لم يتخيل الاحتلال أن تتحول قرى ومدن الداخل المحتل لساحة حرب ورعب لا يفارقها، بعد أن أوهم نفسه بأن فلسطينيي الداخل أصبحوا جزءًا منه، لكن الأيام أثبتت عكس ذلك.
المحطة الفارقة في الاختبار تمثلت في معركة "سيف القدس" التي يحيي الشعب الفلسطيني ذكراها للعام الثاني، وهي المعركة التي فاجأت الاحتلال على كل الأصعدة، وبالذات حين انفجر الداخل المحتل في مشهد دراماتيكي غير من ديناميكية الأحداث وقلبها رأسا على عقب، وأعاد من جديد تقييم الوضع بوصفه "متغيرا استراتيجيا"، والقول لمراقبين في الحالة الفلسطينية.
ويقطن في بلدات الداخل المحتل قرابة 100 ألف فلسطيني ويشكلون 10% من السكان، وهي (عكا وحيفا ويافا والناصرة واللد والرملة والنقب).
ويقرّ الكاتب (الإسرائيلي) أوري نير في كتيبه (المدن المختلطة في الداخل) وترجمه أنطوان شلحت، أنّ الفلسطينيين في هذه المدن، هم أكثر السكان العرب فقرا وضعفا وإهمالا، وهم أكثر تهميشاً وتهديداً من ناحية سياسية.
ويقول نير إنّ مدن الداخل المحتل تحول سكانها العرب إلى مواطنين ثانويين، كما أنها تعاني انعدام البنية المناسبة في المدارس الحكومية.
وتعاني مدن الداخل المحتل من ضعف سياسي، حيث أن سلطتهم المحلية في أيدي الاحتلال بصورة دائمة، لذا فإن قدرتهم في التأثير هامشية.
ويعترف بأنّ سلطات الاحتلال لا تقمع السكان فحسب، بل عملت على توجيه مزيد من المستوطنين لتشكيل حواجز بشرية وجغرافية ضد السكان الفلسطينيين.
لكن ورغم هذه السياسات العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال، يقول نير إنّ أزمة هذه المدن لم تحل بل آخذة بالتعاظم ديمغرافيا، وأصبحت "ثنائية القومية"، مضيفا: " طوال 52 سنة تصرفت الدولة كما لو أنها تتوقع من العرب أن يغادروا هذه المدن، ولكن بدلا منهم غادر اليهود".
الأزمة التي توقعتها نخب الكيان، وقدرّتها المؤسسة الأمنية بـانحصارها في الجانب الديمغرافي، لم يتخيل أن تتطور لتصبح نقطة تطور ويعود الجيل ليسأل عن وطنه وعن بلده وماذا يفعل الأغراب فيها؟!
هذا السؤال استبعدته أروقة تقدير الموقف السياسي لدى الكيان لعقود، بحسب مراقبين، لكنّ متغيرًا قلب الطاولة وقرّب ما كان مستبعدا، في معركة سيف القدس، التي فاجأت الجميع بانتفاضة سميت بـ(هبة الكرامة)، كانت أقرب للتوصيف (الإسرائيلي) لسيناريو "التحرير"، بعدما نجحت لساعات قليلة في تطهيرها من المستوطنين.
هذا السيناريو وبحسب محمد أبو شريقي وهو عضو مجلس بلدي في اللد، أعاد الملف الفلسطيني لطاولة الشاباك وجيش الحدود، بعدما أنيط بالشرطة في وقت سابق.
ويعتبر أن ارتباط الملف بالجيش والشاباك، يترجم أنّه لم يعد ملفا (إسرائيليا) داخليا أو أنه جزء من منظومة الدولة، بل ثمة اعتبار آخر يربط القضية بجذورها، وهي احتلال وشعب محتل.
ووفق شريفي فإن تداعيات الأمر لم تتوقف عند الهبّة التي استمرت لأسبوع تقريبا منذ استشهاد الشاب موسى حسونة، بل اعقبتها سلطات الاحتلال باعتقال العشرات لا يزال 32 منهم تحت المحاكمة، وأصدرت أحكاما مرتفعة بحق 3 من الشباب المشاركين، تجاوزت مدتها العامين والنصف.
واتسعت التداعيات أكثر لتشمل الوجود الفلسطيني برمته، في ظل رفض الاحتلال الحاسم لتحقيق فكرة المطالب السياسية، وإدراج سلوكه فقط في حصر المطالب الإنسانية، بحسب شريقي.
وفي ذات السياق يقول سامي شحادة رئيس حزب التجمع الفلسطيني لـ(الرسالة نت) إنّ دولة الاحتلال ترفض بشكل حاسم أي تقدير متعلق بمنح الفلسطينيين صفة المواطنة الأولى أو الثانية، وهي تتعامل معه بمنظور الدرجة العاشرة، وهذا يفرض على فلسطينيي الداخل فكرة تدويل قضيتهم".
يعاظم من هذه القناعة السلوك (الإسرائيلي) المتواصل تجاه الداخل من الناحية الأمنية، فمع استنفاره بمسيرة الأعلام قبل أيام، وجه آلاف الجنود للمدن المختلطة، من عناصر حرس الحدود.
وعزز أكثر في منطقة النقب، كما يقول عطية الأعسم رئيس مجلس القرى غير المعترف بها في النقب، إذ استنفر الآلاف من عناصر الشرطة والجيش في هذه المناطق، ترافقا مع استنفاره غير المسبوق في القدس.
ويؤكدّ الأعسم لـ(الرسالة نت) أن سلطات الاحتلال فرضت طوقا في عديد المدن بالداخل ومن بينها النقب.
ويخلص ضيوف (الرسالة نت) للتأكيد على سيناريو أن الداخل بات الرعب الذي يلاصق المنظومة الأمنية والعسكرية، ولن يبرح مخيلتها طوال الوقت.