بدأ الحدث بسرد رواية تحكي أن جنودا (إسرائيليين) دخلوا إلى الحدود المصرية 4:30 فجرا، عندها أطلق جندي مصري الرصاص عليهم، فقتل اثنين، بعدها دخل للأراضي الفلسطينية وانتظر القوة الثانية لساعات واشتبك معها فأصاب ثلاثة جنود إصابة خطيرة واستشهد بعدها.
هذه هي الرواية غير الرسمية، أما الرسمية فتتخبط بين رواية (إسرائيلية) وأخرى مصرية لم يقتنع بها الشعب الذي يتعطش للعودة إلى الخلف.
مشهد غاب طويلا عن الذاكرة والتاريخ، عاد بالأمس فأعاد الروح للمصريين، وأعاد لمعادلة العروبة نصابها الذي فقدته، في الوقت الذي يعتقد العالم فيه أن علاقات الاحتلال مع مصر في زمنها الأفضل حتى أن بنيامين نتنياهو علق على عملية الأمس: "الحادثة قرب حدود مصر "استثنائية" مؤكدا "أنها لن تؤثر على التعاون الأمني مع القاهرة"، حسب تعبيره.
وعلى الرغم من محادثات التطبيع التي تبدو متسارعة بين كثير من الدول العربية، والتي توقع وتطبق على أرض الواقع، ورغم أن مصر أول من وقع اتفاقية سلام مع الاحتلال، إلا أن الشعب بقي عصيا على التطبيع، وأثبت على مدار سنوات طوال بأنه أكثر الشعوب قربا ورفضا للاحتلال.
عادت ذاكرة المصريين إلى سليمان خاطر وهو أحد عناصر قوات الأمن المركزي المصري، الذي أطلق النار على مجموعة من السياح (الإسرائيليين) عند نقطة حراسته التي تقع بالقرب من منتجع رأس برقة بمنطقة نويبع بمحافظة جنوب سيناء في 5 أكتوبر 1985 فقتل منهم سبعة قبل أن يستشهد، فيما عرف بحادث رأس برقة.
السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق يصف الحادث بأنه هائل، ويضيف: "كل جندي في القوات المسلحة المصرية هو سليمان خاطر"، وأضاف أن على (إسرائيل) أن تفهم أنه مهما كانت علاقاتها مع الحكومة المصرية جيدة، فإن الشعب المصري لا يمكن أن يستكين".
وعلى شبكات التواصل كان هناك الكثير من ردات الفعل المصرية التي عبرت عن فرحتها بعودة مجد كاد أن يندثر، فكانت الكثير من الجمل التي عكست الحنين للانتقام من عدو لا زال هو الأول رغم مرور السنوات الطويلة والاتفاقيات الموقعة.
كتب أحد المغردين: "إذا كان النظام له مصلحة أو التزام بحماية الصهاينة وحدودهم، فالمواطن المصري ليس له مصلحة و ليس ملزماً، الصهاينة ومن خلفهم الأمريكان يعرفون هذه الحقيقة، لذلك تضمنت بنود اتفاقية (كامب ديفيد) بأن يكون الحد الاقصى للتواجد العسكري المصري في سيناء هو 750 شرطيا (لحراسة الحدود).
سلسلة من الحروب الطويلة، العدوان الثلاثي، نكسة حزيران، نصر 6 أكتوبر، وقبلها حرب الاستنزاف، تاريخ طويل لا يجعل العدو صديقا، فلعل ما حدث بالأمس قلب موازين الاحتلال الذي لم يكتشف قتلاه إلا بعد خمس ساعات من مقتلهم، وهذا إخفاق آخر، وكأنه نسي أنه أمن الحدود مع حكومة التزمت بتأمينها، ولكن وراءها شعب لا زال يعتبره عدوه الأول.
المحلل العسكري يوسف الشرقاوي يرى أن هذه العملية نتيجة طبيعية للتعامل (الإسرائيلي) المتغطرس الذي نسي أن الشعوب العربية كلها شعوب متدينة بطبيعتها ومحروقة على ما يحدث في الأقصى تماما مثل الشعب الفلسطيني، ولطالما عجز الاحتلال عن تقدير الموقف وتوقع ردات الفعل العربية.
وذكر الشرقاوي أن فشل الاحتلال في تقدير الموقف بدا جليا في تضارب الرواية واكتشاف العملية بوقت متأخر نسبيا، موضحا أنه يجب أن يعرف أن العالم العربي لم ينس فلسطين ولا القدس ولا غزة ويجب أن يأخذ ذلك بالحسبان، وإذا ظل على غطرسته ستظل الشعوب العربية تفاجئه.
ويعتقد أنه في حال تواجد دعم من الموقف الفلسطيني الرسمي، فسيقابله دعم من الموقف العربي أيضا، وبالتالي لاستجاب الاحتلال لهذه المواقف والضغوط