غزة / ديانا طبيل
كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً حين بدأت أصوات نشاز بالانبعاث من مكبرات الصوت " والله لاعبر على تركيا واشرب ويسكي " ثم تلتها أغنية أخرى " ترامال ترامال بدنا ترامال " و " اذبح.. صه.. صه".
هذه مقتطفات من بعض ما يسمى الأغاني التي يرددها ما يطلق عليهم "المطربون الشعبيون" فيما يعرف غزياً بـ" سهرة الشباب " التي جرت العادة على تنظيمها قبل حفل الزفاف بيوم, و بالعادة تجمع السهرة أصدقاء وأقارب ومعارف وجيران العريس بينما تشاهدها الكثير من النسوة من شرفات المنازل والنوافذ .
"الرسالة" حاولت تقصي انطباع وآراء المواطنين حول هذه الكلمات، ولماذا وصلت لمثل هذا المستوى المتدني.
طقوس
يبدأ الإعداد للحفلة منذ ساعات النهار الباكر حيث يشارك الجيران بتنظيف المنطقة وترتيبها وتزيينها ورص الكراسى ونصب المنصة، كما تجتمع نسوة الحي لطبخ " السمقية " وسكبها في صحون بلاستيكية إضافة إلى تحضير كافة أنواع المخللات لتقديمها بجوار السمقية لكافة الموجودين بالحفل بالإضافة إلى الشاي والقهوة والعصائر المختلفة .
ويستأجر أهل العريس ما يسمونه "مطربا شعبيا" لإحياء الحفل أو يكتفون باستئجار جهاز "استيريو".
"السهرة الشبابية" تعتبر تكلفة مهلكة للشباب، فأجرة المطرب الواحد تتراوح بين 2000 و 2500 شيكل إلى جانب التكلفة الأخرى التي يتكبدها العريس من مشروبات ووجبة عشاء واستقبال الضيوف والمنصة وما إلى ذلك من ترتيبات منفصلة عن ترتيبات يوم الزفاف حيث طعام الغداء والزفة والموصلات وقاعة الفرح .
إلى جانب التكلفة العالية لمثل هذه الحفلات فإنها تتميز أيضاً بالانحدار في مستوى "الأغاني" التي يرددها الجيل الصاعد.
لم تطرب اذني
المواطن أبو أكرم " 70 عاما " يقول لـ " الرسالة" أن سهرة الشباب عادة قديمة بالمجتمع الفلسطيني, فقديما كان اهل الحي يجتمعون قبيل موعد الزفاف بأيام فى جلسات سمر يطلقون عليها اسم " الدحية " يعزفون فيها أجمل الأناشيد التراثية والوطنية ، ثم يقفون فى صفوف متماسكة يدبكون على أنغام عتابا وميجانا حتى ساعات الفجر ويقدمون فيها ما تيسر من طعام.
وأضاف: لكن هذه العادة الجميلة انحدرت كما انحدرت كافة العادات الجميلة التي حملناها معنا كتراث فلسطيني أصيل فاليوم الاغانى تكاد لا تفهم منها شيئا اضافة إلى انحدارها اللغوي والاخلاقى.
وتابع: ألبي كثيرا من الحفلات التي أدعى إليها كنوع من المجاملة، وذكر أبو أكرم مثالا على ذلك حفلة احد أحفاده الذي أصر على استئجار أحد المطربين ودفع مبلغ 500$ مقابل ساعتي غناء لم تطرب اذنيه لدقيقة واحدة، كما يقول.
فى حين يرى ماهر أبو سهيلة " 23 عاما " أن سهرة الشباب شيء مهم وضروري وعادة لا يمكن الاستغناء عنها خاصة فى ظل غياب الأماكن الترفيهية الخاصة بنا لذا نجد فى التجمعات الشبابية فى سهرات الأفراح مكانا للالتقاء بالأصدقاء والأحبة ، كما أن السهرة الشبابية تمكننا من مجاملة العريس وتقديم التهاني خاصة وان الغالبية العظمى من اهالى غزة ألغوا طعام الغداء العام الذى كان يمكننا من تقديم التهاني التبريكات للعريس .
هابطة شكلاً ومضموناً
فى حين يرفض كمال ياسين " 28 عاما " حضور مثل هذه الحفلات التي يعتبرها هابطة شكلاً ومضموناً ابتداء من المطربين الذين يغنون أغاني لا تحمل فكرة أو مضمونا.
ويضيف: هناك الكثير من التفاصيل المملة التي تحدث داخل هذه السهرات كالرقص الخليع وتناول والسجائر والنارجيلة .
ويتابع ياسين: كما أن هذه الحفلات مكلفة فقد تصل تكاليف الحفلة الشبابية قرابة 1000 دينار اردنى، فقد سمعت أن احدى العائلات جلبت قرابة عشرة مطربين إلى سهرة ابنهم وهذا يعنى أن أجرة كل واحد منهم مجتمعة تساوي تكلفة زواج جديدة، موضحا أن الكثير من المطربين لا يمتون للفن بصلة لا بصوتهم أو أدائهم.
أما أسامة عبد العال " 24 عاماً " فيرفض فكرة السهرات الشبابية جملة وتفصيلاً حتى الاسلامية منها لما فيها من إهدار للمال دون فائدة ، موضحاً أن الفرحة والمجاملة والمباركة وما إلى ذلك من أمور بإمكانك إيجاد مئات الوسائل لتقديمها .
ويضيف: بعد أشهر قليلة سأحتفل بزواجي دون اى سهرة أو زفة أو فرقة فدعوس فالأصل أن يبادر الإنسان للاحتفال بما هو شرعي والأصل فى الإسلام تقديم وجبة الغداء والتي تتشابه بتكلفتها مع السهرة.
بينما يقول لؤى حسونة " 27 عاما " أن الذهاب إلى سهرات الأفراح جزء مهم من برنامجه المسائي لكنه يفضل الذهاب إلى السهرات الاسلامية التي بالعادة تكون صاحبة فكرة ومضمون اضافة إلى أن بعض الحفلات لا تصدح فيها مكبرات الصوت إلا الاغانى الوطنية والنضالية والتراثية ، موضحا أن الغالبية العظمى من الحفلات التي يغنون فيها اغانى هابطة لا يتواجد بها إلا المراهقون فقط.