عابقة برائحة الخشوع والإيمان والجمال تلك هي قبة الصخرة ومصلاها الذي يعتبر جزءا من محيط المسجد الأقصى أهم المساجد الإسلامية في مدينة القدس وفلسطين والعالم الإسلامي، ومن أجمل الأبنية في العالم، وقبته تلك تعتبر من أهم وأبرز المعالم المعمارية الإسلامية، وأقدم بناء إسلامي بقي محافظا على شكله وزخرفته.
اجتماع المصلين حول قبة الصخرة
بنى مسجد قبة الصخرة والقبة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث بدأ في بنائها ما بين عامي 685 و691 ميلادية، وأشرف على بنائها المهندسان رجاء بن حيوة الكندي، وهو من التابعين المعروفين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان.
أهم المعالم الإسلامية
وقبة الصخرة عبارة عن بناء مثمن الأضلاع له أربعة أبواب، وفي داخله تثمينة أخرى تقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية، في داخلها دائرة تتوسطها الصخرة المشرفة التي عرج منها النبي محمد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج.
وترتفع هذه الصخرة نحو 1.5 متر عن أرضية البناء، وتعلو الصخرة في الوسط قبة دائرية بقطر حوالي 20 مترا، مطلية من الخارج بألواح الذهب، ارتفاعها 35 مترا، يعلوها هلال بارتفاع 5 أمتار.
ويذكر بعض العلماء أن الكنائس التي بناها "فرسان الهيكل" فيما بعد تأثرت بأسلوب العمارة الإسلامية وبنمط قبة الصخرة، ويظهر ذلك جليا في قلعة "كاستل دل مونتي" الإيطالية.
وتعد قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم الإسلامية في العالم، ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية، ولما تحمله من لمسات فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة، حتى اعتبرت آية في الهندسة المعمارية.
وقد اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، مثل الهزات الأرضية والعواصف والأمطار والحرائق، فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها.
أما قبة الصخرة المشرفة فلها قبتان داخلية وخارجية، سفلى وعليا، بينهما فراغ مقداره 1.5 متر، وهو لسهولة التنقل إلى أي مكان فيها وصيانة كل منهما في أي موقع كان، وهذا الفراغ عازل يخفف من برودة الشتاء وحر الصيف.
القبة الخارجية عبارة عن معدن من الألمنيوم محروق بالنار وعليه طبقة خفيفة من الذهب كي يعطيها مدة بقاء أطول، بينما غالبية نمط القبة الحالية يعود للقرن الحادي عشر للميلاد حيث أقيمت على يدي الخليفة الظاهر، وكتبت سورة الإسراء في أسفل القبة.
القسم العلوي من القبة مزخرف بزخرفة متميزة جمالية، وتظهر الكتابة أنه صنع على يد ابن قلاوون في القرن الرابع عشر الميلادي.
وتعرضت الصخرة المشرفة للزلازل منها عام 704 ميلادية لكنه لم يؤثر فيها، كما أنها تعرضت لاعتداء الصليبيين إبان فترة حكمهم لبيت المقدس، حيث اتخذوا منها كنيسة لهم ودفنوا الصليب على ظهرها وقطع قساوستهم قطعا من حجارة الصخرة، وأخذوها إلى أوروبا وباعوها بوزنها ذهبا.
وبعد تحرير بيت المقدس من الصليبيين أعاد لها صلاح الدين بهجتها بيد أنها تعرضت لحريق غير متعمد.
وفي عهد محمد بن قلاوون صنعت لها أبواب نحاسية، وفي عهد الملك الظاهر جقمق فإنه أنعم على ناظر الحرم القدسي بـ2500 دينار من الذهب و120 قنطارا من الرصاص فعمر بهما القبة من الخارج.
أما السلطان أشرف قايتباي فقد جدد الأبواب النحاسية للمداخل الرئيسة عام 1467، وفي العهد العثماني أضافوا على جنبات الصخرة المشرفة القاشاني.
السلالم المودية للمسجد
وقام الهاشميون بعد مبايعة الشريف الحسين بن علي بالوصاية على المسجد الأقصى المبارك بإعمار قبة الصخرة المشرفة والمسجد القبلي عدة مرات منذ عهد الملك عبد الله الأول حيث أمر بترميم القبة بالكامل عام 1923، وتبع ذلك إعمار عام 1940 الذي شمل قبة الصخرة وأجزاء واسعة من الحرم الشريف، تبعتها عدة مبادرات في عهد الملك الحسين بن طلال.
وفي عام 1958 قامت الحكومة الأردنية بعمليات ترميم لقبة الصخرة المشرفة استغرقت خمس سنوات وأعيد تجديدها عام 1995.
حيث استبدلت القبة الخارجية بأخرى جديدة مصنوعة من صفائح النحاس المخلوط بالزنك والمعالجة بطبقة من الذهب وتمت صيانة الزخرفة الداخلية في القبة الخشبية وتركيب نظام للإنذار وإطفاء الحرائق. وأمر الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بإجراء ترميم تاريخي لفسيفساء قبة الصخرة من الداخل ما بين عامي 2008 و2018.
تهديد متواصل من المتطرفين
وتتعرض قبة الصخرة لتهديد متواصل بهدمها من قبل المنظمات اليهودية ودعوات إلى تفكيكها لبناء الهيكل المزعوم في باحات المسجد الأقصى.
وهنالك فرق بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة إذ يعد كلا منهما مسجدا مختلفا عن الآخر، وكان اسم المسجد الأقصى يطلق قديما على الحرم القدسي الشريف كله وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة، وأما اليوم فيطلق الاسم على المسجد الكبير الكائن جنوب ساحة الحرم.
ويقوم بناء قبة الصخرة في وسط ساحة المسجد الأقصى، في القسم الجنوبي الشرقي من مدينة القدس، وهي ساحة فسيحة مستطيلة الشكل، وتكون هذه الساحة على وجه التقريب خمس مساحة مدينة القدس القديمة.
فالمسجد الذي هو موضع الصلاة، ليس هو قبة الصخرة، لكن لانتشار صورة القبة، يظن كثير من المسلمين حين يرونها أنها المسجد، والواقع ليس كذلك، فالمسجد يقع في الجزء الجنوبي من الساحة الكبيرة، والقبة بنيت على صخرة مرتفعة تقع وسط الساحة.
من أجمل وأروع المباني التي بنيت على الإطلاق قديما وحديثا ولا أحد يختلف على مكانتها، ما جعل هذا المبنى الإسلامي يسيطر على المشهد العام للمدينة المقدسة والمباركة.