لم ينته مسلسل القتل في الداخل المحتل، وأعداد الضحايا تتصاعد حتى بلغت حوالي 103 قتيلا مع بداية العام حتى منتصفه، وهذه إحصائية خطيرة مقارنة بالسنوات السابقة التي كان يصل فيها عدد الضحايا طيلة العام إلى ذات الرقم.
ورغم محاولات قيادات سياسية واجتماعية وضع خطط وتنصيب لجان من أجل الحد من جرائم القتل، إلا أن الأمور تزداد تعقيدا بفعل التسهيلات التي يقدمها الاحتلال للشباب الفلسطيني في الداخل المحتل كحمل السلاح دون ترخيص، وذلك لتحقيق مآرب يسعى لها الشاباك (الإسرائيلي) والأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) لإضعاف المجتمع في مدن وقرى الداخل عبر تغذية جرائم القتل وتسهيل تنفيذها.
ووفق الإحصائيات التي رصدت ضحايا جرائم القتل في الداخل المحتل خلال السنوات الأربع السابقة، فإن عدد القتلى في 2020 هو 111، والرقم نفسه في عام 2021 لكن كان بينهم 16 امرأة، وفي 2022 وصل عدد الضحايا إلى 109، وفي الشهور الستة الأولى من 2023 وحتى كتابة التقرير حوالي 103.
هذه الأرقام -وفق مختصين- تحتاج إلى وقفة جادة من الكل الوطني للحد من الجريمة وتفكيك المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، وإغلاق كل الطرق على الاحتلال الذي يسهل وقوعها.
أصل الورطة
يقول محمد جبارين من الحراك الفحماوي إن ارتفاع عدد ضحايا جرائم القتل يأتي ضمن مخطط ممنهج تقوده الحكومة (الإسرائيلية) وأجهزتها الأمنية.
ويذكر جبارين أن أسباب انتشار الجريمة واضح للجميع فهي سياسة ممنهجة بدأت منذ عام 2000 بعد أن انتفض شباب الداخل الفلسطيني دفاعا عن المسجد الأقصى وحينها ارتقى 13 شهيدا، ومنذ ذلك الوقت عمل الاحتلال بدعم من أجهزته الأمنية على استئصال آلاف الشباب وحرفهم عن القضايا الوطنية.
ولفت إلى أن الحراك الفحماوي كان له دور أساسي في فضح المخطط (الإسرائيلي) ورفع شعار الشرطة "أصل الورطة" وسلط كل أصابع الاتهام للاحتلال، وأصبح هناك تراشق للاتهامات ما بين أجهزته الأمنية والشاباك، فالأخير يدعي أنه لا دخل له بالمشاكل الجنائية"، والشرطة تقول إن رؤساء عصابات الإجرام يعملون بتحصين من أجهزة الشاباك.
ويرفض مسؤولون في الشاباك إشراك الجهاز في مكافحة الجريمة لمنع كشف أدواته وتقويض قدراته، في حين ترى هيئات قضائية أنه سيكون لذلك "تأثير عميق وأساسي على طبيعة النظام الديمقراطي"، كما نقلت صحيفة "هآرتس العبرية".
لكن كل ما سبق هو حجج واهية لإيقاع المزيد من جرائم القتل دون محاسبة أو ملاحقة الجناة حتى، العنف الموجود بين فلسطينيي الداخل متنوع ويشمل النزاعات العائلية ونسبتها ضئيلة، بينما جرائم القتل المنظمة هي الأكثر انتشارا وتقف وراءها منظمات إجرامية تحركها مخابرات الاحتلال واستهدافها المباشر للشخصيات الفلسطينية المؤثرة.
تعطيل "إفشاء السلام"
وفي ظل تصاعد وتفشي الجريمة في كيان العدو؛ وحسب معطيات رسمية (إسرائيلية) مصدرها شرطة الاحتلال نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان (الدم الرخيص)، فإن حالات جرائم القتل في الداخل المحتل هي أكثر بـ 3 أضعاف مثيلتها في المجتمع (الإسرائيلي).
بالمقابل فإن حالات تقديم لوائح اتهام ضد المجرمين في الداخل المحتل هي أقل بـ 4 أضعاف من مثيلتها في مجتمع العدو.
فمنذ بداية العام 2022 تم الوصول إلى حل 75% من جرائم القتل لدى المحتلين اليهود، مقابل 19% فقط لدى فلسطينيي 48.
وهذه الأيام تزايدت حالات القتل في مدن وقرى 48، وأصبحت شبه عشوائية وبشكل أصبح من الصعب على المواطنين الخروج بأمان من منازلهم للذهاب إلى أعمالهم أو مصالحهم أو للتسوق.
لم يتوان رجال السياسة والمجتمع عن طرح حلول للحد من الجريمة، لكن بشكل رسمي ومعلن وبعد الإفراج عن الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، أعلن عن لجنة (إفشاء السلام) للحد من جرائم القتل، فتشكلت لجان محلية في كل بلدة لنشر ثقافة التسامح وإعادة العادات والتقاليد والتراث العربي الفلسطيني الذي يحمي المجتمع من جرائم القتل، ويخلق قوى داخلية لحمايته.
جالت تلك اللجان بين المواطنين في المساجد والجمعيات ودواوين العائلات للحديث عن الترابط المجتمعي، ودرء جرائم القتل جانبا وعدم السماح للاحتلال بإثارة الفتنة بينهم، فتحمس المواطنون آنذاك، لكن لا تزال الجرائم في حال صعود بسبب عرقلة جهاز الشاباك لها وتغذية جيل الشباب بالسلاح غير المرخص.
يذكر أنه منذ بدء عملها لامست اللجنة اختلافا في عدد الجرائم والعنف في قرى الداخل المحتل، حيث تشكلت وقتها أكثر من 90 لجنة في الداخل المحتل تتعاون فيما بينها في حل المشاكل خاصة في الجليل والمثلث والنقب.
وحدة السيف ولجنة عبري
تقول نفين أبو رحمون الناشطة السياسية من الداخل المحتل:" العنف وجرائم القتل هي شغلنا الشاغل في الداخل خاصة في ظل انعدام الامن الشخصي (..) نخشى على حياتنا وأولادنا".
وتضيف أبو رحمون: "نحن كفلسطينيين في الداخل المحتل لا توجد لنا علاقة جيدة مع الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) كون (إسرائيل) قائمة على أساس استعماري وبالتالي العلاقة متوترة منذ النكبة الفلسطينية مرورا بالحكم العسكري إلى الصاعقة التي أصابت الاحتلال في انتفاضة الأقصى سنة 2000".
وتوضح (للرسالة نت) أن انتفاضة الأقصى دفعت الاحتلال وأجهزته الأمنية لإعادة الحسابات حين شاهدوا شباب الداخل المحتل ينتفض دفاعا عن الأقصى، فغير أساليب التعامل للأسوأ.
وأشارت أبو رحمون إلى أن الاحتلال كان يعتقد أن فلسطينيي الداخل يتبعون في تسيير الأمور الخدماتية له فولائهم سيكون لـ (إسرائيل) لكن تفاجأ حين شاهد انتماءهم بالكامل لفلسطين من خلال تواجدهم في الشارع دفاعا عن الأقصى والشهداء.
وذكرت أن الاحتلال بعد عام 2000 شكل (وحدة السيف ولجنة عبري) لمحاولة فهم ما يجري في أذهان فلسطينيي الداخل، مشيرة إلى أن أجهزة الأمن (الإسرائيلية) واصلت تشديد الخناق على فلسطينيي الداخل من الناحية الاقتصادية.
ولفتت إلى أن جهاز الشاباك يتعمد تزويد شباب الدخل المحتل بقطع السلاح، وذلك من خلال شهادات شرطية أفادت أن 40 ألف قطعة سلاح تستخدم في جرائم القتل ومعظمها سرب من قواعد الجيش (الإسرائيلي).
وتؤكد الناشطة السياسية أبو رحمون أن المجتمع الفلسطيني في أراضي الـ 48 بطبيعته يرفض العنف، لكن ما يجري هو قرار مؤسساتي من الاحتلال للسيطرة عليه عبر ثغرات معينة يتم استغلالها كحاجة الفلسطينيين الاقتصادية أو غياب مرجعيتهم السياسية.