكانها، وأن ما جرى من إطلاق نار لا علاقة له بالدفاع عن النفس والقانون الدولي.

يبدو أن فضائح الفساد التي تجتاح الدبلوماسية الفلسطينية لم تُبقِ لها مساحة من الوقت للتفكير في القيام بتحرك دولي على مستوى أجهزة وآليات الأمم المتحدة وحملة دبلوماسية واسعة النطاق تُشارك فيها جميع السفارات والممثليات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية لإثبات المغزى الحقيقي من التضليل المتعمد الذي تُمارسه إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال من خلال قواعد الاشتباك التي تُخفي "سياسة ممنهجة" تستهدف عمليات "قتل عمد" واسعة النطاق تستهدف الفلسطينيين باعتبارها جرائم دولية ينعقد الاختصاص فيها للمحكمة الجنائية الدولية ويُمكن ملاحقتها أيضاً من خلال القوانين العقابية الداخلية للدول الأوروبية وغيرها التي تأخذ بمبدأ الولاية القضائية العالمية.

والمطالبة بلجان تحقيق دولية مستقلة في سلسلة جرائم قتل عمد استهدفت مدنيين ومقاومين فلسطينيين تُشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وجرائم حرب مُكتملة الأركان.

البث المباشر