ما جرى في نقابة الصحافيين مؤخرا مثل تحولا صارخا، رتب له في المؤتمر الاستثنائي الذي نظم في التاسعة والعشرين من كانون ثاني، بأن وضع المجتمع الصحافي في بطن الصراعات القائمة، في صورة لم يسبق لها مثيل، والتي قد تنعكس خلال الفترة المقبلة الى اكثر مما هو متوقع، في ظل الحديث عن مؤتمر موازي يجري العمل عليه في قطاع غزة.
فلا زال هناك من يتعامل مع نقابة الصحافيين على أساس انها الذراع السياسي للمنظمة التحرير الفلسطينية، رغم ان منظمة التحرير باتت اليوم بيننا، ولا يرغب أحد ( من المنتفعين) بالإقرار أن الدور الوظيفي لنقابة الصحافيين مثل باقي الاتحادات والنقابات بات مغايرا اليوم، خاصة وأن قيادات المنظمة ومقرها بات بيننا.
وبدل أن تشكل النقابة نموذجا لباقي الاتحادات والنقابات، باعتبارها ممثل (السلطة الرابعة) تتخلف النقابة عن اتحادات ونقابات أخرى كنقابة المهندسين او المحامين، أو حتى نقابة المعلمين التي تعيش مخاضا احد أسبابه سوء الفهم حول دور ووظيفة الاتحادات والنقابات اليوم المختلف تماما عن أمس.
فماذا جرى في نقابة الصحافيين؟؟؟
لا بد من الرجوع الى المؤتمرين السابقين اللذين عقدتهما النقابة في ظل السلطة الوطنية، في الأعوام 2010 و 2012 ، وذلك تمهيدا لفهم ووعي ما جرى في أيار الماضي.
طوال الفترة ما قبل العام 2010 ، كان الحديث والجدل حول دور نقابة الصحافيين ان كان دورا نقابيا مهنيا أم أنه دورا سياسيا متواصلا حتى بعد تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية بقرار من منظمة التحرير التي باتت تعمل على الأرض.
دار نقاشا موسعا في العام 2010 هذه المعضلة، وتحديدا بين فكرتين : الأولى أن النقابة يجب ان تقوم بواجبها السياسي في النضال ضد الاحتلال، من خلال بيانات الإدانة والاستنكار، ومتابعة دورها الذي تأسست لأجله، المتمثل في أن تكون ذراعا سياسيا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي بات لممثلي فصائل منظمة التحرير الحق في بقاء التمثيل في هذا الجسم.
وتحت هذه الفكرة وجهت انتقادات كثيرة للنقابة بشأن منح الكثير من غير الصحافيين بطاقات صحافية مكنتهم من حضور مؤتمرات ولقاءات حول مصير النقابة.
والثانية: أن تكون النقابة مهنية تضم في عضويتها فقط العاملين في المجال الصحافي، لأن ظهور النقابة أمام العالم بالوجه المهني، البعيد عن السياسة، سيمكنها أكثر من الانخراط في المحافل الدولية والإقليمية على قاعدة مهنية خالصة تسهم في إيصال المعاناة الفلسطينية بشكل أكثر مهنية.
ووفق هاتين النظرتين، انبثق نقاش اخر بين الصحافيين، بخاصة المهنيين، ان كان الأفضل مقاطعة النقابة أو العمل من داخلها.
أعلن عن موعد الانتخابات في ذلك العام، وتوجه المرشحين الى مقر النقابة وتم الترشيح بشكل فردي، وليس كتل صحافية، لانه لم يتم اعتماد التمثيل النسبي حينها، وسجل لهذه الانتخابات صحافيين وصحافيات من مختلف الاطياف، وبشكل فردي.
غير أن المستوى السياسي الذي حضر بقوة أعمال ذلك المؤتمر ، الذي جرى في قاعة سليم افندي في البيرة، حسم الجدل بان طرح فكرة التصويت على أن تتم الانتخابات لقائمة منظمة التحرير مقابل المرشحين الاخرين، بمعنى انه بدل ان ينتخب الناخب 63 اسماء، بات عليه أن يكتب فقط قائمة منظمة التحرير، ومن لم يرغب بذلك ينتخب 63 عضوا، وفازت فصائل منظمة التحرير في تلك الانتخابات .
حينما غاب المستوى السياسي !!
في العام 2012 ، جرت الانتخابات بشكل مختلف، وغاب المستوى السياسي عن المشهد، وتنافست ثلاثة كتل على مقاعد المجلس الإداري، وتم تسجيلها رسميا كقوائم انتخابية ثلاثة: كتلة نقابة مهنية للجميع وفازت ب 46 مقعدا، والتي تقودها حركة فتح، وكتلة التحالف الديمقراطي المهني، تحالف اليسار وفازت ب 11 مقعدا، وكتلة الصحافي المستقل التي فازت ب خمس أعضاء.
عملت النقابة بداية العام 2012، بشكل قريب الى المهنية، بخاصة فيما يخص ملف العضوية، بعد أن تم تشكيل لجنة عضوية من مختلف الاطياف، وبالتالي اصبح في النقابة لأول مرة ملفات لكل أعضاء الهيئة العامة، ولجنة عضوية تلتزم بنظام دراسة طلبات الانتساب والقبول.
ماذا جرى اليوم ؟؟؟
من المفترض حسب النظام الداخلي الذي كان معمول به سابقا ان تجري الانتخابات بشكل دوري كل ثلاثة أعوام، لكن هذا لم يجري منذ العام 2012 ولغاية 2023 ، ولم يكن هناك سوى إعلانات وتصريحات عن مواعيد لم يتم الالتزام بها.
حسب التقرير المالي الذي أعلنته نقابة الصحافيين في المؤتمر الأخير، عن الفترة ما بين 2012 لغاية 2023 ، فقد بدا واضحا ان نسبة الانتساب والاشتراك السنوي متدنية وغير منتظمة، وهذا يعني أن عدد أعضاء الهيئة العامة لم يرتفع كثيرا عن أخر انتخابات جرت في النقابة.
في اخر انتخابات في العام 2012، شارك فيها 814 ناخب فقط من الضفة وغزة، وبلغ عدد من يحق له الاننتخاب 1017، وهو الامر الذي يعزز فكرة أن المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في نهاية كانون ثاني، كان هدفه حشد اكبر عدد ممكن بطريقة غير واضحة، حيث بلغ عدد المشاركين في المؤتمر 2412 عضوا .
لم يعلم أحد على أي أساس تم اعتماد أعضاء الهيئة العامة الذين كان لهم الحق حضور المؤتمر الاستثنائي، هل هو حسب النظام الداخلي 2011 أم على أساس 2012، والذي لا يختلف كثيرا، أم أنه تم اعتمادهم حسب النظام الداخلي الجديد قبل أن يتم اقراره في المؤتمر الاستثنائي؟؟.
ورغم ان النظام الداخلي للنقابة، حتى الجديد، لم يحث على دفع الاشتراكات لحضور المؤتمر الاستثنائي، ونص فقط على دفع الاشتراكات في المؤتمر العام، حثت الأمانة العامة للنقابة الأعضاء على دفع الاشتراكات في المؤتمر الاستثنائي وكأنه شرطا للحضور، لكن الغاية من وراء ذلك هو اعتبار أن كل عضو دفع اشتراك وحضر المؤتمر الاستثنائي فانه تلقائيا سيكون عضوا في المؤتمر العام، وبالتالي ضمان حضور التجييش هذا في المؤتمر العام.
وعلى أساس هذه المخالفة النظامية، أعلنت دعوات لمقاطعة المؤتمر الاستثنائي، على اعتبار انه طالما كان هناك إمكانية لعقد المؤتمر الاستثنائي، فلماذا لا يعقد المؤتمر العام والانتخابات على أساس النظام الداخلي السابق ويتم خلاله إقرار أي نظام جديد مقترح بعد النقاش.
تعديلات صارخة تعيد النقابة الى المربع السياسي !!!
وبالنظر الى أعضاء الأمانة العامة الذين افرزتهم الانتخابات في المؤتمر الأخير، يؤكد حقيقة ان هناك توجها عاما لإعادة النقابة الى المربع السياسي وبشكل أكثر وضوحا من الفترة التي عاشتها النقابة قبل العام 2010.
ومثل أعضاء الأمانة العامة للنقابة الذي أعلن عنهم، عقب المؤتمر الأخير والذي لم يترشح له الا قائمة واحدة، الاعلام الرسمي بكافة تفاصيله، وعاملين في الهيئات الحزبية ودوائر العلاقات العامة، باستثناء عضو واحد فقط، من الاعلام المستقل، وهو الامر الذي انسجم تماما مع التعديلات التي اقرها المؤتمر الاستثنائي وبخاصة في تعريق من هو الصحافي والذي جاء متخلفا كثيرا عن التعريف الذي نص عليه النظام الداخلي للعام 2011.
في العام 2011-2012 ، تم تعريف الصحافي كما يظهر في الصورة المرفقة
أما التعديل الذي اقر في المؤتمر الاستثنائي، الذي فتح الباب أمام العاملين في دوائر العلاقات العامة ليكونوا أعضاء في الهيئة العامة، لغايات انتخابية، كما يلي :
يقر غالبية الصحافيين بان النقابة هي جزء من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لذلك جاء تعريف العلاقة بين النقابة والمنظمة بشكل سلس في النظام الداخلي 2012 ، كما هو مرفق:
غير ان التعديل الذي تم اقراره في المؤتمر الاستثنائي ومن ثم في المؤتمر العام الأخير، الذي تم التحشيد له بكل قوة وبشكل ضبابي، منح العاملين في دوائر العلاقات العامة في منظمة التحرير الفلسطينية او الفصائل التابعة لها الحق في عضوية النقابة وبشكل صارخ، كما يظهر في النظام الداخلي:
هذه التعديلات كانت كفيلة بان ترفع عدد أعضاء الهيئة العامة الى اكثر من 2622 عضوا كما ظهر في المؤتمر العام الأخير، إضافة الى ذلك، فتح النظام الداخلي الجديد الباب أمام العاملين والعاملات في دوائر العلاقات العامة في أي مجلس قروي او بلدي أو مصنع، ليكون عضوا في نقابة الصحافيين ويزاحم أي صحافي اخر.
فما جرى حقيقة، لن يسهم في تطوير عمل النقابة المهني، بل على العكس تماما يشكل قفزة للوراء وستسهم في تعزيز دور العمل الإعلامي السلبي في تجسيد حالة الانقسام الدائرة بدل أن يشكل معولا لتقريب وجهات النظر.
فلن تكون هناك قائمة لنقابة الصحافيين طالما ان التوجه العام للقائمين عليها يتركز على التقاسم السياسي بدل التقاسم المهني.
ولن تقوم قائمة للنقابة الا في حالة واحدة وهي الاستناد الى التقاسم الوظيفي والمهني، بمعنى ان تتشكل النقابة من ( المصورين، الفيديو والفوتوغرافي، المراسلين والمحررين، الاعلام الالكتروني) وكل هذا تحت اطار الاعلام الرسمي والخاص.
الشاهد