ولد الفنان الفلسطيني حسن طوافرة في مدينة طبرية المهجّرة داخل 1948 عام 1945 ولاحقا رافق عائلته المهجرة في نكبة 1948 للإقامة في بلدة المغار المجاورة وما زال يقيم فيها حتى اليوم.
أحب الرسم منذ كان طفلا يرسم على الجدران وأغطية دفاتره والتحق في ورشات لتعليم الرسم في مرحلة متأخرة من حياته بعدما قرر احتراف الرسم.
حرمته النكبة الفلسطينية من مواصلة تعلمه فاضطر لمغادرة مدرسته الابتدائية لمساعدة العائلة في معيشتها، ومن أجل تأمين لقمة العيش عمل سائقا لشاحنة عدة سنوات وموزعا لأنابيب الغاز لكن لوحاته تعكس روحا رقيقة وجميلة.
رسم طوافرة مئات من اللوحات الفنية الواقعية وظلت مشاهد الطبيعة والأرياف حاضرة فيها علاوة على مدينته طبرية مثلما تشكل المرأة موتيفا دائما فيها.
شارك طوافرة في عشرات المعارض الفنية المحلية والعربية والدولية من الناصرة وعكا وطمرة إلى طابا وشرم الشيخ والقاهرة والعقبة وغيرها.
وما زال يمارس هوايته المفضلة السباحة والمشي في الطبيعة ومن أجمل هواياته سماع موسيقى الزمن الجميل ويطربه الصوت الجبلي ويدغدغ وجدانه صوت اليرغول وقد أجرت «القدس العربي» معه هذا الحديث بلحن طبراني. في بداية الحديث عاد طوافرة لمسقط رأسه طبرية المدينة الفلسطينية الأولى التي احتلتها العصابات الصهيونية بدعم الاستعمار البريطاني في أقسى الشهور بالنسبة لأهلها وله نيسان.
ويوضح أن والده كان يعمل في ميناء طبرية الصغير في نقل رمل البناء من القسم الشرقي للبحيرة وبالتحديد في منطقة البطيحة المتميزة برملها الناعم بالقوارب الصغيرة، لافتا إلى أن عائلته عربية بدوية تعمل في الزراعة وتقيم في المنطقة الشمالية المحاذية للمدينة في جوار البحيرة التي ما زال يراها من بيته في مدينة المغار المجاورة فتنتج داخله شعورا مختلطا فيرى مسقط رأسه كل صباح لكنه يحرم من العودة لها.
ويتابع «أحاول إطفاء الحنين لمسقط الرأس بزيارتها برفقة الأحفاد لكنني أعود من هناك وقد اشتعل الحنين أكثر فأكثر».
ويكشف أن والدته مناضلة وعصامية ويستذكر أنها خرجت يوم ولدته للطبيعة لتجميع النباتات الصالحة للطعام خاصة نبتة العكوب برفقة الجارات وهناك باغتها المخاض فولدته وعادت به للبيت ووجدت أن ضيوفا قد زاروا زوجها وشرعت في تأمين وجبة طعام ويتابع مبتسما «روت لي والدتي أن والدي سمع صوت بكاء رضيع فسألها من غرفة استقباله الضيوف من عندنا ومن زارنا فقالت له: جاءك صبي مبروك».
وفي هذه الأيام صدر كتاب المؤرخ الفلسطيني بروفيسور مصطفى عباسي الطبعة العربية حول طبرية في فترة الاستعمار البريطاني بعد صدور الكتاب بالعبرية قبل عام، وفيه يكشف كيف امتازت العلاقات العربية اليهودية في طبرية قبيل نكبتها وكيف تجاهل اليهود جيرانهم الفلسطينيين وهم يهجّرون من بيوتهم. ويوضح المؤرخ الفلسطيني بروفيسور مصطفى كبها أن علاقات العرب واليهود في طبرية كانت ممتازة حتى ما زاد عدد المهاجرين اليهود الغربيين ونشوب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ومقتل رئيس بلديتها اليهودي زكي حديث فتردت وتوترت العلاقات ويضيف «لذلك عندما حلّ عام 1948 سارع اليهود للانقضاض على بيوت وممتلكات جيرانهم العرب».
عن ذلك يقول حسن طوافرة: «طالما سمعت من أقاربي الكبار أنه قبل أن تنشط الصهيونية في البلاد كان اليهود في طبرية يتحدثون في بيوتهم بالعربية وامتازت علاقاتهم بالفلسطينيين بالجيرة الحسنة والإخوة، لكن الصراع الكبير أدى لتنازل اليهود عن جيرانهم والسكن في بيوتهم وسرقة ممتلكاتهم وهذا موجع ومؤسف» ويكشف طوافرة أنه يعوض الفقدان بالرسم فطبرية دائمة الحضور في رسوماته وعن ذلك يقول مبتسما: «وما الحب إلا الحب الأول.
زرتها للمرة الأولى وأنا صبي صغير بعدما حرمتني النكبة من المدرسة فخرجت لمساعدة أهلي في معيشتهم. في طبرية بدأت أعمل وأذهب لأعوم في البحيرة يوميا وهذه متعة كبيرة بالنسبة لي.
وحدث أن تواجدت هناك عدة مرات وقد أنقذت أناسا كادوا يغرقون منها غرق طفلين في البحيرة فيما كان والدهما اليهودي المتدين يصرخ ويقرأ آيات دينية فلم أتردد بالقفز للمياه وإنقاذهما وعندما خرجت شكرني وقال إنه سينشر ما قمت به في الصحافة فسألني عن اسمي فقلت: حسن وعندها قال: وكيف يكون يهودي وحسن؟ فقلت له أنا عربي. عندها انسحب دون أن ينبس بكلمة واحدة».
حكايتي مع الرسم
في قرية المغار تعلم الفنان طوافرة السنوات الأولى من المدرسة الابتدائية وهو يتذكر أن معلّمته في الصف الأول نهاد خنجر، ابنة بلدة الرامة، حكت له ولأبناء صفه حكاية خيالية وطلبت منهم جميعًا أن يضعوا رؤوسهم على سطوح المقاعد أمامهم وأن يسرحوا في دنيا الخيال. بعدها طلبت منهم أن يقوموا برسم ما تخيلوه وما خطر في أذهانهم.
يقول حسن مرفقًا قوله بلمعة لافتة من عينيه اللماحتين، إن ما رسمه لفت أنظار معلمته، فقامت بتشجيعه وأوحت إليه أن الفن سيكون هو المكتوب عليه «وكنت قد رسمت قاربا في البحيرة بعدما أغمضت عيني وكانت المعلمة قد انفعلت جدا من الرسمة وترك تشجيعها مفاعيل نفسية طيبة في داخلي».
وعن تتمة المسيرة يضيف «لاحقا وفي مرحلة الصبا المبكّرة ذهبت لطبرية للعمل فصرت أرسم على الجدران في نهاية عملي يوميا حتى زرت معرضا للرسم في طبرية صدفة وهناك طلبت أن أتعلم فيه فطلب المشرف على المرسم أن أرسم أمامه وإذ به يقول: في داخلك رسام كبير.
وتعلمت في هذا المرسم لمدة عام حتى صرت مرشدا للرسم فيه وكانت هذه دفعة هامة في مسيرة الرسم. وقبل ذلك طلب مني أحد أصحاب البيوت من يهود طبرية أن أمكث وشقيقي داخل بيته ريثما يعود من زيارة ليومين خارج المدينة ولما عاد وجدني قد رسمت مدينة طبرية على ظهر روزنامة ولما سألني لم يصدّق أنني قد رسمتها وقال: أنت تكذب.
عندها رسمتها مجدا أمامه فسارع لمصافحتي واصطحبني للسوق واقتنى معدات الرسم وطلب مرافقته لبيت رسام جاء للمدينة وطلب منه أن يعلمني المزيد من مهارات الرسم وفعلا استفدت من تجربته لمدة عام».
تظهر طبرية في كثير من رسوماتك؟
نعم أنا دائم الحنين لطبرية ولذا ربما وبشكل واع وغير واع استحضر صورتها في رسوماتي. مثلا عندما أرى مسجد البحر مهملا مغلقا أرسمه كي أوثقّه لأني أخشى عليه من الهدم، وهكذا أيضا مع المسجد الزيداني أو المسجد الكبير في المدينة وهو الآخر مغلق ومهمل وتحظر الصلاة فيه. كما رسمت ملامح صيد السمك والقوارب في البحيرة.
وهكذا كنائس طبرية الجميلة وهناك رسومات كثيرة للمدينة من مواقع مختلفة وحولها الأراضي الأردنية والسورية من جهة الشرق عرضتها مرة في نطاق معرض بعوان «لن أنساكي يا بلدي».
وشجرة الزيتون؟
•هذه الشجرة تحظى بذات مقدار الحب كما هو الحال مع طبرية فهي مثمرة ومباركة وملهمة وقائمة في كافة الأرياف الفلسطينية.
والخيول موتيف متكرّر عندك؟
•طبعا فالفرس ليست مجرد وسيلة نقل بل رمز للشهامة والأصالة و«الفارس المفقود» تدلل على معنى الفرس الأصيلة فهي عندما يقتل فارسها تعود وحدها للبيت ولا تهرب ولذا سميت أصيلة.
○ والمرأة أيضا؟
•طبعا فالمرأة خاصة الفلسطينية واحد من أسرار صمودنا وبقائنا وتطورنا بعصاميتها وتضحياتها ويكفي قصة والدتي التي وقفت جنبا إلى جنب مع والدي في تأمين معيشتنا ونحن عائلة مباركة الأبناء، ولذا ترى رسومات كثيرة عندي وهي في ساحات العمل.
ويرسم طوافرة ضمن مدرسة الرسم الواقعي لا المجّرد مثلما توقّف عن رسم الوجوه وعن ذلك يقول إن رجلا جاءه وطلب منه أن يرسم كلبته وعندما سلمتّه اللوحة أعطاني مبلغا كبيرا جدا وفي مرة لاحقة جاءني رجل آخر مع صورة فوتوغرافية صغيرة جدا لوالده الراحل وطلب مني أن أرسمها في لوحة وبعد أيام انتهيت منها وعندما عاد ليأخذها قال إنه سيحضّر لي بعد أيام قميصا كأجرة لي ومن وقتها توقفّت لأنني لم أجد من يقدّر هذا النوع من الفنّ. وردا على سؤال يقول إن اللوحات الفنية لا تشكل مصدرا للمعيشة ولذا فهو يعمل في رسم الجداريات في الشوارع وعلى جدران المدارس والمؤسسات العامة مقابل أجر مثلما يشارك في معارض رسم في القاهرة وشرم الشيخ وطابا والعقبة سوية مع فنانين عرب من دول عربية.
كلمة أديب
ومع ذلك يعود طوافرة ويؤكد إن تشجيع معلمته ناهد خنجر له وهو طفل دفعه بقوة لمواصلة السير في طريق الرسم والإبداع، وإنه في كل مكان كان يحل فيه يلقى التشجيع المماثل لتشجيع معلمته تلك.
ويعقّب الأديب ناجي ضاهر على أعمال حسن طوافرة بالقول إنه بإمكان مَن يشاهد إبداعات حسن طوافرة في الفن التشكيلي، ملاحظة أنه فنان مسكون بالمكان، وأن بحيرة طبرية تستولي على مساحة من أفكاره، أما المساحة الأخرى الكبرى في إبداعه اللوني، فقد امتدت إلى المكان والإنسان والطبيعة.
ويضيف «واضح أن الفنان حسن طوافرة يضع رسوماته ضمن المفهوم الواقعي للفن التشكيلي ويغلب على رسوماته الطابع الرومانسي الحالم. كما يرى العديد من زملائه الفنانين».
وعن إعجابه بهذا الرسام الجليلي يقول ناجي ضاهر: «هذا بسبب سيرته الملهمة فهو لم يتلق تعليمًا منظمًا عاليًا، وخرج إلى ساحة العمل مبكرًا.
عمل في توزيع أسطوانات الغاز مدة نافت على نصف القرن من الزمان، غير أن حلمه الفني رافقه خلال هذه الفترة، قبلها وبعدها، ولازمه ملازمة الظل لصاحبه.
خلال عمله وجد من يُشجعه للالتحاق بدورة فنية على مستوى رفيع فالتحق بها.
دفتر مذكراته عامر ولكل لوحة قام برسمها قصة وحكاية. شارك في العشرات من المعارض الفردية والجماعية داخل البلاد وخارجها.
باع عددًا من اللوحات وتوجد لوحات من إبداعه في داخل البلاد وفي العديد من دول العالم. أصدرت جمعية «إبداع للفنانين العرب» كراسة تعريفية عنه، وعن نتاجه الفني.
قطع مسافة زمنية واسعة جدًا مع الفن ومع ذلك يعتبر أنه ما زال في البدايات الأولى المبشرة».
يذكر أن العشيرة البدوية التي ينتمي إليها الفنان حسن طوافرة قدمت إلى البلاد من الريف السوري، منطقة حماة، قبل أكثر من مئة وخمسين عامًا، وأقامت في مواقع وأماكن مختلفة من البلاد.
المصدر / القدس العربي