بقلم- سماح سليم أحمد شمالي
(1)
في صباح ذلك اليوم
بعدما أفطر جدي
جاءته جدتي بشربة ماء
لكن
مات عطشان !
(2)
جدي المؤمن
عندما فارق الحياة
قال :
الحمدُ لله
(3)
جدي لم يعتاد النوم وحده في آخر عمره
لم ينم ليلة دون أبي
فكيف نام هذه الليلة ؟
(4)
كل ليلة أسمع صوت أناته
لكن هذه الليلة عمها الهدوء
ولم يحتاج لمساعدة أبي
فلتكن ليلة خير له !
(5)
أحرجني صغيرٌ بسؤال :
لمَ غطوا جدكِ بالتراب ؟
أجبته :
من شدة البرد !
(6)
أيها المشيعون لجثمان العطاء
فلتشيدوا شاهدة قبره
من رخام كلماتي !
(7)
جدي الكريم
كما كنت تكرمني دون أحفادك بــ "الشواكل"
سأكرمك من دون سكان تلك المقبرة بالدعاء !
(8)
أيها المشيعون
لا تدفنوه في المقبرة الشرقية
جدي لا يطيق ضجيج الرصاص وفوضى الدبابات
فلتضعوه في قبر أمه في المقبرة الغربية
سيكون بجانبها أهدى وأدفئ !
(9)
أبي
كان يبيت سبع ليالي
عند جدي الغالي
ولكن ..
هذه الليلة
سيبيت وحيداً !
(10)
كل يوم
كان يرسلني أبي بطعام غداءٍ لجدي
أما اليوم
فسيرسلني بصحنٍ من الدعاء إلى المقبرة !
(11)
جدي
كان ينام فوق الأرض
ويتوسد الفراش
ولكن الليلة ..
سينام تحت الأرض
ويتوسد التراب !
(12)
ودعتْ المدينة اليوم جثامين عدة
أذكر منها :
جثمان إحسان وعطاء
جثمان صبر وتحمل
جثمان مدرسة أخلاق
جثمان مسيرة ثمانين عام
وروحٌ طيبة
وضعوها في قبر جماعي
كتبوا على شاهدته
أحمـــــــــــــــد !
(13)
جدي الحنون
أود أن أبيت هذه الليلة قرب قبرك
ولكن ..
هل يرضيك أن تنعم بالدفء بالتراب
وأنا أتعثر بالمطر والبرد القارس دون غطاء
حنانك يمنعني !
لذا ..
سأعكف ليلتي بالقيام و الدعاء
لتزداد دفئاً !
(14)
جدي الغالي لم يفارق الحياة
لا زال يحيا على قيد الدموع !
(15)
أيها المشيعون كفوا عن البكاء
جدي عطشان دعاء وليس دموع !
(16)
أيها المعزون لمَ تنظرون لأبناء جدي بشفقة في حزنهم
من فقد أبيه سند ظهره على فراغ
فهوى بحياته وعاش بذرة روح !
(17)
لو أن من شيعت يرجع بالدموع
لبكيت عليه دهرا
أو شق الثوب يحيّ
لمزقت ثوبي إربا !
(18)
جدي ..
لا أريد أن تعود إلى الحياة
ولكن
تمنيتُ لو استيقظت لحظة
فأقبل كفيك للمرة الثالثة وأقول :
صباح الجنة !
(19)
كل من في الحي يعلم
أن جدي في تمام الساعة العاشرة صباحاً قد ماتْ
إلا المئذنة !
ستعلم في فجر اليوم التالي
عندما تناديه صباحاً
ولا يجيب !
(20)
في مدينتنا حفار قبور فقير
منذ يومين يراه جدي حزين
لاشتداد الفقر عليه
ليس إهمالاً منه
ولكن ..
في ذلك اليومين لم تفارق المدينة أحدْ
فجدي الذي لا يملك ذرة شيء
أهداه روحه !
(21)
في ختام هذا اليوم
أمطرت السماء ماءاً
شهد الجميع أن مطر الليلة
أشد غزارة مما قبل
انبهروا وسروا
أيقنوا أنهم ليسوا قانطين !
ما دروا
أنها أمطرت لتروي ظمأ
جدي الذي مات عطشان !
(22)
جفت المحبرة
كاد رأس قلمي ينحني
لم تنهي الكلمات ماضي ثمانين عام
كتبتها بخط مقطع لجفاف حبري :
فـ ـي أمــــــ ـــــان الله "جــــ ـــ ــــ ــدّي"