نشر مركز عدالة، تقريرا مطولا بعنوان "عامان على هبة الكرامة"، استعرض فيه الوقائع والمعطيات بالأرقام، حيث وثق شهادات عشرات الشبان والمعتقلين حول ما حدث خلال هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021، وكم الانتهاكات والاعتداءات الوحشية التي تعرضوا لها من أفراد الشرطة (الإسرائيلية) والمستوطنين.
ويحلل التقرير السياسات القمعية التي انتهجتها (إسرائيل) ضمن نظام فصل عنصري، وذلك من خلال وجود نظامين مختلفين لتنفيذ القانون وتطبيقه، واحد للفلسطينيين وآخر لليهود، ومن ضمنها كيفية التعامل مع الملفات من قبل المحاكم والأحكام القاسية وغيرها.
إضافة إلى ذلك، يحلل حيثيات استشهاد كل من الشهيد موسى حسونة في اللد برصاص المستوطنين، واغلاق الملف ضد المشتبهين بالقتل من الشرطة والنيابة العامة (الإسرائيلية). والشهيد محمد كيوان برصاص الشرطة في أم الفحم.
ويستعرض التقرير في أربعة فصول المعطيات وأنماط القمع التي استخدمتها الشرطة (الإسرائيلية) للتظاهرات، مثل قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي والإسفنجي والمغلف بالمطاط، إضافة إلى الرصاص الحي.
كما يستعرض التقرير أمثلة على استعمال العنف المفرط والوحشي من قبل الشرطة خلال قمع المظاهرات وفي داخل محطات الشرطة، إضافة إلى الممارسات القمعية الأخرى كمنع دخول المحامين لمحطات الشرطة وانتهاك حقوق القاصرين.
بالإضافة إلى ذلك، يتناول التقرير وسائل الرقابة والمراقبة التي تم استخدامها خلال الهبة، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو في الحيز العام، وقمع الحق في الاحتجاج وحرية التعبير.
ومن أبرز المعطيات التي جاءت في التقرير هو التباين في عدد المعتقلين، فمع إعلان الشرطة الإسرائيلية حملة "القانون والنظام" وتجنيد آلاف عناصر الشرطة.
وكذلك عناصر من الشاباك للمشاركة فيها، وبدء حملة اعتقالات قمعية واسعة، لم تعلن الشرطة رسميا عن عدد المعتقلين، ويبدو أنها لا تملك الرقم الحقيقي أو أنها تخفيه.
وجاء في التقرير أنه "وفقا لمعطيات الشرطة (الإسرائيلية) ردا على طلب حرية معلومات توجه به مركز عدالة، تم تنفيذ 1,845 اعتقال في إطار ما سمي بحملة "قانون ونظام".
مع ذلك، لاحظنا وجود فجوة كبيرة بين هذا المعطى وبين الأرقام الرسمية التي نشرتها مؤسسات الدولة في أماكن أخرى. ففي تقريرها عن حملة "قانون ونظام"، والذي نشر في الثالث من حزيران/يونيو 2021، تشير الشرطة (الإسرائيلية) إلى أن عدد المعتقلين في الحملة قد وصل إلى 2142.
حصانة للمستوطنين
بينما يشير تقرير مراقب الدولة بشأن عمل الشرطة أثناء هبّة الكرامة في المدن "المختلطة" إلى وجود فجوة كبيرة بين عدد المعتقلين الذي أعلنت عنه وحدة التحقيقات في الشرطة وتلك التي أعلن عنها قسم البحوث والإحصاءات في الشرطة.
إذ يشير الأول إلى وجود ما يقارب الـ 3,200 معتقل أثناء الهبة وفي حملة "قانون ونظام" التي تبعتها، بينما يشير الثاني إلى وجود 2,200 معتقل فقط".
من بين الـ 1845 معتقل الذين صرحت عنهم الشرطة في ردها على طلب حرية المعلومات، كان هناك 1671 معتقلا فلسطينيا، وذلك مقابل 171 معتقلا يهوديا فقط.
ذلك على الرغم من الشكاوى العديدة التي تقدم بما مركز عدالة لمناشير تحريضية وتهديدية، وكذلك الهجمات التي نظمها المستوطنين بالمئات على الفلسطينيين في المدن الساحلية "المختلطة".
كما وتظهر المعطيات أن عدد المعتقلين القاصرين دون سن الثامنة عشر قد وصل إلى 291، بالإضافة إلى 1551 معتقل بالغ. بما معناه، 91% من مجمل المعتقلين كانوا عربا، وأكثر من 15% من المعتقلين قاصرين.
وعند التعمق في بنود لوائح الاتهام ذاتها، يتضح أن النيابة العامة (الإسرائيلية)، شكلت ذراعا أخرى لإحكام القبضة على فلسطينيي الداخل المحتل، حيث تعاملت معهم على كونهم "العدو من الداخل" الذي قام بفتح جبهة إضافية ضد الدولة أثناء خوضها الحرب مع "العدو من الخارج"، وفقا لتوصيفها.
ويظهر هذا بشكل جلي من المقدمة التي أرفقتها النيابة العامة استهلالا لجميع لوائح الاتهام التي قدمت ضمن الهبة، لتأطير الأحداث ضمن سياق أوسع واضفاء البعد الأمني فضلا عن الجنائي على لوائح الاتهام.
شهادات التعذيب والتنكيل
وأرفق التقرير شهادات من عشرات المعتقلين حول التنكيل والتعذيب الذي تعرضوا له داخل وخارج محطات الشرطة، ومن بينهم محامين تم الاعتداء عليهم وعابري سبيل بالإضافة للمتظاهرين، وذلك ضمن شكاوى قدمها مركز عدالة لقسم التحقيق مع أفراد الشرطة "ماحاش"، والتي أغلقت جميعها دون استثناء.
على سبيل المثال، (ي.م)، وهو قاصر من مدينة يافا الذي يبلغ من العمر 12 عاما، وكان قد خرج برفقة أصدقائه إلى الحي لاقتناء بعض الحلوى بعد الانتهاء من إفطار رمضان ذلك المساء، فوجد بطريقه قوات كبيرة من الشرطة تطلق قنابل صوتية ورصاص إسفنجي بشكل عشوائي في الشارع.
لتفادي الإصابة، ركض القاصر نحو شارع جانبي باحثا عن ملجأ يحتمي به، وإذ بشرطي يطلق النار عليه مباشرة ويصيبه في ظهره برصاصة إسفنجية عن بعد أمتار قليلة فقط، ومن ثم يتركه ملقا على الأرض نازفا.
بعد مرور دقائق عدة، عثر عليه أحد أصدقائه وقدم له وبعض المارة المساعدة، حيث تم نقله على الفور إلى مشفى "وولفسون" لتلقي العلاج. مكث (ي.م) ما يزيد عن الأسبوع في المشفى في وحدة العناية المكثفة، حيث تبين أنه يعاني من إصابات داخلية عدة، منها إصابات في الرئة والكلية والكبد.
وهناك شهادات حول التنكيل والاعتقال غير القانوني مثل ما حدث في طوبا الزنغرية، إذ خرج (م.ع) ليتفقد بوابة منزله بعد سماعه لدوي قنابل كثيف بالقرب منه، وما أن وصل إلى المدخل، بدء أفراد من الشرطة بملاحقته إلى داخل منزله، لينهالوا عليه بالضرب أمام عائلته وأطفاله.
قامت قوات الشرطة بسحبه إلى الخارج ونقله إلى ساحة المجلس المحلي، حيث تركَ مكبَل اليدين والرجلين لساعات طويلة بشكل مهين وتعسفي، قبل أن ينقل إلى محطة الشرطة. هناك وفقط بعد مضي ساعات عديدة تم إعلامه أنه معتقل واقتياده إلى التحقيق.