أعلنت إيران اكتشاف أول مخزون ضخم من معدن الليثيوم في سهل قهاوند، الواقع على بعد أكثر من 50 كيلومتراً شرقي مدينة همدان غربي البلاد.
وقدّرت وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية احتياطات الليثيوم المكتشف (صخور الليثيوم) بنحو 8.5 ملايين طن، وتأتي من منجمين منفصلين بمساحة تبلغ نحو 11 كيلومتراً مربعاً.
ما أهمية اكتشاف الليثيوم في إيران؟
قدّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2022، أنّ احتياطات الليثيوم بلغت 89 مليون طن في جميع أنحاء العالم.
وبعد الاكتشاف الإيراني أصبحت طهران تحتل المركز الرابع على المستوى العالمي في احتياطات الليثيوم، على الشكل التالي: بوليفيا التي يُقدّر إجمالي مخزونها بـ21 مليون طن، تليها الأرجنتين بـ19 مليون طن، ثم تشيلي التي تمتلك 9.8 ملايين طن، إيران 8.5 ملايين طن، وأستراليا 7.3 ملايين طن من الليثيوم. وبهذا يُقدّر احتياطي إيران من الليثيوم بنحو عُشر الاحتياطات عالمياً.
ويزداد الطلب على الليثيوم الذي يطلق عليه "نفط القرن الحادي والعشرين" لأنّه يستخدم مادةً رئيسة في الصناعات النووية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية، ويستخدم في صناعة الهواتف المحمولة ورقائق الحواسيب العملاقة وإنتاج الطاقة الشمسية، وأيضاً في إنتاج بطاريات السيارات العاملة على الطاقة الكهربائية التي تسمح بالاستغناء عن الوقود الذي يبعث غاز ثاني أكسيد الكربون.
ويُطلق على معدن الليثيوم اسم "الذهب الأبيض" أيضاً، لأهميته البالغة في الصناعات الحديثة من جهة، واحتمالات نفاد المناجم المكتشفة من جهةٍ أخرى، مما يجعل الدول المنتجة لهذا المعدن (إيران مثالاً) ذات أهمية على غرار الدول النفطية الكبرى.
خبراء طاقة إيرانيون صرّحوا أنّ حجم المخزون المكتشف من الليثيوم في إيران يجعلها ضمن الدول الأولى على الصعيد العالمي، ومن شأن ذلك أن يُحدث تحوّلاً هائلاً في اقتصاد إيران الوطني".
ومن المتوقع أن تبدأ إيران الإنتاج من رواسب خام الليثيوم في المنطقة التي تم الإعلان عن اكتشافها في مدينة همدان بحلول عام 2025، وفق المسؤول في وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية محمد هادي أحمدي.
ما تأثيره في الاقتصاد الإيراني؟
تُخطّط طهران للاستفادة من الليثيوم للنهوض بالقطاعات الصناعية التي تأثّرت بفعل العقوبات الغربية، كما أنّها تسعى إلى توفير فرص عمل جديدة وموارد إضافية من العملة الصعبة، إضافة إلى رفع الناتج القومي للبلاد وربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أنّه يمكن لإيران أن تستفيد من الليثيوم كمعدنٍ استراتيجي وخاصّة من أجل جعل اقتصادها، اقتصاداً عالمياً.
ويُشير الخبراء إلى أنّ الخطوة التالية بعد اكتشاف مخزون الليثيوم في مدينة همدان الإيرانية هو مجيء الاستثمارات والمعدّات المنجمية لاستخراجه، مع العلم أنّ الاستثمارات تقدّر بملايين الدولارات.
وبشأن الدول التي من المحتمل أن تستثمر في مناجم الليثيوم الإيرانية، تتصدّر الصين قائمة الأطراف المحتملة للتعدين والتنقيب عن الليثيوم في إيران تليها روسيا في المرتبة الثانية. وذلك لأنّ الصين تسعى إلى الاستحواذ على حصّة سوقية أكبر في مجال الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية الأولى عالمياً.
وتصرّح الولايات المتحدة عن انزعاجها من الصين بشأن الليثيوم، فتقول: "بلدٌ واحد يتحكّم في أكثر من 80% من سلسلة التوريد العالمية للمعادن النادرة والمهمة لصناعة السيارات الكهربائية ومكوّنات توربينات الرياح"، فيما يعود سبق الصين إلى الريادة في توريد هذه المعادن لكونها سبّاقة في الاستثمار في تعدينها دولياً وتكريرها حيث يجري تكرير نحو 85% من واردات أستراليا من الليثيوم في الصين.
وفي تشيلي تستحوذ شركة التعدين الصينية "تيانكي" على خُمس أسهم شركة تعدين الليثيوم المحلية "SQM". وتسيطر بكين حالياً على أصول كبيرة من الليثيوم في أميركا الجنوبية، وحقّقت أعمالها ما يقرب من 4.5 مليارات دولار في استثمارات الليثيوم على مدى السنوات الماضية في أميركا الجنوبية والمكسيك.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت الحكومة البوليفية اختيارها شركات صينية للعمل على تعدين الليثيوم في البلاد، مثل إنشاء وحدات صناعية لتصنيع البطاريات مع بدء الإنتاج بحلول عام 2025.
كما أنّ اكتشاف الليثيوم في إيران يُعزّز نهج "الاكتفاء الذاتي"، فبعد استخراج الليثيوم لن تستورد إيران جميع بطاريات الليثيوم والليثيوم أيون من الصين ودول أخرى. وبالتالي، يحقّق اكتشاف طهران مثل هذه الكمية الكبيرة باحتياطي 8.5 ملايين طن من الليثيوم تلبيةَ الطلب المحلي.
ويرى خبراء اقتصاديون إيرانيون أنّ اكتشاف الليثيوم سيغيّر ميزان القوى في المنطقة لصالح إيران، وسيعزّز مكانة طهران في مختلف المفاوضات، بما في ذلك المفاوضات لتشكيل تحالفات أو اتفاقيات اقتصادية ومالية، ويجعل هذا البلد يكتسب وزناً إضافياً في منطقة غربي آسيا ويُغيّر موقفه من التركيز على سوق النفط إلى أسواق الليثيوم.
لماذا تخشى (إسرائيل) من ليثيوم إيران؟
اكتشاف الليثيوم في إيران ليس جديداً، قد مضى عليه أكثر من شهرين، لكنّ (الإسرائيليين) تنتابهم الخشيةُ من وضعٍ غير مسبوق، يتحقق للإيرانيين جيوسياسياً واقتصادياً بثروة الليثيوم.
هذا الأمر أثار تفاعلاً لدى الاحتلال ووسائل إعلامه، إذ قالت الخبيرة في الجغرافيا السياسية، عنات هوخبرغ ماروم، لصحيفة "معاريف" (الإسرائيلية) إنّ "اكتشاف خزان الليثيوم الإيراني سيغيّر موازين القوى الإقليمي".
لذلك فإنّ قوّة إيران في مجال الطاقة تأتي لغير مصلحة "إسرائيل" بطبيعة الحال، فهذا الأمر يجعل قلق (الإسرائيليين) مُضاعفاً، إذ إنّ لإيران قوّة عسكرية متعاظمة، وامتلاكها مصادر الطاقة والتصنيع عامل قوة مضاف.
وما يزيد الأمر أهمية استراتيجيةً إعادةُ ترتيب إيران علاقاتها في الخليج، ومع دول عربية أخرى، وتعزيز علاقاتها العسكرية البحرية في المحيط الهندي، وصولاً إلى علاقة استراتيجية مع الصين، كذلك العلاقة مع روسيا.
وترى "معاريف" (الإسرائيلية)ـ، أنّ إيران ستحقّق ربحية بالغة الأهمية، من خلال امتلاكها 10% من احتياطيات العالم من الليثيوم، وهذا الأمر بإمكانه أنّ يرفد الاقتصاد الإيراني، ويبطل فاعلية العقوبات المفروضة عليها من الغرب، وفقاً للخبيرة (الإسرائيلية).
وتفصيلاً لتلك الأهمية، تقول الصحيفة إنّ للاكتشاف تأثيراً كبيراً في أسواق الطاقة والتعدين العالمية، وتُشير إلى أنّ صناعات البطاريات والسيارات الكهربائية، مادتها معدن الليثيوم.
وتتوقّع وسائل إعلام (إسرائيلية) أن تَحدُثَ تغييرات عالمية بعيدة الأمد اقتصادياً وسياسياً، فمركز الثقل سيتحوّل مجدداً إلى الشرق الأوسط، حيث تكون إيران لاعباً جيوسياسياً مهماً، يتحكّم في مادة خام استراتيجية طاقوية.
وتنظر "إسرائيل" إلى الاكتشافات الإيرانية في مجال الليثيوم بأنّها تُشكّل انتصاراً على صعيد الوعي ضد الولايات المتحدة وحلفائها. كما يخشى الاحتلال الإسرائيلي من أن يؤدي معدن الليثيوم إلى علاقات أوثق بالصين ودول إضافية في جنوبي شرقي آسيا، وخصوصاً إندونيسيا، وهذا الأمر يُساهم في تعزيز العلاقات فيما بينها.
المصدر: الميادين