قائمة الموقع

(خرج ولم يعد)..من المسؤول؟

2009-10-29T14:57:00+02:00

الشرطة: المعاملة الأسرية القاسية تدفعهم للهروب

الغلبان: للأسرة دور مهم في منع وقوع أبنائهم فريسة

أبو ركاب : الهروب من البيت ردة فعل طبيعية على ظروف غير طبيعية

 

- فادي الحسني

بينما كان الطفل (س.ب) يمر بأحد الأماكن من مدينة غزة، الصق به أحد المواطنين تهمة السرقة، دون أن يكون له أية ذنب فيما لم تقترف يديه، إلا أن خوفه الشديد من لهيب سياط والده، دفعه للهروب بعيداً عن منزله.

الطفل (س.ب) الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، لم يجد أمامه سوى اللجوء لأحد أصحاب المحال في المحافظة الجنوبية بحجة العمل لديه، ولكنه كان يقصد البحث عن مأوى آمن.

وإذا كان الخوف من قسوة الأب قد دفع بالطفل (س.ب) للتغيب عن بيته لأكثر من شهر خوفا من بطش والده، فما الذي يدفع بعدد من الأطفال في غزة بالهروب من منازلهم؟ ومن المسؤول عن عبارة (خرج ولم يعد)؟.

*مؤشر خطير

ورغم أن الأمر لا يمثل "ظاهرة" لكن وقوعه في حد ذاته يعكس مؤشراً خطيراً، خاصة وأن المجتمع الغزي على وجه الخصوص، هو مجتمع تحكمه عادات وتقاليد ويطغى فيه الانصياع لأوامر الأهل على الرغبات الشخصية.

وكانت قد عثرت الشرطة الاثنين الماضي، على الطفل (محمد الجندي) من مدينة غزة، بعد تغيب دام قرابة الشهر.

فيما لا تزال الأجهزة الأمنية بغزة تبحث عن الطفل (محمد شاهين) الذي فقد منذ الثاني من أكتوبر الحالي، ولم تتوصل بعد لأية خيوط يمكن أن تكشف عن مصيره.

ويعد الطفل شاهين ثاني حالة تغيب لأكثر من شهر، في حين أن الأجهزة الأمنية عثرت على حالتين سابقتين بعد غياب استمر ليومين متتالين.

وسبق هاتين الحالتين، غياب فتاتين عن منازليهما، إحداهما بسبب معاملة الأهل القاسية ومحاولة إرغامها على الزواج، والأخرى نظرا لسلب والدها لراتبها وحرمانها من ابسط احتياجاتها، ولكن الشرطة عثرت عليهما بعد يومين من غيابهما.

وتباشر الأجهزة الأمنية عملية البحث عن المفقودين بعد 24 ساعة من تغيبهم عن البيت، وتعكف على نشر صور المفقود، على عناصرها حتى يتسنى لهم بدء عملية البحث.

بينما تلجأ بعض الأسر لتوجيه مناشدات للجهات الرسمية وغير  الرسمية، بالبحث عن أبنائها.

وثمة من وجه اتهاما مباشرا للأسرة، عن فقدان الأطفال، على اعتبارها المسؤول الأول والأخير عن أطفالها، والمطالبة الرئيسية بتوفير حاجاتهم الأساسية، والتي أبرزها "العاطفة"، لكن بعض المختصين يرى أن الفقر والبطالة التي بلغت 68% ربما أدت إلى عدم قدرة الأسر على توفير متطلبات أبنائها.

*مشاكل أسرية

وبحسب مصادر في المباحث العامة، فإن حالات تغيب الأطفال عن منازلهم، معظمها ناتجة عن مشاكل أسرية تحصل بين الطفل ووالديه.

وقالت المصادر لـ"الرسالة" الكثير من الحالات يقف خلفها الأزمات المادية التي تعاني منها معظم الأسر الفلسطينية، خاصة في ظل الحصار"، مشيرة إلى أن البعض منهم يتجه هاربا إلى جنوب القطاع وخصوصا إلى المنطقة الحدودية للعمل في "الأنفاق" لكسب المال.

وسبق وأن طالب اتحاد شباب النضال الفلسطيني لجبهة النضال الشعبي بحماية الشباب من مسلسل الموت اليومي في الأنفاق المنتشرة على طول الحدود الفلسطينية المصرية برفح جنوب قطاع غزة. وقال مسؤول اتحاد شباب النضال في قطاع غزة أنور جمعة: إن "ظاهرة الأنفاق باتت تشكل خطراً جدياً على الشباب بما تحصده يومياً من أرواح ، كما شكلت ظاهرة عمالة الأطفال واستغلالهم للعمل فيها أمراً في غاية الخطورة لأنه يعد انتهاكاً صارخًا لحقوق الإنسان".

بيد أن مدير المكتب الإعلامي للشرطة الفلسطينية في غزة  الرائد أيمن البطنيجي، أوضح أنه وبحسب التحريات، فقد تبين أن السبب الرئيس في فقدان الأطفال هو العنف الأسري، نافيا أن تكون الأنفاق قد ساهمت في دفع الأطفال للتغيب عن بيوتهم.

وأشار البطنيجي إلى أن حالات فقدان الأطفال، محدودة جداً، مبينا أن المعاملة الأسرية القاسية كانت سببا مهما في دفع الأطفال للهروب من المنزل.وأكد على أن محاولات البحث والتحري عن الطفل "شاهين" لا تزال مستمرة حتى اللحظة، نافيا أن يكونوا توصلوا لأي خيوط ترشد إلى مكانه.

*الأوضاع ساهمت

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، تساهم إلى حد كبير في إحداث مشاكل عائلية يترتب على إثرها ترك بعض المراهقين لمنازلهم، هكذا يرجع رئيس جمعية الوداد للتأهيل المجتمع د.نعيم الغلبان، سبب تغيب الأطفال عن بيوتهم.

ويقول الغلبان: "إن الأمر مرتبط أيضا بوجود رفاق سوء يدفعون في هذا السن بالذوبان في شلة مراهقين ذات طبيعة خاصة قائمة على التمرد والاندفاع في السلوك"، مشيرا إلى أن للأسرة دور بارز وهام في الحيلولة دون وقوع أبنائهم فريسة لمثل هذه الجماعات.

ولفت الغلبان إلى أن الأوضاع التي تعيشها الأسر الفلسطينية توترية، سواء بالنسبة للصغار أو حتى الكبار، وهو ما من شأنه أن يدفع المراهق للاحتجاج لاسيما انه أكثر حساسية من غيره، وبالتالي يندفع للتغيب عن العائلة.

ويؤكد أن ترك الطفل لمنزله غالبا ما يدفعه للجوء للعائلة الممتدة، "بمعنى أنه يلجأ لأقاربه كبيت العم والخال (..) لكن الانزلاق عن هذا الحد يعكس مؤشرا خطيرا".وقال الغلبان إن من أسباب تمرد الأطفال واندفاعهم للخروج من البيت، هو الجفاف العاطفي لدى الأسرى والتفكك الاجتماعي أيضا، وبالتالي يسعى الطفل لتعويض هذا النقص عبر الهروب خارج إطار الأسرة".

أما المحاضر في قسم الإرشاد النفسي بجامعة الأزهر إسماعيل أبو ركاب، فيرى أن مجموعة من الأمور اجتمعت وكونت هذه القضية، مبينا أن أولى هذه الأمور هي الضغوط النفسية الممارسة على الأسرة بشكل عام، والتي تنعكس بشكل تلقائي على الأبناء.

وأشار أبو ركاب المهتم في قضايا الأطفال، إلى أن الأطفال على خلاف الكبار، يتشربون معاني القلق والأفكار والسلوكيات الغير حسنة، ويقول: "في بعض الأحيان نجد أن بعض الأبناء يهرب من المنزل كنوع من لفت الانتباه".

*قضية سلوكية

ووصف محاولات تغيب الأطفال عن منازلهم بأنها "قضية سلوكية بحته غير مخطط لها، وردة فعل طبيعية على ظروف غير طبيعية".

ولفت إلى أن بعض الأهالي وصل فيهم الكبت إلى حد مطالبة الأبناء بالمبيت خارج البيت، ويقول: "الأهل جعلوا لدى أبنائهم القابلية للخروج من البيت، وبعض الآباء تساهلوا في هذا الأمر".

ولهذا دعا رئيس جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي، لتوفير آليات التخاطب بين الأهل والأبناء، مشددا على ضرورة أن يكون هناك جلسات أسرية بشكل دائم تطرح خلالها مواضيع مختلفة بغية تشجيع الأبناء على الإدلاء بآرائهم والاستماع لمشكلاتهم.

كما دعا الغلبان الأجهزة الأمنية الرسمية للاستمرار في التحري الأمني في الأماكن التي يتردد عليها الأطفال، كالورش والأنفاق وغيرها من الأماكن.

في الوقت ذاته شدد الغلبان على أهمية طرح وسائل الإعلام لقضية استقطاب وجدان الأبناء ونشر ثقافة المودة والعاطفة بين الأبناء وآبائهم، مشيرا إلى أنه في بعض الأحيان تقع المسؤولية أيضا على عاتق الأبناء الذين طالبهم بالشعور بالمسؤولية.

وإن كنا نقدر أن قطاع غزة يعاني الأمرين جراء الحصار الواقع عليه والوضع المادي المتردي، وأن أرباب الأسر باتوا متعطشين للقمة عيش يطعمون بها أطفالهم، لكن عليهم أن يدركوا في ذات الوقت أن هؤلاء الأطفال هم أمانة في أعناقهم وأن الإخلاص في تربيتهم واجب.

اخبار ذات صلة