استشهادي وسيارة وثلاث اسطوانات غاز و250 كيلو جراماً من المواد المتفجرة البدائية، كانت هذه مكونات أول عملية استشهادية تنفذها كتائب القسام، والتي كانت بمثابة نقلة نوعية في تاريخ الصراع مع الاحتلال.
فبعد أربعة أشهر على إبعاد الاحتلال لـ 415 ناشطاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى لبنان على خلفية اختطاف الجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو وقتله، وفي نفس اليوم الذي خرج فيه المبعدون بأكفانهم نحو الحدود بما يُعرف "بمسيرة الأكفان"، نفذت كتائب القسام أول عملية استشهادية منذ تأسيسيها، وأهدتها للأبطال في الإبعاد.
ويوافق يوم السادس عشر من أبريل، ذكرى أول عملية استشهادية نفذتها القسام، إذ في العام 1993م فجّر الاستشهادي "ساهر تمّام" نفسه بسيارة مفخخة داخل مغتصبة "ميحولا" القريبة من مدينة بيسان في الداخل المحتل، مما أدى إلى قتْل جنديين إسرائيليين وإصابة 8 آخرين.
الإعداد والتجهيز
لم تكن فكرة الانتقال إلى العمليات الاستشهادية أمراً يسيراً، خاصة بعد اقتصار أعمال المقاومة لسنوات على أسلوب الكر والفر، والأساليب التي توفر أمناً أكثر للمقاتل بالشكل الأساسي، إلا أن الفكرة جاءت بُغية تطوير العمليات وزيادة تأثيرها.
كان الإعداد لتجهيز سيارة مفخخة أمراً صعباً، خاصة عندما يكون فريق الإعداد ثلاثة أشخاص فقط، ويتطلب الأمر إنتاج أكثر من 250 كيلو جرام من المتفجرات، من مواد بدائية وصلبة، وضع مهندس القسام الأول يحيى عياش خطته لهذه العملية وذلل صعاب الإعداد.
بعد أشهر من العمل المتواصل تمكن يحيى عياش من تجهيز السيارة المفخخة بشكل كامل، وتم اختيار الاستشهادي أشرف الواوي منفذاً لهذه العملية، إلا أن الشهيد ساهر التمام أصر إصراراً عجيباً على أن يكون هو منفذ هذه العملية، رغم أن قيادة القسام وعدته بأن يكون الاستشهادي التالي.
الاستشهادي الأول
الفارس ساهر حمد الله داوود التمام ولد عام 1971م، في مدينة نابلس، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها، فيما شارك في العديد من المهمات وعمليات إطلاق النار مع خلايا القسام في الضفة.
في مارس عام 1993م، نفذ الشهيد ساهر بسيارة تعود ملكيتها إلى الشركة التي يملكها والده عملية دعس قتل فيها الرقيب أول عوفر كوهين (27 عاماً) والرقيب اسحق برخا (24 عاماً)، ليصبح بعدها أحد المطلوبين لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
الهدف
كان القرار الأساسي أن يكون الهدف هدفاً عسكرياً بحتاً، خالياً من أي عنصر مدني، فشُكلت مجموعات الرصد والاستطلاع والبحث عن هدف دقيق يتوافق مع الغاية من العملية فاختار المهندس مقهى (فيلج إن) الواقع في مغتصبة "ميحولا" القريبة من منطقة " عين البيضاء" على بعد (15) كيلو متراً من نهر الأردن، والذي لا يرتاده إلا الجنود الإسرائيليون.
في السادس عشر من أبريل عام 1993م، فجر الاستشهادي ساهر التمام سيارته المفخخة، في مقهى "فيلج إن" موقعاً عشرات القتلى والإصابات، إلا أن العدو تكتم عن خسائره واعترف فقط بقتْل جنديين وإصابة ثمانية آخرين.
ويُعد تنفيذ هذه العملية الاستشهادية داخل مغتصبة "ميحولا" تطوراً نوعياً في العمل المقاوم، إذ كانت الأمر الأولى في تاريخ الصراع يتم فيها اختراق مغتصبة تضم مصانع حربية تابعة لوزارة الحرب الصهيونية، وتهاجم بنجاح كبير أهدافاً عسكرية.