قبل عام أطلق أهالي الخليل حملة لدعم سكان البلدة القديمة المقيمين فيها، ولدعوة من تركوا بيوتهم ومحالهم التجارية ليعودوا لإحيائها من جديد، في محاولة لمحاربة الاستيطان هناك.
ولكن سرعة الاستيطان قلب حياة أهالي البدلة جحيما، وأصبح الثبات خيالا، والإصرار على الحياة في بقعة صغيرة تقسمها عشرات الكونتينرات والحواجز أصبح مستحيلا، في ظل السيطرة اليومية على مناطق وبيوت وآثار ومبان تاريخية سعيا لتهويد كامل البلدة.
قبل أيام قالت نائب رئيس بلدية الخليل أسماء الشرباتي، إنّ الاحتلال (الإسرائيلي) يهدف إلى الاستيلاء على مبنى البلدية المغلق في البلدة القديمة وذلك ضمن سلسلة ممنهجة للسيطرة على البلدة القديمة.
وأوضحت الشرباتي أن الاحتلال وضع إخطاراً أمام مبنى بلدية الخليل، طلب فيه إخلاء المبنى بعد 45 يوما من تاريخه، لافتة إلى أن البلدة تقدمت باستنكار واعتراض على طلب الإخلاء والتهجم على الموظفين الذين حاولوا فتح المبنى ومباشرة العمل فيه في السنوات السابقة.
ويستخدم الاحتلال أسلوب الحصار مع أهالي وبيوت البلدة القديمة، فإن لم يصادر هذا البيت استخدم أسلوب الحصار من خلال الحواجز، ومنع حرية التنقل والخروج أو الدخول للبلدة القديمة، حتى أصبحت المنطقة عبارة عن بيوت مهجورة.
سياسة الفصل العنصري التي اتبعها الاحتلال في المدينة القديمة ما بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي ازدادت إرهابا على يد المستوطنين، فيتعرض سكان البلدة القديمة للاعتداء من سكان البؤر الاستيطانية بالسلاح والتهجير.
عثمان أبو صبحة الباحث المختص بالاستيطان في مدينة الخليل قال في مقابلة مع (الرسالة) إن المنطقة المستهدفة تقع بالقرب من مبنى البلدية في البلدة القديمة المغلقة تماما والتي تمت مصادرها تقريبا، والاحتلال يسيطر عليها بشكل كامل من خلال أربع بؤر استيطانية وحتى البيوت المملوكة هناك لفلسطينيين هجروها بسبب سياسة الاحتلال، ومن تبقى هناك فهو يعاني من الحصار المفروض عليها بشكل غير مباشر.
ويضيف أبو صبحة: "أحتاج إلى تصريح لدخول الخليل بالإضافة إلى الوقوف على 120 حاجزا للوصول إلى أقاربي الذين يسكنون في البلدة القديمة، هناك أربعون ألف مواطن فلسطيني محاصرون، و4000 جندي يعملون على حراسة 500 مستوطن يعيشون في هذه البؤر!!"
ويوضح أبو صبحة أن المنطقة مقسمة لــ H1 – H2 وتحتل H2 20% من مساحة البلدة القديمة وهي منطقة يسكنها مستوطنون ويدخلها السكان العرب من خلال أرقام، قائلا: "لو أردت زيارة عمي في البلدة القديمة أحتاج لتصريح بالإضافة إلى أن الاحتلال أغلق 512 محلا تجاريا بأمر عسكري، و1100 محل أغلقها أصحابها بسبب سياسة التطفيش والحواجز ونقص الخدمات وعنف المستوطنين.
كل ما سبق جعل المدينة القديمة مسجلة كمدينة منكوبة من وجهة نظر أبو صبحة.
وفي منطقة تل الرميدة الواقعة على أحد المرتفعات في الخليل يبدو الوضع أكثر إجراما، وكأنها أصبحت دولة وحدها اختصها الاستيطان مبكرا لنفسه، رغم إصرار سكانها على البقاء عنادا وثباتا، رغم معاناتهم بدون خدمات صحية ولا مدارس، كما يقول أبو صبحة فقد بدأ فيها الاستيطان منذ عام 67 من خلال مستوطنة وهي واحدة من 5 مستوطنات (إسرائيلية) أقيمت في قلب البلدة القديمة في الخليل ومحيطها القريب في نفس العام، منها مستوطنة "كريات أربع" ومستوطنة الحي اليهودي، ومستوطنة بيت هداسا (الدبويا)، وبيت رومانو (مدرسة أسامة بن منقذ)، ومستوطنة أبراهام أفينيو (في حي الحسبة/سوق الخضار).
وهذا واقع مليء بالتشريد وحياة علقها الاستيطان في المنتصف، جعلت السكان محاصرين مقطوعين في الأزقة المغلقة بالحواجز ليس لهم خيار سوى الهرب أو الثبات، والثبات أعظم.